من أبعد المطران نصّار.. الفاتيكان أم جنبلاط ؟


لا زال قرار الفاتيكان القاضي بعزل وإقصاء المطران الياس نصّار عن أبرشية صيدا ودير القمر وتوابعهما للطائفة المارونية يتفاعل على أكثر من صعيد. وآخرها ما تعرّض له المحامي وديع عقل من تهديدات بملاحقته قضائياً، "تقف وراءها جهات كنسيّة وحزبيّة" على خلفيّة الآراء التي عبّر عنها عقل في هذه القضية ودعمه العلني للمطران نصّار على أكثر من صعيد.

تواصل "ليبانون ديبايت" مع المحامي وديع عقل، لمعرفة ملابسات ما تعرض له من تهديدات، وأكد في حديثه لموقعنا بأنه تلقى عدد من الرسائل التهديدية من أكثر من طرف، مفادها أن يبقى بعيدا عن قضية المطران نصار، ويقول بأن هذه الأطراف هي نفسها المتضررة من وقوفه الشخصي ، القانوني والإعلامي لجانب المطران المستهدف. والمتضررة بالتالي من الضغط باتجاه إظهار حقيقة ظلم الكنيسة للمطران نصار.

لا يتوانى عقل عن الإشارة إلى الجهات التي يمكن أن تقف وراء هذه التهديدات، ويقول بأنها الجهات نفسها المنزعجة من المطران نصار والقضايا التي كان يدافع عنها في الجبل، أي النائب وليد جنبلاط. حيث "كان المطران نصار مصدر إزعاج لجنبلاط لأنه كان دائم المطالبة بحقوق المسيحيين الذين تهجروا في الحرب وبحق عودتهم إلى الجبل" ومن أبرز المواضيع التي شكلت إزعاجا لجنبلاط هي عمل المطران نصار على حق المسيحيين بمياه نبع الصفا (وهو النبع المعروف تاريخيا وقام أخوت شاناي بجرّ مياهه إلى بيت الدين)، و"حصل نزاع بين جنبلاط والمطران على خلفية هذا النبع الذي أثبت نصار بأن ملكيته تعود للمطرانية المارونية، ولكن لا زالت كل المناطق التي يجب أن تتغذى من هذا النبع لا تستفيد من مياهه لأن جنبلاط يحتكر مياهه ويجرها". كما أن هناك نزاع بين الرجلين على بعض الأراضي وملكيتها.

ويرى عقل بأن الظلم اللاحق بالمطران نصار لا يقع عليه وحده بل على كل القضايا التي كان مدافعا شرسا عنها، وأهمها حق المسيحيين بالعودة، "وهي القضايا التي شكلت سببا أساسيا لعزله". ويشكك بقرار العزل، ويضعه في إطار المخالفة للقانون الكنسي فـ"المطران يُنتخب انتخاباً، ما يعني أن عزله ليس بالأمر السهل إلا إذا كان قد ارتكب مخالفة كبيرة"، ما يعني أن "هذا القرار إرادة داخلية مغلفة فاتيكانيا، كون المارونية كنيسة مستقلة بذاتها ولا تتدخل الفاتيكان بأمورها، ولكن غلّفت بكركي القرار بإطار فاتيكاني، لأنها لا تريد أن تأخذ المبادرة وتعزل مطرانا من أبرشيته، وهو الأمر الذي يُعتبر سابقة في التاريخ".

ويسرد عقل لـ"ليبانون ديبايت" رواية تثبت تشكيكه بالقرار الصادر بحق المطران نصار. ففي التاريخ الماروني، في أيار الـ1955 عندما توفي البطريرك أنطوان بطرس عريضة واجتمع المطارنة لينتخبوا بطريركا جديدا، دخل عليهم القاصد الرسولي في القدس "المونسينيور أودّي" آتيا من الفاتيكان، ويتلو عليهم رسالة يرجع تاريخها لـ27 أيار الـ1955 باللغتين اللاتينية والفرنسية موجّهة من البابا، وفيها قرارين اثنين (تعليق أعمال المجمع الماروني اللبناني أي حل مجمع المطارنة، وتعيين بولس المعوشي بطريركا على الطائفة المارونية). وكانت هذه الرسالة سابقة تاريخية لتدخّل الفاتيكان بشؤون الكنيسة المارونية. ولكن بعد سنة من القرار ذلك زار مطران طرابلس "مطران العبد" الفاتيكان، وعندها سأله البابا "كيف هو حال البطريرك الختيار" ويقصد هنا البطريرك عريضة، ليجيبه: "بطريركنا توفي وعينت الفاتيكان مكانه بطريرك آخر" ليتفاجأ البابا يومها وينفي أن يكون للفاتيكان علما بهذا الأمر، وعندها صلّحت الفاتيكان الوضع مع بكركي. أما السابقة التاريخية الثانية فهي بقرار عزل المطران نصار.

وعليه، مجرد البحث في القانون الكنسي، والتاريخ الماروني والتمعن بهذه القصة، نستطيع التوصل إلى وضع إشارات استفهام عريضة على القرار الفاتيكاني الأخير، والذي على بكركي أن توضّح للرأي العام حيثياته القانونية، وتثبت بأنه قراراً فاتيكانياً في الشكل والمضمون...!!!

تعليقات: