لأول مرة منذ نحو ٦٠ عاماً.. الدب السوري يظهر في لبنان


رغم المآسي البيئية على أكثر من مستوى في لبنان، لا سيما على صعيد التدهور البيولوجي، سجلت الأيام الاخيرة من العام 2016 حدثاً تاريخياً فريدا ومميزاً تمييز بتوثيق ظهور الدب البني السوري في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وتحديداً في جرود بلدة نحلة – قضاء بعلبك.

وبحسب المعلومات المتوفرة، قام مجموعة من الشبان بتسجيل شريط فيديو ، حصل موقع greenarea.me على نسخة منه، يظهر انثى الدب البني السوري، على الارجح أنها برفقة ديسم (صغير الدب) يجولان في الاراضي اللبنانية المغطاة بالثلوج.

ويشير المصور المتخصص في توثيق الحياة البرية، فؤاد عيتاني، الى ان الفيديو تم تسجيله من قبل مجموعة من الشباب ليلة 29 كانون الأول (ديسمبر) 2016 بعد ان تم رصد الدب بمنظار ليلي.

ونشر خلال الاعوام الماضية اخباراً لم يجر التأكد من صحتها من قبل مصدر علمي رسمي، عن ظهور الدب البني السوري في منطقة جرود القلمون السورية في العام 2015. اما في العام 2004 فانتشر خبر ظهور الدب السوري في قرية سنير جنوب شرق سوريا، كما نشر خبر عن مشاهدة قطيع من الدببة في المنطقة نفسها في العام 2011.

greenarea-brown-syrian-bear يؤكد المدير التنفيذي لجمعية حماية الطبيعة في لبنان، أسعد سرحال، ان عودة الدب السوري الى لبنان، فيما لو تم تأكيده بشكل قاطع، هو حدث تاريخي ومؤشر ايجابي جداً، اذ ان اقرب نقطة يشاهد فيها هذا النوع من الدببة تبعد حوالي 500 كلم لجهة تركيا.

ويضيف سرحال الذي نشر العام الماضي بالشراكة مع سعيد الخزاعي، كتاب “الديل الحقلي لثديات الشرق الأوسط”، انه يوجد حوالي 16 سلالة مختلفة من الدببة البنية في العالم. سلالة الدب البني المنتشرة في شرق البحر المتوسط تعرف بالسلالة السورية. يفضل الدب العيش في المناطق الجبلية والغابات الكثيفة.

ويمتاز الدب البني السوري انه أصغر نسبياً من السلالات الأخرى. الذكر أكبر حجما من الأنثى ويصل طول جسمه الى حوالي 153 سم، وترتفع أكتافه عن الأرض حوالي 82 سم، ويصل وزنه الى حوالي 170 كجم. يتميز هذا النوع من الدببة بلون الفرو البني الفاتح المصفر، وهو قوي البنية والعضلات. له ذيل قصير (حوالي 10 سم)، وأقدام ضخمة وقصيرة (الخلفيتان أطول من الأماميتين) ولكل قدم خمسة أصابع تنتهي بمخالب حادة، في حين أن الأكف عريضة. الأذنان قصيرتان ومستديرتان، والعينان صغيرتان، وله فكّان قويان جداً.

ويعيش الدب في الكهوف على جوانب الجبال المنحدرة، ويعرف عنه حبه للتجوال خلال ساعات الليل ولمسافات طويلة جداً. من المعروف بأن الدببة التي تعيش في مناطق مرتفعة جداً وتغطيها الثلوج تدخل طيلة فصل الشتاء في ما يسمى بالبيات الشتوي، بينما نجد أن تلك التي تعيش في أماكن أقل برودة ليست في حاجة الى هذا السبات العميق. يتنقل لمسافات شاسعة في فصلي الربيع والخريف.

field-guide-2 أما حول عوامل ظهور هذا الدب في فترة العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان في اواخر العام 2016 فيقول سرحال انه على الارجح، ان هذا الدب كان يحاول الانتقال الى منطقة آمنة، خصوصاً ان الحدود اللبنانية السورية تشهد بشكل متقطع معارك نتيجة الحرب في سوريا. اما وجود الديسم مع امه، فيما لو تم تأكيده ايضاً، فهذا يعني انه ولد في ربيع العام 2016 او العام الذي سبقه لان الانثى لا ترعى صغارها لفترة تزيد عن العامين. ويلفت سرحال الى انه يمكن لأنثى الدب السوري أن تحمل عندما تبلغ ثلاث سنوات من العمر، وبعد التزاوج، يستمر الحمل لحوالي سبعة اشهر، وتلد خلال فصل الربيع اثنين من الصغار. ترعى الأم صغارها لمدة عام أو أكثر، وتكون شرسة في الدفاع عنها. يعمر الدب بين 15 و30 سنة.

وتتنوع مصادر غذاء الدب البني السوري ويعتمد على المواسم. يقتات على الأعشاب، والجذور، والحبوب، والفاكهة، والأسماك، والحشرات، والحيوانات البرية والداجنة، وأحياناً الجيف. يأكل الحمص خلال الربيع ويمكنه اتلاف حقل بكامله، وفي كثير من الأحيان يهاجم الماشية وبالذات بعد البيات الشتوي. يحب العسل، ومع نهاية الصيف يأكل العنب.

ويشدد سرحال على اهمية نظام الحمى، في توثيق الحياة البرية. لافتاً الى ان الجمعية ومن خلال برنامج “حامي الحمى” قد استطاعت توثيق العديد من المشاهدات المتعلقة بحيوانات وطيور كان يعتقد انها اختفت بشكل نهائي من الطبيعة في لبنان. ومن ابرز الامثلة توثيق الناشط في الجمعية بيرج طمبوريان عبر كاميرا فيديو ليلية عودة ثعلب الماء المهدّد بالانقراض عالمياً، الى حمى عنجر- كفرزبد.

وكان المجلس الوطني للبحوث العلمية قد أعلن انقراض هذا النوع من لبنان قبل توثيق ظهوره في الأراضي الرطبة في هذه المنطقة التي تحظى باهتمام دولي بسبب احتضانها لأعداد كبيرة من الطيور والنباتات، وبينها النعار السوري الموضوع على اللائحة الحمراء للاتحاد العالمي لصون الطبيعة.

ويلفت سرحال الى انه: “فيما لو سمحت الظروف الميدانية في منطقة السلسلة الشرقية وتحديداً في جرود نحلة ورأس بعلبك والفاكهة، فان الجمعية سوف تسعى من خلال برنامج “حامي الحمى” الى توثيق ادق لعودة الدب السوري، وتخصيص برنامج خاص لرعايته وحمايته واجراء بحث علمي معمق يحدد مواقع الدببة البنية السورية واعدادها وكيفية عيشها. وفي العام 2013، وفي تجربة هي الأولى من نوعها، أعلن عن انطلاق مشروع “حمى الفاكهة”، البلدة المصنّفة منطقة مهمة للطيور، والتي قرّرت أن تنظّم الصيد بطريقة تسمح بالحفاظ على التنوّع البيولوجي، إضافة إلى تنظيم الرعي وتشجيع السياحة البيئية ودعم الحرف المحلية.ويمتد هذا الحمى من طريق وادي فعرة غرباً حتى حدود منطقة الشرقي.

ودعا سرحال إلى تكريس نظام الحمى الذي مارسته القرى والبلدات اللبنانية كتقليد موروث، بما يضمن الاستفادة القابلة للاستمرار من الموارد الطبيعية.

وخلال العام 2016، وبالاستناد الى برنامج مراقبة امتد اربع سنوات، استطاع الدكتور غسان رمضان جرادي الخبير في علم الطيور والتنوع البيولوجي، ان يلقتط عدة صور لطائر “الكروان الصحراوي” Eurasian Stone Curlew في حمى الفاكهة ورأس بعلبك المصنفة منطقة مهمة للطيور من قبل “المجلس العالمي لحماية الطيور” Birdlife International. وفي العام 1983 اعتبر العالمان Cramp & Simmons ان هذا الطائر النادر منقرض في لبنان. (راجع http://greenarea.me/ar/169090 ).

بدوره لفت رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية” في عاليه الدكتور منير أبو سعيد، الى انه فيما لو تم تأكيد فرضية شريط الفيديو وانه صوّر في الاراضي اللبناني، فيكون هذا التسجيل الاول من نوعه للدب البني السوري في لبنان بعد قرابة 58 عاماً، لان المرة الأخيرة التي شوهد فيها كانت في العام 1958.

ولفت ابو سعيد، الذي يعتبر من أكثر الخبراء اللبنانيين متابعة لدراسة الثديات في الطبيعة، انه هناك العديد من الروايات التي تحدثت عن ظهور الدب السوري في لبنان، وكانت المتابعة المتأنية لهذه الروايات تفضي الى عدم صحتها. واعطى مثالاً على ذلك حديث السكان المحليين عن مشاهدة دب في منطقة مغارة سالم في افقا – قضاء كسروان، ليتبين لاحقاً انه ضبع كبير الحجم وليس دب.

ويلفت أبو سعيد، الى ان “اي اشاعة او خبر يتعلق بمشاهدة ثديات نادرة ومهددة بالانقراض تحتاج الى سنوات من الجهد البحثي لتوثيقها بشكل علمي لا يقبل الشك. ويعطي مثالاً على ذلك، التقاط الوشم (كاراكال) في منطقة خربة قنفار من قبل السكان المحليين واعادة اطلاقه في الطبيعة، اذ ان هذا الحادث دفع ابو سعيد الى مراقبة حثيثة في محمية ارز الشوف الطبيعية لتوثيق وجود الوشم فيها، لكن ذلك لم يتم حتى الساعة”.

وينتشر هذا النوع من الهررة البرية في شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط والجزيرة العربية. يعيش في المناطق الجبلية والسهول والغابات والصحاري. للوشق فراء ناعم قصير يميل لونه الى الأحمر الرملي. وله أذنان منتصبتان في أعلى كل منهما خصلة شعر سوداء مميزة. وجاء الاسم كاراكال من اللغة التركية، وتعني الأذن السوداء.

وحول شريط الفيديو الذي يظهر الدب البني السوري في منطقة الجرود في السلسلة الشرقية لجبال لبنان، يقول ابو سعيد، ان هذا الامر ممكن من الناحية النظرية، وهناك عدة فرضيات محتملة، ابرزها ان يكون هذا الدب قد اطلق سراحه او هرب من احدى حدائق الحيوانات في سوريا، وعاد الى التأقلم في الطبيعة، او انه عبر بالفعل من منطقة الحدود التركية السورية ووصل الى هذه المنطقة. ولفت ابو سعيد الى ان الدب البني السوري موجود في الطبيعة في تركيا وسوريا والعراق ولكن باعداد قليلة جداً.

ولم يستبعد ابو سعيد ان يكون الهدوء الذي يعم المنطقة الملاصقة للسلسلة الشرقية قد ادى الى انتقال الدب اليها في رحلة استطلاعية، وهذا خير دليل الى انه فيما لم لم يتدخل الانسان في الطبيعة ويعبث بها، فان الحياة البرية تعود بشكل طبيعي وتدريجي ودون تدخل من أحد.

* المصدر: greenarea.me




تعليقات: