شهير إدريس عندما تتسلّل إلى الحديقة الخلفية

في الحديقة الخلفية.. أنّ المرأة زهرة والرجل هو البستانيّ  لا يعوزها إلاّ الريّ ليحيي رميمها متى ذبلت، ويوقد الرغبة في صميمها
في الحديقة الخلفية.. أنّ المرأة زهرة والرجل هو البستانيّ لا يعوزها إلاّ الريّ ليحيي رميمها متى ذبلت، ويوقد الرغبة في صميمها


تتسلّل شهير ادريس في باكورة أعمالها الأدبية "الحديقة الخلفية" (دار المؤلف)، الى الحدائق الخلفية لمن بلغن منتصف العمر، فواربنَ الباب على أربعين أفَلَت، منثورة بين صبا وحب فزواج وعائلة، ووقفن يتأملن في ماض وحاضر ومستقبل مُتخيّل. لطالما استرعت الكاتبة في سيرتها المهنية الحافلة - وهي ابنة الصحافة منذ ما يزيد على عشرين عاماً - اهتمام المتلقي بمعلومة أو خبر أو جوّ سياسي، وها هي في نتاجها الأدبي تجذبه بصورة، خيالية لا تلفزيونية، وبجوّ عاطفي، لا سياسي، فتوقظ فيه عنصر الدهشة وتشحذ ذهنه وتضاعف الآفاق المتاحة له، حتى إذا أفاق من سكرة السطور والصور، ألفى نفسه في حضرة قصة قصيرة تحلو الإقامة في رحابها.

ليس جلياً تماماً أيهما الأبرع، الحس الصحافي الظاهر والمعلن على الشاشة، أو الموهبة الأدبية الطافحة والمخبوءة في حنايا قصة، وقد ظهّرتها إدريس بما أوتيت من حبر سال حكايا ومشاهد، بدل التقارير والرسائل التلفزيونية المباشرة.

يطيب لقارئ "الحديقة الخلفية" المكوث في أفيائها والتلذذ بثمارها اليانعة، ويستطيب متذوّق القصة القصيرة الأسلوب الرشيق لدى الكاتبة، المتخفف من أثقال اللغة، ولكن غير المتحرر من أصولها وضوابطها، على قاعدة لا تزمّت ولا تفلّت. بين دفّتي كتابها، توظّف المؤلفة حسها الصحافي في الوصف والرصف، ثم تعود الى اختصاصها الجامعي، علم الاجتماع والانتروبولوجيا - من حيث تدري أو لا تدري - واضعة تحت المجهر الاجتماعي باقة نساء، هنّ واقعياً واحدة، يروين تجاربهن، حلوها والمرّ، على مفترق الأربعين حيث "التمرد هو أقوى ردود الفعل".

نافذة وحيدة تطل منها كلّ أربعينية، هي الرجل، كأنه العمر يختزلها، يرسمها ويزيّنها ويكتبها ويمحوها. أما هي فلاهثة وراءه، بل وراء نفسها المنشودة دائماً.

تتبدل المشاهد ومعها الحالة العاطفية والموقف من حديقة الى حديقة، لم تترك ادريس أربعينية إلاّ عاينتها وشخّصت حالتها: الزوجة، الحبيبة، العشيقة، اليائسة، المنتظرة، المنسيّة، الحالمة، المتكسّرة،المتجددة، المغامرة، المتمردة، الخاسرة، الصامتة. إنها المرأة بكل فصولها، كالطبيعة تورق ثم تتساقط أوراقها، فلا تلبث أن تلتقطها في موسم آخر لتزهر مجدداً، وغالباً من دون إرادة منها، راسمة بذلك لوحة تجسد فصل "خسارة الزمن"، ومص

رّحة: "كنت أرقص بصمت مدوّ وهو يتفرح على قلبي المذبوح من دون تأثر".

وإذا كانت كل قصة تنطوي على خيبة أو مرارة أو خوف مقيم، فإن الكاتبة لم يفتها تطعيم كل مشهد، رغم قتامته، بأمل متجدد لا يذوي، وبعودة الى زمن المراهقة الوردي، زمن البدايات الواعدة والضحكات التي يتردد صداها في الأربعين، فيشعل الحنين.

ما من نُصح تسديه المؤلفة لشخصيات قصصها، ولا لائمة تنحي بها، ولا موقف تعبّر عنه. كل ما تأتيه هو محض سرد موجز لحكايا نثرت على طاولة مقهى، على مفترق عمر تحاول الراوية فرملته، بل إعادته الى الوراء، حتى إذا لم تفلح، أسقطت ما تشتهيه من ذلك "الوراء" على حاضرها المُنتظِر، واستتباعاً على مستقبلها المُهيّأ لسيناريو أفضل حيث "عناق الكلمات": "هذا العمر يخترق الصمت داخلنا ليجرنا الى عالم مليء بالمفاجآت".

لا مغالاة في القول إنّ "الحديقة الخلفية" مفيد للأربعينيات كلّهن، وللرجال أيضاً. هنّ ليتأكدن أن تجاربهن متشابهة الى درجة التماهي ربما، وهم ليقرأوا المرأة أكثر، أو لاستلحاق ما فاتهم منها، تفكيراً وسلوكاً. فلا بأس بالتوق الى الانعتاق من المسؤوليات لمن بلغن منتصف العمر، ولو موقتاً أو مجازاً، ولا ضير في التخفف من الأحمال لاستعادة القوة، أو بعض منها، فتسهل المتابعة.

وصفوة القول في "الحديقة الخلفية" أنّ المرأة زهرة والرجل هو البستانيّ - أقله وفق الكاتبة - لا يعوزها إلاّ الريّ ليحيي رميمها متى ذبلت، ويوقد الرغبة في صميمها.

وقعت إبنة الخيام، الاعلامية في تلفزيون المستقبل والكاتبة شهير ادريس كتابها الاول بعنوان الحديقة الخلفية ضمن فعاليات معرض بيروت العربي والدولي للكتاب وذلك بحضور شخصيات سياسية واعلامية واجتماعية وذلك في جناح دار المؤلف ...وتزامن التوقيع مع احتفال الدار بيوبيله الفضي بمرور 25 عاما على تأسيسه .






تعليقات: