الصليب الأحمر الدولي... ذاكرتنا الجماعية المؤلمة

جانب من معرض اللجنة الدولية للصليب الاحمر في القاعة الزجاجية
جانب من معرض اللجنة الدولية للصليب الاحمر في القاعة الزجاجية


«لسنا هنا من أجل الاحتفال... هذا المعرض ليس عملاً فنياً أو صوراً جميلة التقطها مصورون محترفون. والحقيقة التي تقول إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل في لبنان منذ 40 سنة تعني أيضاً أن لبنان يعاني من الحروب والمآسي منذ ذلك التاريخ وما يزيد».

هذه خلاصة المداخلة التي ألقاها رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان جوردي رايك في افتتاح معرض الصور الذي تقيمه البعثة في القاعة الزجاجية في الحمراء لمناسبة مرور 40 عاماً على وجودها في لبنان.

الحفل الذي تحدث فيه إلى رايك، رئيس الصليب الأحمر اللبناني الشيخ سامي الدحداح والأمين العام للهلال الأحمر الفلسطيني ـــــ فرع لبنان الدكتور محمد عثمان، حضرته المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك ممثلة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ومروان شكري ممثلاً وزير الإعلام غازي العريضي، وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية وموظفون ومتطوعون في الصليب الأحمر اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

كل منا يتذكر الصليب الأحمر على طريقته. غالبيتنا تستحضر الاسم من خلال صورة سيارة إسعاف مسرعة بعد وقوع حادث أو دويّ انفجار. المشاهد المستعادة من خلال مجموعة من صور وقصاصات الصحف في معرض، أمس، تحمل في طياتها ذكريات أليمة لأمكنة وأسماء نسيناها أو ربما تناسيناها: تل الزعتر، دير القمر، صبرا وشاتيلا، الخيام وأنصار وغيرها.

الصليب الأحمر الدولي كان هناك معنا في كل تلك الأحداث في سنوات الحرب الأهلية في الاجتياح الإسرائيلي 1982 وعدواني 1993 و1996 وفي التحرير عام 2000 وفي عدوان تموز 2006، وأخيرا وليس آخراً مخيم نهر البارد 2007.

قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، منذ عام 1967، بتأمين المساعدة والحماية للمدنيين المتأثرين بالنزاعات المسلحة، وذلك بالتعاون الوثيق مع جمعيتي الصليب الأحمر اللبناني والهلال الأحمر الفلسطيني، فقد ساعدت اللجنة عائلات فرّقت شملها الحروب ومساجين ونازحين وجرحى، كما عملت وسيطاً محايداً في عمليات تبادل الأسرى والرفات البشرية، وخصوصاً بين إسرائيل و«حزب الله».

أحداث كبرى طبعت تاريخ لبنان الحديث كانت اللجنة أحد اللاعبين الأساسيين فيها، ومنها: إخلاء 400 جريح من مخيم تل الزعتر عام 1976، إنشاء مستشفى ميداني في الضاحية الجنوبية لبيروت لمعالجة جرحى الحرب عام 1977، نقل آلاف السكان المحاصرين في دير القمر عام 1983.

114196 رسالة تبادلتها عائلات لبنانية وفلسطينية فرّق شملها الاجتياح الإسرائيلي من خلال الصليب الأحمر الدولي وذلك خلال عام 1984 فقط. وللرسالة مع الصليب الأحمر الدولي قصص تطول آلاف الأسرى والمعتقلين اللبنانيين والفلسطينيين في معتقلي أنصار والخيام وفي مختلف السجون الإسرائيلية.

إنها الحبل الأثيري الذي جمع أحباء فرّقت بينهم القضبان والأسلاك الشائكة. ولم يتواصلوا مع عائلاتهم إلا من خلال مندوبي الصليب الأحمر الدولي الذين استطاعوا اختراق جدران سجون عتليت والصرفند ونفحة وهداريم وعسقلان. وكانوا إلى جانب الأسرى المصابين الذين قيّدوا في أسرّتهم داخل مستشفى رامبام العسكري الشاهد على أقسى أنواع التعذيب ضد الجرحى في النزاعات المسلحة.

لكن اللجنة، التي قامت بدور مهم في زيارة الأسرى وضمان حصولهم على حقوقهم وساهمت في عمليات التبادل لإطلاقهم وحاولت كشف مصير الآلاف من المفقودين والمختطفين، لم يسلم موظفوها من الخطف والاعتقال. ففي 17 تشرين الثاني 1998 اختطف بيتر وينكلر أحد مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأطلق بعد 30 يوماً، وفي 6 تشرين الأول 1989 اختطف اثنان من مندوبي اللجنة في صيدا، هما: إيمانويل كريستن وإيليو إيريكز وأطلقا في آب 1990.

وقد خاضت اللجنة صراعاً قانونياً طويلاً من أجل الحصول على إذن بزيارة المعتقلين لدى السلطات اللبنانية وفقاً للأصول المرعية الإجراء، واستجابت الحكومة اللبنانية لهذا الطلب بتاريخ 20 شباط 2007 حيث وقّعت بروتوكولاً يسمح بهذا النوع من الزيارات.

اللبنانيون مدعوّون لزيارة المعرض الذي يستمر يومياً من العاشرة حتى السابعة لغاية 20 من الشهر الجاري، ولعل في الزيارة عبرة إضافية من تذكّر المآسي، علّنا نتفادى استعادتها مجدداً. معرض القاعة الزجاجية هو استحضار مطلوب، لا بل يكاد يكود إلزامياً لذاكرتنا الجماعية المؤلمة والحزينة، ولإعادة اكتشاف أن هناك شعارات غير «I LOVE LIFE» تكتب بالأحمر.

تعليقات: