الجنوب بين إعادة بناء المنازل وترقب التهديدات بالحرب

آثار الحرب في عيناتا (م.ع.م)
آثار الحرب في عيناتا (م.ع.م)


لماذا لم تتجاوز تعويضات الدول المانحة حتى الآن الدفعة الأولى؟

عندما أجرت إسرائيل المناورات العسكرية في الجليل في تشرين الأول الماضي، فكر العديد من العائلات في الجنوب ترك منازلهم واللجوء إلى أماكن أكثر أمنا، بعدما اعتقدوا أن في الأمر أكثر من مناورة، وربما عمليات تسلل، خاصة إلى القرى الحدودية.

لم تتوقف سيرة الحرب في الجنوب يوما واحدا بعد تموز، ويمكن القول إن الحياة تسير هناك بين هاجسين الأول: كيفية تأمين الأموال اللازمة لاستكمال بناء المنازل المدمرة في بداية الشتاء الثاني بعد الحرب، والثاني هل تنوي إسرائيل القيام بحرب جديدة ومتى؟.

مع ذلك يبني الناس منازلهم، وفي الكثير من الأحيان من دون استكمال دفع التعويضات، وقد أفاد عدد من المتعهدين أن نسبة الاستدانة لبناء المنازل، بلغت أعلى معدلاتها، مقارنة بعمليات الاستدانة التي كانت تحصل، خلال عمليات البناء، بعد الحروب مع إسرائيل، ووصلت في العديد من القرى التي دمرت منازلها إلى ملايين الدولارات.

يعود ذلك لسببين رئيسيين: العدد الكبير للمنازل المدمرة، والطريقة البطيئة في دفع التعويضات، التي جعلت المواطنين يسعون لاستكمال بناء منازلهم، عبر استدانة مواد بناء من المتعهدين، قبل استكمال دفع التعويضات.

فبعد مرور سنة وثلاثة أشهر على انتهاء الحرب، لم يتقاض الأهالي في الجنوب والبقاع وباقي المناطق المتضررة، سوى الدفعة الأولى من التعويضات الخاصة بالمنازل المهدمة، وقيمتها ثلاثون مليون ليرة من أصل ستين مليونا.

وتفيد الهيئة العليا للاغاثة التي تمسك بملف دفع التعويضات من أموال الدول المانحة، أنه لن يتم البدء بتقديم الدفعة الثانية، إلا بعد الانتهاء من الدفعة الأولى في جميع المناطق المتضررة، بما في ذلك الضاحية الجنوبية. وهنا تكمن المشكلة لأن التعويضات المدفوعة للضاحية والبقاع لاتزال في منتصف الطريق، بسبب الآلية البطيئة التي وضعتها وزارة المهجرين، المعنية بدفع التعويضات خارج الجنوب، فيما بدأت تبرز مؤخرا شكاوى مواطنين من ضياع ملفاتهم في أدراج الوزارة، ومن طلب موظفين منهم دفع مبالغ مالية من التعويضات المقررة لهم، من أجل الحصول عليها.

أموال الدول المانحة

بناء لجداول الهيئة العليا للاغاثة الخاصة بالدول المانحة، فقد دفعت السعودية تعويضات ومساعدات بقيمة 310.441 مليون دولار، وهي من أصل خمسمئة مليون دولار مقررة للتعويضات. وجرى تداول معلومات أن الحكومة تدفع من الأموال السعودية المخصصة للمتضررين من حرب تموز في تقديم بعض المساعدات للنازحين من مخيم نهر البارد، لكن لم يتم التأكد من تلك المعلومات من مصادر رسمية.

قطر دفعت حتى الآن: 499.664 مليون دولار.

الكويت ـ الصندوق الكويتي للتنمية دفعت: 028.69 مليون دولار، من أصل مئة مليون دولار.

الكويت ـ جهات خاصة: 543.801 مليون دولار.

الكويت ـ شركة ناصر الخرافي:072,166,1 مليون دولار

عمان: 791.226 مليون دولار.

العراق: 196.193 مليون دولار.

الأردن: 689.358 مليون دولار.

سوريا: 247.776 مليون دولار.

مصر: 667.679 مليون دولار.

البحرين: 253.248 مليون دولار.

أندونيسيا: 674.214 ألف دولار.

أسباب التأخير

برزت مشكلة التأخير في دفع التعويضات في البلدات التي تبنت قطر عملية إعادة إعمارها، قبل استئنافها مجددا. فقد توقف دفع التعويضات فترة أربعة أشهر، بعدما كانت قطر من الدول السباقة إلى دفعها. تعيد مصادرمتابعة لمشروع الاعمار القطري السبب الرئيسي إلى اكتشاف المعنيين ارتفاع موازنة الاعمار إلى ما يقارب الثلاثمئة وخمسين مليون دولار، بدل المئتي مليون دولار التي رصدت للمشروع، وتبين أنها موازنة غير دقيقة بنيت استنادا إلى تقديرات أولية للاضرار.

تضيف المصادر أن اعتماد المسؤولين عن مشروع الاعمار القطري أكثر من جهة للقيام بالمسوحات ساهم في تأخير عمليات الدفع، فقد جرى بعد مسوحات مجلس الجنوب، تكليف مهندسين مباشرة من قبل المكتب الاستشاري القطري في لبنان للقيام بعمليات الكشف والتدقيق في كشوفات المجلس، كما فتح المسؤولون القطريون الباب أمام التقارير الواردة من مواطنين لم تعجبهم الكشوفات، وليس بالضرورة أن تكون صحيحة، فقاموا بكشوفات على البلدة الواحدة مرات عدة، وفي آخر المطاف استعانوا بخرائط جوية اشتروها من وزارة الدفاع الوطني، لمعرفة المنازل في القرى قبل الحرب، فأثارت تلك الطريقة استغراب مهندسين شاركوا في عمليات الكشف على الأضرار بعد الحرب، لأن الخرائط لا تشكل وسيلة سليمة للتأكد من المنازل، خاصة إذا كانت متصدعة ويجب أن تخضع للهدم.

وقد افاد عدد من اصحاب المنازل الذين اتهموا بهدمها عمدا أن منازلهم كانت متصدعة وهدموها بناء لكشوفات مجلس الجنوب، أي قبل مجيء الكشف القطري، بينما قال البعض الآخر إن هناك أصحاب منازل هدموها من أجل الحصول على بدلات الهدم، لكن عددهم قليل.

واذا كانت تلك التهم أو الأفعال تسري على ملف التعويضات في جميع المناطق المتضررة، فإن التأخير القطري أدى إلى تفسيرات وتأويلات متعددة، وصلت إلى حد القول إن جهات في الادارة الأميركية تضغط على المسؤولين القطريين من أجل التباطؤ في عمليات الدفع، ضمن مقولة سرت في الأوساط المتابعة لمشاريع الاعمار بعد حرب تموز، مفادها أن الادارة الأميركية تسعى لاتعاب أهالي الجنوب معنويا وماديا من أجل وقوفهم في وجه حزب الله.

وانتهت عمليات الأخذ والرد إلى استنتاج المسؤولين في المشروع القطري أنه إذا كانت نسبة الهدر في الأموال المدفوعة تبلغ عشرة بالمئة من قيمة الموازنة الموضوعة، فهي نسبة لن تؤدي إلى تأخير عمليات الدفع، فاستؤنفت على ذلك الأساس، وكان يمكن الوصول إلى ذلك الاستنتاج سريعا، لو اقتنع المسؤولون القطريون منذ البداية، أنه لا توجد كشوفات دقيقة مئة بالمئة، في ظل تنوع الأضرار، وتعدد الجهات الكاشفة.

يتوقع ممثل المشروع القطري في لبنان ياسر المناعي أن تستكمل تعويضات الدفعة الأولى والثانية مع نهاية العام الجاري، مع العلم أن وتيرة الدفع لا تشير إلى إمكانية الالتزام بذلك الموعد.

ونفى المناعي وجود تأخير في عمليات دفع التعويضات، مشيرا إلى إنه بالاضافة إلى المنازل توجد مشاريع إعادة بناء مؤسسات، لكن الناس لا ترى سوى المنازل، وأضاف نحن ندفع تعويضات لأربع بلدات، ويجب مراعاة الطريقة التي تسير بها العملية: هناك جدولة للمنازل التي سيدفع لها، ثم التدقيق فيها من قبل لجنة محامين، وبعد ذلك يأتي الدفع.

وأوضح أن قطر دفعت حتى الآن في بنت جبيل تعويضات الدفعة الأولى لأصحاب ثلاثمئة واثنين وسبعين منزلا مهدما خارج المدينة القديمة، من أصل خمسمئة وسبعة وستين. كما دفعت تعويضات ثلاثمئة وخمسين منزلا مهدما داخل المدينة القديمة من أصل ألف ومئتين وستة وأربعين منزلا، فيما تبين أنه لم تدفع تعويضات الدِفعة الثانية سوى لاربعة وثلاثين منزلا.

وجرى دفع تعويضات بدل ترميم بنسبة اثنين وتسعين بالمئة ولم يبق سوى ثمانية بالمئة توجد فيها مشاكل أرث أو اعتراض على المبلغ المدفوع أو أن اصحابها غير موجودين.

في الخيام جرى دفع تعويضات الدفعة الأولى لأصحاب سبعمئة وثلاثة وثمانين منزلا مهدما من اصل تسعمئة وسبعين منزلا، والدفعة الثانية لخمسمئة وسبعة منازل، وبقي مئتان وعشرة منازل توجد فيها مشاكل إرث ومشاكل قانونية أخرى.

كما جرى دفع بدلات ترميم لأصحاب ألفين وثلاثمئة وأربعة وثلاثين منزلا ، من أصل ألفين وخمسمئة وثمانية وثمانين منزلا متضررا، وبقي مئتان وأربعة وخمسون منزلا توجد فيها مشاكل قانونية.

يقول رئيس بلدية الخيام علي زريق إن الدفعة الثالثة من التعويضات سوف تبدأ خلال اسابيع، مشيرا إلى وجود تسعين منزلا لديها مشاكل إرث واشكالات خاصة بالمساحات .

يضيف أن قطر وضعت جدولا بمئتين وخمسة وعشرين محلا ومؤسسة تجارية مهدمة لدفع التعويضات الخاصة بها، بعد دفع تعويضات ثلاثمئة محل متضرر.

ويرى زريق أن النسبة الأكبر من التعويضات دفعت حتى الآن في الخيام، وقامت قطر بترميم كل من مهنية الخيام والمدرسة الزراعية ومتوسطة الخيام الأولى ومدرسة شهداء الخيام، وكل من كنيستي الكاثوليك والموارنة والمدرسة الانجيلية ومبنى الخيام هيلز، ومباني الدفاع المدني ووزارة الشؤون الاجتماعية ومركز الهيئة الصحية الاسلامية ومؤسسة عامل ومركز كشافة المهدي، بالاضافة إلى مستوصف جمعية نور ومصليين، وترميم جدران الدعم في البلدة، وتعبيد نصف الطرقات الداخلية، وأجرت عقودا لبناء ثانوية الخيام الرسمية ومبرة اليوسفي المهدمتين، بالاضافة الى عقود قيد التجهيز لبناء مباني البلدية ومجمع الامام الخميني ومصلحة المياه والتعاونية الزراعية ومخفر الخيام.

ويوضح أن المهندسين المكلفين من قبل المكتب الاستشاري القطري قاموا بعمليات تدقيق في الكشوفات في الخيام أربع مرات، من أجل مقارنتها مع كشوفات مجلس الجنوب.

في عيناتا يقول ياسر المناعي إنه جرى دفع تعويضات الدفعة الأولى لأصحاب ثلاثمئة وواحد وخمسين منزلا من أصل أربعمئة وسبعة عشر منزلا، وتعويضات الدفعة الثانية لأربعة وثلاثين منزلا، بينما يبلغ عدد المنازل التي لم يتقاض اصحابها تعويضات بعد ستة وستين منزلا.

من الهدم الى الترميم

في عيناتا

فوجئ أهالي بلدة عيناتا قبل بداية شهر رمضان بتسليم المسؤولين في المكتب الاستشاري القطري مجلس البلدية جداول جرى بموجبها تحويل تعويضات سبعة وعشرين منزلا من الهدم إلى الترميم، بعدما تقاضى أصحابها الدفعة الأولى من الأموال المخصصة لها.

كما قرر المكتب إعطاء ثلاثين منزلا مهدما آخر بدل وحدة سكنية فقط، أي أربعون ألف دولار، وبعضها يتكون من طابقين أو شقتين واكثر، ويتناقض ذلك مع المعايير التي اعتمدتها قطر في الكشوفات والقاضية بحساب كل مئة وثلاثين مترا مربعا وحدة سكنية، وفي حال تضاعفت المساحة، تتضاعف قيمة التعويض وهكذا...

أثارت الجداول المعدلة غضب الأهالي، وأوضح بعضهم أنه لم يتقاض... حتى الدفعة الأولى من تعويضات الهدم، والبعض الآخر استدان لاستكمال بناء منزله، والبعض الثالث طلب أن يشهد له أهالي البلدة كيف وجد منزله مهدما لدى عودته اليه في حرب تموز.

وأفاد مدير المكتب الاستشاري القطري كريستيان قمير لدى سؤاله عن سبب تغيير تصنيف المنازل أنه جرى الحصول على صور جوية لبلدة عيناتا، بعد انتهاء الحرب مباشرة، ظهرت فيها المنازل السبعة والعشرون التي صنفت مهدمة بأنها لاتزال قائمة، لكنه أضاف ربما يكون أصحاب تلك المنازل هدموها على حسابهم، بعدما وجدوها متصدعة، وارادوا الحصول على تعويضات بدل هدم، مشيرا إلى أن قطر ليست مسؤولة عن منازل هدمها اصحابها.

في عيتا الشعب جرى دفع تعويضات بدلات هدم ستمئة وثمانية وتسعين منزلا من أصل ثمانمئة وأربعة وستين منزلا مهدما، والدفعة الثانية لمئة وواحد وسبعين منزلا، بينما جرى دفع تعويضات ترميم لمئة وخمسين منزلا، من اصل تسعمئة وعشرة منازل متضررة.

ويقول المناعي إنه جرى تبني عمليات بناء مئتين وأربعة عشر مسجدا مدمرا ومرافق عامة وبنى تحتية، جرى تسليم مئة وخمسة وعشرين مشروعا منها. كما جرى ترميم كل دور العبادة في الجنوب وهي جوامع وحسينيات وكنائس وأديرة وخلوات، وبناء مدرستين مهدمتين من اصل اربعة في القرى الاربع، بينما جرى تجهيز المدارس في البلدات الأربع بكل اللوازم المدرسية.

تعليقات: