تفاصيل تُكشف للمرة الأولى عن دور كمال البقاعي في «جمّول»


وحده الموت ما يكشف وجوههم، أسماءهم وأعمالهم. كمال البقاعي المقاوم الشيوعي الذي خطفه الموت بعد صراع طويل مع المرض كان اسمه الحركي «المعلم».

إنه المسؤول الأول عن كل العمليات التي نفذتها «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» في منطقة البقاع الغربي وحاصبيا ومرجعيون، هذا ما يقوله «الحاج»، الرجل الثاني بعد كمال. يذهب الشيوعي المقاوم في ذاكرته الى سعدنايل بين عامي 82 و84. كان والمجموعات الاخرى يتجهون من بيروت الى سعدنايل للقاء «المعلم» الذي يضع دائماً قناعاً على وجهه. يعطي تعليماته بكل وضوح ومن ثم تذهب المجموعات باتجاه الأهداف المنتقاة لتنفيذ مهماتها. تعود المجموعات الى نقطة الانطلاق، تترك لدى «المعلم» قصاصة ورقية صغيرة هي عبارة عن تقرير يسرد به المقاوم كل ما حصل. يستلم كمال التقارير. يدقق بها ويسجل ملاحظاته عليها، ثم يرسلها إلى جهات محددة في قيادة «الحزب الشيوعي».

في نهاية العام 1984، ينتقل «الحاج» إلى البقاع، ويصبح مع الشهيد جورج نصرالله ابن قرية إبل السقي (قرية كمال البقاعي) أحد أركان قيادة المقاومة في المنطقة، بقيادة البقاعي. يتذكر «الحاج» يوم جلس الثلاثة معا من دون الحاجة الى الأقنعة، لم يكن يتخايل أنه هو.

كمال المسؤول الأول، أما الحاج وجورج فهما مساعدان له. كانت الاجتماعات تتم في بيوت سرية أحيانا وغالباً في الأودية. يدقق الثلاثة في التقارير المرسلة من فرق الاستطلاع العاملة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال. يختار الثلاثة الأهداف. ويبدأ كمال، بخبرته العسكرية، وضع خطة التنفيذ بعد دراسة كل المعطيات. القاعدة الاولى في الاختيار لدى كمال هي اختيار العملية «الأشد إيلاما للعدو والأقل تكلفة للمقاومة». لقد كان صارماً ودقيقاً جداً أثناء وضع الخطة. «كان يتصرف كقائد عسكري يسير على الارض مع المجموعات»، يقول «الحاج»، مشيراً إلى أن معرفته في المنطقة جيداً، ساعدته ليكون دقيقا وصارما ومقتنعا في ما يتخذه من قرارات، خاصة أن الخطأ بالتقدير كان يعني الشهادة أو الأسر لمنفذي العمليات.

دور جورج و «الحاج» كان أيضاً ميدانياً. لذا شكلا صلة الوصل بين المجموعات وكمال. لكن يحدث أيضاً أن يضطر الأخير للمشاركة مباشرة على الارض، فيكون رفيقه الحكمي قناعه الذي لا يظهر من وجهه إلا فمه. وفي حالات أخرى كان ستار أسود يفصل بينه وبين المجموعات التي تتلقى تعليماته مباشرة.

الحديث هنا يدور عن عمليات كبرى ونوعية مثل محاولة أسر الضابط الاسرائيلي أبو النور، حيث أشرف كمال على كل تفاصيلها ونجح في تجنيد عميل مزدوج تمكن من استدراج أبو النور. يتذكر «الحاج» كيف كرر كمال من خلف ذلك الستار الاسود جملة واحدة: «إذا رفض عناصر حماية الضابط ابو النور الاستسلام بعد عملية قطع الطريق على سيارته في قرية مجدل البلهيص في البقاع الغربي، تبادرون فورا الى إطلاق النار وتصفيته ومن معه».. وهذا ما حصل في تلك الليلة الباردة من شهر شباط من العام 1984، حيث ساهمت تلك العملية في انسحاب قوات الاحتلال من منطقة البقاع.

ماذا عن العمليات الاخرى؟ يجيب «الحاج» بكل ثقة: كلها من صنع كمال. فهو الذي خطط وأشرف على تنفيذ عملية الشهيدة لولا عبود، حيث فجّرت نفسها عند مدخل بلدة القرعون. أوصلها بسيارته إلى المقلب الآخر من جبل الباروك، الذي تجاوزته الفتاة بعد جهد كبير وسيراً على الأقدام الى أن وصلت منهكة إلى أحد بساتين قريتها القرعون حيث كان «فارس» في انتظارها.

عملية الشهيد جمال ساطي أيضاً. يؤكد «الحاج» أن كمال أرسله إلى جمال ساطي لإقناعه بالعدول عن تنفيذ عملية تفجير نفسه في مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في حاصبيا، «لكنه أقنعني بها»، يقول «الحاج». لذلك أجّل كمال العملية 24 ساعة، في محاولة أخيرة لإلغائها. لكن بعد إصرار جمال، أعطى كمال «أبو سمير المجدل» المال لشراء البغل الذي تم تجهيزه بالمتفجرات من مشغرة. ثم تنكّر الشهيد ساطي، بعدما ودّعه كمال، بثياب رجل مسن وقاد البغل الى مقر الحاكم العسكري في تلة زغلة في حاصيبا ودمّره على من فيه (اعترفت إسرائيل بمقتل ثمانية ضباط).

أما في عملية تدمير مبنى إذاعة العميل انطوان لحد في منطقة الدردارة في سهل الخيام، فقد تلقت المجموعة التدريبات والتعليمات في منطقة دير الغزال، بإشراف كمال. وقد أدت العملية الى استشهاد كل من الياس حرب من تنورين وميشال صليبا من بتغرين وحسام حجازي من طرابلس المينا، فيما وقع في الأسر كل من ناصر خرفان وسليمان رمضان. ويروي «الحاج» كيف اتصل بكمال البقاعي عبر الجهاز، وإلى جانبه الشهيد جورج نصر الله، طالباً منه السماح له بقيادة عملية جبل الشيخ الشهيرة بدلاً من جورج. رد كمال على الحاج قائلاً «مش مهم مين على رأس المجموعة.. المهم واحد منكم». كانت المجموعة مؤلفة من 21 مقاوماً. وقد خاضت المجموعات معارك بطولية استمرت لساعات عدة أدت الى استشهاد كل من مخايل حنا ابراهيم وجورج نصرالله الذي أصر على أن يكون هو المنفذ، قائلاً لزميله «أنت لديك طفل»، فيما وقع غسان عيان في الأسر.

ماذا عن «عملية روبنسون» (تنفيذ عملية اقتحام مدرسة يقيم فيها رجل المخابرات الأميركي روبنسون عند مدخل قرية راشيا ويخطط لبناء أول مستوطنة في جنوب لبنان). لدى كمال وحده كل التفاصيل عن هذه العملية التي قتل روبنسون خلالها وشكّلت منعطفاً في عمل المقاومة.

أكثر من 1774 مهمة عسكرية (نقل واستطلاع وتنفيذ) يقول «الحاج» إنه شارك فيها إلى جانب «المعلم»، فيما لا أحد يعلم العدد الإجمالي للعمليات التي قادها الراحل كمال البقاعي.

«الشيوعي» ينعى البقاعي

نعى «الحزب الشيوعي» و «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، أحد قادة الجبهة وعضو جمعية الصداقة اللبنانية ـ الكوبية، نائب أمين عام «الحزب الشيوعي» كمال يوسف البقاعي، الذي وافته المنية بعد صراع مرير مع المرض، عن عمر ناهز الـ 66 سنة.

والبقاعي أحد مناضلي «الحزب الشيوعي»، وكان قائد «جبهة المقاومة» في البقاع الغربي وحاصبيا ومرجعيون، والمسؤول عن تنفيذ المئات من العمليات ضد العدو الإسرائيلي.

يحتفل بالصلاة لراحة نفسه نهار الجمعة في كنيسة القديس جاورجيوس للروم الارثوذكس في بلدته إبل السقي، الساعة الرابعة عصرا.

تقبل التعازي يوم الجمعة قبل الدفن وبعده، ويومي السبت والأحد من الساعة العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء، في بلدته.

كما تتقبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وأهله يوم الأربعاء في 14/9 من الساعة الثانية بعد الظهر، وحتى السابعة مساء في جمعية متخريجي الجامعة الأميركية بيروت ـ الوردية.

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-09-07 على الصفحة رقم 2 – محليّات

تعليقات: