من وحي بنت القسطل- للشاعر سيمون عيلوطي


(صفّوريه ما بنساكي

صوره بالقلب

مطبوعه وعا هواكي

نمشي عالدّرب

من شوقي قلبي الباكي

نارو بتهِبّ

صرنا أنا وايّاكي

رمز الأوطان)

- هكذا تنتهي المشاهد المسرحيّة الغنائيّة التي نظمها صديقنا سيمون، هكذا تبدأ حكايتنا مع الزّمان والمكان، حيث كنّا وحيث نكون، حين كنّا وحين نكون، لا شيء يعادله حبًّا ولا شيء ينافسه حضورًا ووجودًا.. إن لم نسكنه يسكننا، وإن لم يحضُنّا نحضنه... منه جُبِلنا وبعرقنا رويناه.

أخذني سيمون إلى هناك، إلى إقرث عَبر صفّوريه وقسطلها، نقلني إلى هناك، إلى ذلك المكان وذلك الزّمان، حيث كنتُ شاهدًا وشريكًا في مسيرة العودة وملاطمة المخرز. كنتُ هناك شاهدًا وشريكًا في خطًى لا عودة منها إلى الوراء، جاء الثّمر متأخّرًا، لكنه جاء، وسيأتي من بعده ثمر كثير.

نقلني سيمون إلى ذكريات اعتقالنا على أرضنا، إلى ذلك الشرطيّ الذي وضع القيد في يدي، مع إخوة لي، وقادنا إلى المعتقَل بحجّة الاعتداء على أراضي الدّولة، كان ذاته يعلم كما نعلم نحن،أنّ الأرض لنا، كان يعلم كما نعلم أنّ الشجر لنا، كان يعلم كما نعلم أن الصّخر والتراب والماء لنا، أن المطر النازل فوق أرضنا لنا، والغيم الذي يرصّع السماء لنا، نسيم البحر وزهر اللوز لنا، ألتّين المعسّل لنا.

يعلم كما نعلم أنه بيتنا، فيه وُلدنا، به نحسّ كما يُحسّ بنا، نفهم لغته ويفهم لغتنا.

هي إقرث كما صفّوريه، قلبها نابض خارج الجسد، وسيبقى نابضًا إلى أن يعود إليه، ليعطيه دفئًا وحياة.

- كان لي شرف مرافقة هذا العمل مذ كان فكرة، حتى وصلني كاملًا لأحسّ بكلّ نبض حرف، لأحسّ أنّي هناك في إقرث كما هنا في صفّوريه.

هنا وهناك، حيث أرادوا لنا النّسيان، كانت الذّاكرة أقوى، وذاكرة المكان أقوى، لا شيء أقوى من رباط العَرَق والدّم اللذين روينا بهما أرضنا جيلًا وراء جيل، أرضنا التي بقيت في الوجدان حيّة لا تموت، يقول:

غنّي يا قلبي غنّي

مِثْل الأطيار

إحكي لأهلي عنّي

شوقي للدّار

نزورها، نستنشق هواءها، ننعم بعلتها وشومرها وزعترها، بتينها وزعرورها.

إعتقلونا لأنّنا نحبّ، غريبٌ هذا الزمان، إذ صار الحُبّ جريمة، غضبوا حين غنّينا لبيوتنا وأرضنا وشوارعنا: ( ألله محيي شوارعكِ يا بلادنا المعموره ).

أرادوا ألّا نعود إلى هناك، وعدنا، إعتقلونا، ثمّ عدنا ثمّ اعتقلونا ثمّ عدنا، حتى صارت عودتنا واقعًا لا رجعة فيه.

هكذا في إقرث وكذا في صفوريه، وطن الصّفّوري الوحيد، فيه ولد، فيه حبا، فيه حدا:

ميّات القسطل تسري

تروي العطشان

عم تتماوج وتجري

تحيي البستان

نسماتو تهفهف بدري

تميل الأغصان

تخلّي البلبل والقمْري

يغنّو ألحان

.....

في هذه الأرض وعليها أردنا الحياة، في هذه الأرض وعليها سنظلّ نحبّ ونغنّي للحياة، نغنّي لصفّوريه وقسطلها، للكابري وعيونها، للخالصه وسهولها، لصفد وقلعتها، لكفر عنان وطواحينها..

إعتقلونا ...زاد حبّنا

إعتقلونا ...زاد حنيننا

زاد غناؤنا

عدنا، نزرع وردة وفُلّة، عدنا ننغرس في الأرض أكثر لتنغرس فينا إلى الأبد .

هكذا أراد سيمون، وهكذا نكون !!

-------------------------------------------------------

*بنت القسطل - للشاعر سيمون عيلوطي: كتاب الكتروني صدر حديثًا عن منشورات ألوان عربيّة في السّويد.

تعليقات: