وردتان


عندما استفاق عجوز الحي كما كان الجميع يدعوه عَلِمَ أنه بقي له يومان ليقيم في منزله الكبير وليعتني بحديقته قبل أن ينتقل وزوجته للعيش في شقة صغيرة. لم يكن يفكر يوماً أنه سيترك المكان الذي عاش فيه كل عمره لولا تردّي وضع زوجته الصحي واضطرارهما للانتقال للمدينة حيث تتوفر المستلزمات الطبية.

* * *

كانت حديقة منزله أجمل حدائق الضيعة حيث زرع فيها كل انواع الورود؛ من بينها وردتان عزيزتان على قلبه ، إحداهما صفراء اللون فائقة الجمال تنظر إليها وكأنك ترى تاجاً ملوكياً رصَّعت الشمس اصفراره ؛ والثانية حمراء اللون فائقة الجاذبية تشتهي عيناك النظر اليها كل يوم والاقتراب منها والغوص في شفافية دفء احمرارها.

* * *

لشدة حبه لهاتين الوردتين، أراد عجوز الحي إهداءهما الى جيرانه كي تزرعا مجدداً في حديقة منزل كل منهما. أهدى الوردة الصفراء الى جيرانه في المنزل المجاور من ناحية الشمال ؛ هم عائلة تقيم في أحد البلدان البعيدة، يزورون منزلهم كل بضعة سنوات ؛ منزلهم كما يظنّ ويقول البعض يتميّز بكونه الأفخم عن باقي منازل الحي من الخارج لكن لا أحد يعلم إذا كان أصحابه ملؤوا داخله بالمفروشات والاثاث أمْ أنه لا يزال فارغاً كفراغ أيامه؛ أصحاب المنزل كانوا قد قاموا بتوكيل أحد جيران الحي بالقيام بسقي حديقتهم مرة كل اسبوع. زُرِعت الوردة الصفراء في حديقتهم.

* * *

كما وأهدى عجوز الحي الوردة الحمراء الى جيرانه في المنزل المجاور من ناحية الجنوب ؛ هم عائلة مؤلفة من اب وام وخمسة اولاد ، يعتاشون من زراعة الارض ، زرعوا في حديقة منزلهم الكبيرة كل انواع الخضار والفواكه فأصبحت مصدر قوتهم ، كل يوم بيومه. زُرِعت الوردة الحمراء في حديقتهم.

* * *

ومرت الايام والفصول والسنوات. . ظلت الوردة الصفراء شامخة القامة ، بالرغم من الهواء الشمالي البارد. لا يهم إنْ بقيَت لوحدها ، الاهم أنها زُرِعت في الحديقة التي يحسدها الكثيرون أو قد يُظَنّ أنهم يفعلون، وانها محاطة بحجارة انيقة الصنع والترتيب مثل سور مملكة يزيدها جمالاً على جمال. ومن الحين والآخر، كانت الوردة الصفراء تفكر وتتساءل بما تفعله الوردة الحمراء في هذه الاثناء، وتحادث نفسها أنه ولا بدّ وأن الوردة الحمراء لا تزال أقل جمالاً منها كما كان الحال دائماً.

* * *

من الناحية الجنوبية حيث الشمس تفترش السماء كل النهار ، عاشت الوردة الحمراء في جو من الحب والعاطفة من كل افراد العائلة؛ فبين ضحكات الاولاد كانت تستفيق ، وفي جنبات الفرح والمرح كانت تعيش ، وعلى لمسات أهل المنزل كانت تستريح. صحيح انها زُرِعت بين خضار وفواكه الارض و لم يكن لها فخامة محيطها ، ولكنها لم تشعر يوماً بالملل أو بالوحدة.

* * *

وكما للايام نهايات كذلك للورود ذبول.. ذبلت الوردة الصفراء ونامت على عرشها ملكة جميلة ، وحيدة النهاية كما وحيدة البداية. ' أنا أجمل الورود' قالت ورحلت.. كما ورحلت الوردة الحمراء ، ورافق نومها حزن أصحاب المنزل وكل من زار المنزل. ' ما

أجمل العيش بين الحب والضحكات' قالت ورحلت..

* * *

يُحكى أن قصة الوردتين أصبحت تُروى للاطفال قبل خلودهم الى النوم. وأن القصة كانت تختصر حياة أية وردة وجدت السعادة في حياتها. تروي الوقائع أن الوردة الحمراء عاشت سعيدة وأن الوردة الصفراء عاشت تصطنع السعادة.

يُقال أن رواة القصة قلبوا سير أحداث القصة لقناعاتهم وأنهم قَصّوها على أن الوردة الصفراء كانت اكثر سعادة لانها عاشت حياة الجاه وأن الوردة الحمراء ما عرفت السعادة لانها عاشت بين فقاقيع الفقر. وهكذا رُوِيَت القصة للاطفال!

ولكن أيضاً. .. يُقال أن مِنْ بين الاطفال مَنْ غفا قبل سماع القصة. وعاش. ....

* * *


تعليقات: