في ابل السقي.. هكذا حوّلوا الفقر إلى فرح


لا انسانية دون كرامة وعيش كريم ولا حياة كريمة دون تعاضد البشر. هو الانسان محور الفكر الانساني العادل لأنّ الله خلقنا سواسية؛ الا ان غياب العدالة الاجتماعية يفرّق ما بين البشر ويرمي بفئة منها في مجاهل الفقر والحرمان والنسيان، لكنّ الله يرسل مرسليه في كلّ زمان ومكان، لكل فقير ومحتاج ولكلّ مهمل ووحيد.

في ابل السقي نموذج عن هذه الحالة من الفقر والاهمال والعوز، امرأتان مسنّتان تعيشان في غياهب النسيان، في منزل أقلّ ما يُقال فيه انّه من عصور قديمة. تخاوت ساكنتاه مع حاله المزرية وغير الصحية، مع مقتنيات الماضي التي فاتها قطار الزمن. فسحة الحياة ضيّقة في منزل يعيش رتابة خاصة به كأنّه في عزلة عن زماننا وحاضرنا، كأنّ السنين البعيدة عشّشت في جدرانه الملوّنة عفنا ورطوبة وفي أثاثه الذي وحّده لون العَتق القاتم. وحدها الدجاجات في غرفة مجاورة، مصدر الرزق الوحيد لهما.

منذ ايام، دبّت الحياة بشكل مفاجئ في المنزل الذي تحوّل الى ورشة نفضت عنه غبار الفقر والاهمال وأحيت ألوانه الباهتة والاهم انّها انعشت الكرامة الانسانية والحق بسكن يليق بالانسان... تلاقت سواعد عناصر القبعات الزرق في الكتيبة الاسبانية مع شبيبة كاريتاس انطلاقا من شعار "العمل مع الانسان وكل انسان وكل الانسان" لاسترجاع معاني الحياة الكريمة لهاتين المسّنتين. كاريتاس تولّت تأمين المعدّات والمواد فيما تولّى الجنود الاسبان شبّانا وشابات اعمال التنظيف والصيانة وطلاء المنزل وتأهيل شبكة الكهرباء والصيانة وغيرها.

لا فرق بين رتبة وأخرى، بين ضابط وجندي، فكان قائد الكتيبة الليوتنانت كولونيل خوسيه ماريا مارتينيث وضابط وحدة التعاون المدني والعسكري النقيب بالدوينو غونزاليث الى جانب باقي الضباط والعناصر يعملون جنبا الى جنب في المنزل، يجمعون النفايات وكل ما تخلّت عنه السنون من اثاث ومقتنيات، فيما يقوم آخرون بأعمال تنظيف وطلاء وصيانة بالتعاون مع شبيبة #كاريتاس والمساعدة الاجتماعية في اقليم مرجعيون وحاصبيا جاكلين الحكيّم ومنسّق الشبيبة ايلي ابو نقّول الذي ذكر لـ"النهار" ان الاقليم ينظّم حملة التعاضد سنويا عبر اختيار منزل عائلة فقيرة ويعيد ترميمه وتجهيزه بمساعدة الخيّرين وعناصر الكتيبة الاسبانية وذلك خدمة للإنسان الفقير والمحتاج، مشيرا الى ان اقناع المسنّين بالتنازل عن مقتنيات قديمة لا حاجة لها ليس بالأمر السهل ويتطلّب وقتا. ولفت الى ان هذا النوع من النشاطات الانسانية والاجتماعية يخلق روابط بين الناس مهما اختلفت جنسيتهم وطائفتهم او مذهبهم ويُشعر الفقير انّه ليس وحيدا وهناك من يقف الى جانبه.

وفيما كان مارتينيث منهمكا بنقل مقتنيات قديمة ردّ على سؤال لـ"النهار" عن دافع مشاركتهم في مثل هذا النشاط قائلا: "هذا عمل تطوّعي نقوم به خدمة للمحتاجين، ونحن سعداء جدا به".

وكانت زيارة تفقّدية لقائد القطاع الشرقي في اليونيفيل الجنرال خوسيه كوندي ورئيس اقليم مرجعيون -حاصبيا في كاريتاس المحامي جوزف الياس اللذين التقيا على ان العمل الانساني لا حدود له في الزمان او المكان.





تعليقات: