نعم.. الحرية تبدأ من لقمة العيش !!..


أولى الخطوات لتحرير العقل، تحرير الفكر، تحرير القرار، هي تحرير الخبز، ربما تستغربون لما أقول ! ولكن هذه هي الحقيقة وهذا ما أثبته الواقع، الإنسان ولد حراً ولكنه أخضع للعبودية، استعبد وارتهن، وأول أشكال الاستعباد كانت في لقمة العيش.

الطغاة والمستبدون يعرفون جيداً أن نقطة ضعف الشعوب تكمن في حاجتها للقوت للعمل، للوظيفة، لذا تراهم يلوون أذرعة الناس بتحكمهم بتلك المفاصل، وعلى الانسان المرتهن أن يفكر ألف مرة قبل أن يعترض على الظلم الواقع عليه من المستبد أن يفكر جيداً بما سيخسره في حال قال لا، أو في حال رفض الخضوع لأوامر الجبابرة ..

ما يحصل اليوم في لبنان ليس بعيداً عن تلك النظرية بل هو انعكاس حقيقي لها على أرض الواقع ..

لذا لا أستغرب هذا الخضوع عند الكثيرين وهذا السكوت الذي سيورث عبودية مستدامة، الساكتون اليوم مرتهنون في لقمة عيشهم، خائفون على وظائفهم، ومراكزهم، خائفون على الواسطة التي سيخسرونها والتي ستحدد مستقبل أولادهم، خائفون على حلول النقمة عليهم من الأبواب العالية، هؤلاء هم القطيع الضعيف الذي يأمل يوماً بتحرير رغيفه ليتحرر عقله ومصيره ..

أما القطيع الآخر فهو الذي يقتات طوعاً على بقايا موائد الجبابرة ويسبح بحمدهم، وقد أعطاهم الوكالة بالتفكير والتقرير، ورأى فيهم آلهة يعبدون، فهو يسبح بحمدهم ليل نهار، ولا يرى الحق إلا فيهم و معهم، ويرى أن نقدهم كفر والاعتراض عليهم جريمة تستحق العقاب ..

هذا القطيع أرى من الصعوبة أن يستيقظ ويستفيق إلا بمعجزة ربانية لأن ماء المذلة يجري في عروقه، ولأن الخضوع بات سلوكاً اعتاده وأدمن عليه .

اليوم في لبنان أرى بارقة أمل، ألمح شباباً في الشارع بدأ يلهج حروف الكفر بالمستبدين، بطبقة سياسية أطبقت على رقاب الناس، استعبدتهم، جعلتهم كالرقيق يستجدون خبزهم اليومي من قصور السلاطين، طبقة مجرمة قاتلت باللبنانيين وقتلتهم في الشوارع، وما زالت تقتلهم كل يوم إفقاراً وعتمة وذلا..

إنني فخور اليوم بكل شاب وشابة يجرؤ وتجرؤ على الذي لم نجرؤ عليه، ويقول في الساحة ما لم نستطع أن نقوله، فخور بشباب يتحمّل عنا الضرب والاهانة والاعتقال والجوع ليرفع عن رقابنا نير الذل الذي نعيشه ..

فخور بشباب يُخوّن ويُتهم ويُعتقل ليس لجريمة ارتكبها بل لأنه يريد لبنان الدولة لا المزرعة، لبنان النظام لا الفوضى، لبنان حقوق الإنسان لا استحمار الإنسان !.

أيها الحراك الحرّ الجميل لقد بعثت فينا روحاً جديدة وأملاً كبيراً. يعترينا الخجل أننا نكتب إليك خارج أسوار الوطن، وأنك وحدك في الساحة ولكن أضعف إيماننا أن ننذر حبر أقلامنا قرباناً على مذبح عطائك الرائع ..

* الشيخ محمد قانصو

تعليقات: