حبيبتي جمال.. أهديكِ وردة بيضاء

جمال.. الأخت العاشقة للحياة والحب والفرح والصداقة البيضاء النزيهة، صاحبة الإبتسامة العذبة النابعة من  قلب لا يعرف إلا المحبة الصافية
جمال.. الأخت العاشقة للحياة والحب والفرح والصداقة البيضاء النزيهة، صاحبة الإبتسامة العذبة النابعة من قلب لا يعرف إلا المحبة الصافية


ماذا أقول في وداعكِ الأخير وقد قال مُحبوكِ أشياء كثيرة . ماذا أقول وقد غادرتِنا يا جمال على عجل . سأفتقد فيكِ الأخت العاشقة للحياة والحب والفرح والصداقة البيضاء النزيهة . سأشتاق لإبتسامتكِ العذبة النابعة من قلب لا يعرف إلا المحبة الصافية ، لرنّة ضحكتكِ وأنتِ تُشاهدين مسرحية او فيلم كوميدي قديم فتحفظين بعض اللقطات المُحببّة إليكِ .

أتذكرين يا جمال أيام الطفولة ! أيام اللعب في حاكورة جدّنا " أبو علي " ، أيام كنتُ أركض وإياكِ بين شجرات الرمان ، أيام كنا نصعد الى شجرة التين لقطف الثمار قبل ان نذهب لنلهوا بعد ذلك في فناء الدار . أتذكرين عندما أردتُ وإياكِ ان نُمثل دور الحلاق على المصطبة الشرقية فوقعتِ عن الكرسي واُصِبتِ بجرح بليغ في ذقنكِ .

كم كنا أشقياء يا أختي في طفولتنا البريئة . كم كنا أحرارا في ألعابنا الصبيانية . لكن آه كم كنا سعداء . لم نكن نعرف في ذلك العمر الطري وتلك الأيام الجميلة ما الذي كانت تُخبئه لنا الحياة من إمتحانات صعبة ومؤلمة .

أذكر أنكِ في صباكِ كنتِ تحلمين بمتابعة دراستكِ . لكن الأقدار منعتكِ من تحقيق هذا الحلم عندما إقتحم الحظ داركِ فجأة وعنوة . كان ملحاحا وعجولا وعنيدا فلم يترك لكِ خيارا سوى الرضوخ للعادات والأصول التي تجعل الفتاة في بلادنا تنقاد الى مصيرها بورقة جلب الى قفص الزواج دون إنتظار لحظة إستكمال تعليمها او نضوج شخصيتها .

كم كان مجتمعنا مُتخلفا يا أختي ، وكم ما زال مُتخلفا بأشواط عن هذا العصر . تخرج الفتاة من دار أهلها الى بيت الطاعة بعواطفها الغامضة وإرادتها غير الحرّة وخوفها المُقيم من المستقبل . تخرج الفتاة مُكبّلة بإرادتها الواهنة وبسلاسل الإستسلام لإرادة الرجل الفحل ورغباته ونزواته . وعندما تكتمل معالم الأسرة الجديدة تبدأ مسيرة الصبر والتسامح والعض على الجراح من طرف واحد .

تُكرّس المرأة حياتها لأطفالها وزوجها . تنسى روحها وطموحاتها وآلامها في نوع من التضحية الأسطورية لا يُقدم عليها سوى مخلوق واحد على الأرض إسمه " الأم " .

أولادكِ يحبونك يا أختي . يعلمون أي حياة عشتِ من أجلهم ، وأنكِ رحلتِ باكرا ومظلومة . فقد قهركِ المرض الخبيث بسرعة . كان مُتعجّلا لدفنكِ . لكنه أيقظكِ على ان الحياة يمكن ان تذهب سريعا ، واننا نخطىء جدا عندما نظن ان التسامح واللين واللطف مع الأمراض الخبيثة في هذا المجتمع هو القرار الصحيح والشجاع للمرأة .

لهذا السبب منعتكِ الأصول من تحقيق آخر رغباتكِ . لكأنكِ كُنتِ في غُربة . تلك الأصول ذاتها التي تجعل المرأة تتخلى عن أصغر أمانيها او رغباتها الحُرّة حتى وهي على فراش المرض والموت .

لا تحزني يا أختي لأن الأصول قهرتكِ . فهي قهرتنا جميعا . ليس لأنها تجاهلت رأيكِ على فراش الموت / كما كانت تفعل دائما أثناء حياتكِ التي تُشبه حياة كل إمرأة عربية قهرها التخلف والإستبداد / ولكن قبل كل شيء لأننا عجزنا عن حماية حريتكِ في آخر لحظات عمركِ القصير .

لقد علمنا في عُجالة المرض انها آخر أمنية رغبتِ بها ، وكنتِ في تلك اللحظات تنظرين إلينا تلك النظرة الجامدة الهائلة ذات المعاني الكبيرة التي أودعتِ فيها كل ما تبقى لديكِ من قوة وصبر وانتِ تحتضرين على مرأى من عيوننا التي لم تنم منذ إكتشاف مرضكِ . تلك النظرة التي قالت بصمت وألم : لا تدعوا المرض الخبيث يلحقني الى القبر .

لا تأبهي يا جمال إذا كان المرض قد أخذ جسدكِ ، لأنه لم يتمكّن من أخذ روحكِ . فروحكِ ما زالت حية فينا وفي قلوب مُحبيكِ . بإمكانكِ ان تقرئي كلماتهم الوفية النابعة من قلوب مُشتاقة وحزينة ، وان تسمعي ما يُرددونه من كلمات في عزائكِ .

لكنكِ يا أختي لستِ الوحيدة التي قهرتها الأصول في بلادنا العامرة بالظلم والتسلط والفهلوة والجهل الذي يظنه صاحبه معرفة وحنكة . ولا يسعني هنا إلا ان اُذكّركِ بحديث للإمام علي (ع) كان يعجبكِ كثيرا يقول فيه : ما جادلتُ عاقلا إلا وغلبتُهُ ، وما جادلتُ جاهلا إلا وغلبني .

كلنا مغلوبون يا أختي لأننا مطوقون بهم من كل الجهات . إسمحي لي ان أهديكِ وردة بيضاء عبر موقع بلدتكِ الحبيبة الذي أسّسه احد أبناء الخيام المُتنورين ، الصديق العزيز المهندس أسعد رشيدي . وإسمحي لي ان أشكر بإسمك كل المُحبين الذين لامست قلوبهم قلبكِ الطاهر .

أعدكِ يا جمال بأن أحمل قضيتكِ في فكري وعقلي طالما حييت . أعدكِ بأن أضُمّ جهدي وصوتي الى جهود آلاف الناشطين من أجل تغيير الأصول التي تمنع المرأة في بلادنا من التعبير عن أشواقها وأمانيها .

وداعا يا أختي الحبيبة . سلمي على والدتكِ وإسردي لها الحقيقة كلها هذه المرة ، لا تُغفلي شيئا ، فقد آن الأوان لكي نكفّ عن البكاء والإختباء وراء الأصول والتقاليد العفنة التي تمنعنا من إستنشاق هواء الحرية .

كنتِ شجاعة يا أختي في مرضكِ القاتل ، وشجاعة في إسترجاع قصة حياتكِ كلها وأنتِ على فراش الموت .

أنتِ الآن حُرّة يا جمال . هنيئا لكِ حريتكِ . وأعذرينا لأننا قصّرنا في الدفاع عنها في لحظات الألم والحزن .

في الختام أعدكِ بإرسال هدية ثمينة الى روحكِ الطاهرة في أقرب فُرصة . فوداعا والى اللقاء .

أخوكِ المُشتاق فؤاد


........... ............ ............

بمناسبة ذكرى اسبوع المأسوف عليها المرحومة جمال نايف مرعي

زوجة أحمد كلاكش

والدها: المربي الأستاذ نايف مرعي

والدتها: المرحومة الحاجة زينب الشيخ حسين علي ابراهيم فاعور (أم فؤاد مرعي)

أشقاؤها: د. فؤاد، د. نهاد، الحاج يوسف (مسؤول التعبئة التربوية المركزي في حزب الله)، المهندس الشهيد مرعي، محمد وحسن

شقيقتاها: هيام (زوجة عماد حيدر) والشهيدة مريم (زوجة الشهيد سلمان أبو عباس)


يقام مجلس عزاء:

- يوم السبت الساعة الرابعة بعد الظهر في النادي الحسيني في الخيام

- يوم الاحد الساعة العاشرة صباحاً في حسينية بلدة بلاط

لها الرحمة والمغفرة ولذويها الصبر والسلوان

كلمة حنان عواضة "جمال مرعي: رحيلك المبكر.. أهو شوق إلى والدتك؟"

كلمة وفاء محمد على ابو عباس "عن صديقتي جمال التي رحلت في عيد الأم "

سجل التعازي بالمأسوف عليها المرحومة جمال نايف مرعي

سجل التعازي بالمرحومة الحاجة زينب الشيخ حسين علي ابراهيم فاعور (أم فؤاد مرعي)

تعليقات: