الميثاق الوطني اللبناني


الميثاق الوطني اتفاق غير مدوّن معمول به وهو عبارة عن توزيع السلطة بين طوائف ثلاث خلاف الدستور المكتوب والذي لا ينص على طائفية المنصب او الوظيفة .

هذا الميثاق اختلف بعض الناس من اللبنانيين في من كان السبب في ظهوره الى الوجود والذي أدى الى كل المصائب والمشاكل الذي يعاني منها الشعب اللبناني .

الرأي الأول: يقول ان من اخترع هذا الميثاق الإنتداب الفرنسي ليبقى الخلاف قائما فيما بين اللبنانيين وليبقى الأنتداب رابضاً على قلوب اللبنانيين .

الرأي الثاني: يقول ان من أنتج هذا الميثاق بإتفاق فيما بين رياض الصلح وبشاره الخوري لتقاسم السلطة ( الحكم ) بين الطائفتين المارونية والسنية ويعطى التشريع للطائفة الشيعية.

في هذه الدراسة سنتطرق الى افعال وأعمال الرأيين ومن الواقع الميداني وبعض الشواهد على ذلك:

في أيلول سبتمبر من عام 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير على أساس ضُم اليه ولاية بيروت مع اقضيتها وتوابعها ( صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار ) والبقاع مع اقضيته الأربعة ( بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا ) ، وبذلك أصبحت مساحة لبنان الكبير 10452 كلم مربع بدلاً من 3500كلم مربع وازداد عدد سكانه من 414 ألف نسمة الــى 628 ألف نسمة .

عارض المسلمون قيام دولة لبنان الكبير والأكثرية منهم عارضوا الدولة والكيان الوطني الجديد المصطنع من جانب الإنتداب عند نشوئه لثلاثة أسباب هي :

١- الدولة الجديدة تجعل منهم أقلية ، وهم الذين كانوا جزءاً من الأكثرية المسلمة الحاكمة في العهد العثماني .

٢- كانوا يتمنون بعد انسلاخهم عن السلطة العثمانية الإنضمام الى " دولة عربية " برئاسة الأمير" فيصل " تضم " سوريا الكبرى " أي سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.

٣- كان المسلمون رافضين الإنتداب الفرنسي على اعتبار أنه حكم دولة اجنبية أوروبية .

كان من المسلمين أقلة يريدون الأنفصال عن سوريا وقيام دولة لبنانية مستقلة ، وقد لعب آل الصلح بقيادة رياض الصلح دوراً بارزاً في الإنفصال عن سورية.

ماذا فعل الإنتداب :

اول ما فعله الإنتداب انشأ دولة لبنان الكبير ومن ثم صياغة الدستور والذي لا يتضمن اية مادة تنص على طائفية الرؤوساء .

بعد وضع الدستور موضع التنفيذ كان شارل دباس اول رئيس للجمهورية وهو ينتمي الى الطائفة الأرتوذكسية وتولى الرئاسة في اول سبتمبر ( أيلول ) 1926 ، وتولى في فترات لاحقة رئاسة مجلس النواب وكذلك رئاسة الحكومة .

واللذين تعاقبوا على المناصب الرئاسية ولغاية الإستقلال عام 1943 جميعهم كانوا مسيحيين لأنهم الأكثر سكاناً للبنان في عهد الإنتداب وأكد ذلك احصاء 1932 حيث كانت نسبتهم من جميع الطوائف 51.2% يقابلهم المسلمون من جميع الطوائف 48.8% والمسيحيون الذين تولوا الرئاسات الاولى ومنهم:

١- حبيب باشا السعد : تولى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والحكومة طبعاً في فترات مختلفة .

٢- الفرد نقاش : تولى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء

٣- أيوب ثابت : تولى رئاسة الجمهورية وكذلك تولى رئاسة مجلس الوزراء

٤- بترو طراد : وهو أرثوذكسي تولى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب

٥- بشاره الخوري : تولى رئاسة مجلس الوزراء

وقبل انتهاء ولاية الدباس عام 1932 اتجه فريق من النواب المارونيين إلى انتخاب الشيخ محمد الجسر رئيساً للجمهورية معاكسين في ذلك اتجاه فريق آخر يريد الشيخ بشاره الخوري رئيساً ، ومعظم هؤلاء النواب من النواب الإنتدابيين ، وفي العام 1929عند التجديد الى شارل دباس وضعت ورقة بأسم الشيخ محمد الجسر .

يبدو مما تقدم بأن الرأي الذي يقول بأن الإنتداب الفرنسي هو من اخترع الميثاق يكاد يكون معدوماً ، بحيث أن الحقيقة والواقع أثبتا غير ذلك من خلال الممارسات التي اتبعها الإنتداب بتسلم السلطة بين الطوائف المسيحية .

ماذا فعل بشاره الخوري ورياض الصلح :

١- وافق رياض الصلح منذ اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 على قيام الدولة ضمناً بخلاف الفئة الأكثرية من المسلمين رفض هذه الدولة للأسباب المذكورة أعلاه .

٢- ربما " وهذا استنتاج " بأنه كان يعلم بإتفاقية سايكس - بيكو السرية منذ 1915-1916 ومن ثم أعلن الأتحاد السوفياتي في هذه الأتفاقية بعد نجاح الثورة الشيوعية عام 1917، وهذه الإتفاقية لم تظهر الى العلن إلا في عام 1920 .

٢- لعب رياض الصلح دوراً اساسياً في الإنفصال عن سوريا ، ربما " وهذا تحليل " كان يشعر بأن لا دور له ولا سلطة في قيام دولة سوريا الكبرى والذي كان يطالب بها المسلمون.

٣- أخذ رياض الصلح وبشاره الخوري يسوقون للأتفاقية فيما بينهما ما بين الفترة أعوام 1943-1930 . وفي عام 1943 أستقل لبنان عن الإنتداب .

٤- ورد في مذكرات بشاره الخوري بأنه تم إجتماع فيما بينه وبين رياض الصلح في 19 سبتمبر ( أيلول ) 1943 في بلدة عاليه وتوصلا الى اتفاق غير مكتوب يقضي بأن يعين بشاره الخوري اذا أنتخب رئيساً ، رياض الصلح رئيساً للوزراء كما اتفقا على تقاسم السلطة.

٥- بعد انتخاب بشاره الخوري رئيساً للجمهورية 21 سبتمبر ( أيلول ) 1943 كلّف رياض الصلح بتشكيل الوزارة وفقاً لما اتفق عليه من توزيع للحقائب واقتسام السلطة ووجدوا بأن صيغة الإتفاق فيما بينهما هي الأمثل وعرفت هذه الصيغة فيما بعد " بالميثاق الوطني " اللبناني وهو يقوم على المعادلة التالية :

من اجل بلوغ الإستقلال على المسيحيين ان يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الأنضمام الى الداخل السوري لأن المسلمين كانوا قد رفضوا دولة لبنان الكبير .

٦- شكلت الحكومة على أساس تقاسم السلطة بشاره الخوري ( ماروني ) رئيساً للجمهورية رياض الصلح ( سني ) رئيساً للوزراء صبري حماده ( شيعي ) رئيساً لمجلس النواب .

٧- بعد تشكيل الحكومة حاول بشاره الخوري ورياض الصلح إلغاء بعض المواد من الدستور التي تتناقض مع هذا الإستقلال ، على اثرها امرت السلطات الفرنسية باعتقال رئيس الجمهورية مع الرئيس رياض الصالح وعدد من أعضاء حكومتهم في قلعة راشيا ، وعينوا بدلاً من بشاره الخوري أميل أده ، فثارت البلاد على هذا الأجراء مما اكره الفرنسيون اخر الأمر على الأفراج عنهم والأعتراف بأستقلال لبنان في 22 نوفمبر( تشرين ثاني ) 1943 .

٨- انتخب بعدها بشاره الخوري رئيساً للجمهورية وكان بذلك اول رئيس للبنان بعد الإستقلال وعين رياض الصلح رئيساً للوزراء وبعدها نظم أسس الحكم في لبنان على أساس " الميثاق الوطني " .

الخلاصة :

نرى بأن من أنتج واخترع وهندس الميثاق الوطني هما بشاره الخوري ورياض الصلح ، والذي يستطيع ان يجبر سلطات الإنتداب على تعديل بعض مواد الدستور والأعتراف باستقلال لبنان في 22 نوفمبر عام 1943 لا نعتقد بأنه لا يجرؤ على إلغاء الميثاق اذا كان من صنع فرنسا.

الميثاق للأسف كان وفاقياً غير مدرج في بنود الدستور او بأي ملحق سري وكان هو السبب في كل معاناة الشعب اللبناني لتسلط فئة من اللبنانيين على باقي الفئات ، وبدلاً من ان نتخلص منه ، أثبتناه في اتفاقية الطائف والتي سميت بالدستور ، والغير معمول به لتاريخه بأستثناء مراكز الرئاسات ، ومصيبتنا بالميثاق كانت اهون ولكن اتفاق الطائف سبب هذه الكوارث التي نحن غارقين فيها من قمة الرأس الى أسفل القدمين ، وربما لو طبق على مراحل كما ورد في نصوصه لكُنّا أفضل حالاً ، والى ان يصبح الحكم لبناني لا طائفية لأي مركز فيه يخلق الله ما لا تعلمون .

* الحاج صبحي القاعوري - الكويت

تعليقات: