مرّوش... قصّة أكبر من مجرّد مطعم!

مطعم مروش.. يبحث عنه السيّاح للتعرّف إلى أسرار مذاق المازة اللبنانيّة
مطعم مروش.. يبحث عنه السيّاح للتعرّف إلى أسرار مذاق المازة اللبنانيّة


سنويًا، يخسر لبنان معالم كثيرة طبعت الذاكرة الجماعيّة لمواطنيه. سنويًا، تنغمس بيروت في ركب الحداثة وتفقد مميّزاتها التراثيّة. سنويًا، تسير الحياة نحو الأمام من دون أن تحافظ على قديمها وموروثها.

قد يكون سبب الخسارة إنمائيًا، تحديثيًا، تطويريًا، ترميميًا، سياحيًا، وأيضًا قضائيًا تمامًا كما حصل مع "مروش"، هذا المطعم الذي ميّز منطقة الحمرا في بيروت، وبات على مدار أكثر من ستين عامًا معلمًا من معالمها، يزوره اللبنانيون من مختلف المناطق لتذوّق "أطيب سندويش دجاج" من يدي "أبو علي"، ويقصده المغتربون ليتلذّذوا بأشهى المأكولات اللبنانيّة، ويبحث عنه السيّاح للتعرّف إلى أسرار مذاق المازة اللبنانيّة.

أقفلت السلطات اللبنانيّة ظهر يوم الخميس المنصرم، مطعم "مرّوش" لصاحبه ماهر مرّوش، وفقدت الحمرا بذلك أحد أقدم وأشهر المطاعم التراثيّة اللبنانيّة.

تراث وتاريخ منطقة

في جولة لـ"النهار" في محيط "مرّوش"، يستذكر أهالي المنطقة هذا المطعم الذي يصفونه بالتراثي، ويقولون إنّه أحد المعالم الشهيرة في منطقتهم. تقول منى: "حرام، مش معودين ع المرّوش مطفي ومسكّر. كان يفتح على مدار 24 ساعة يوميًا، فيقصده الزوّار من المنطقة وخارجها ليأكلوا الدجاج والفول والشورما، والتلذّذ بطعم الثوم، فهو يقدّم خلطات لا يمكن تذوّقها في أي مكان آخر. إنّه أشهر مطاعم لبنان وأكثرها حفاظًا على التراث والتقاليد".

أمّا مصطفى، فكان يمرّ يوميًا أمامه، حيث تخرج منه رائحة الدجاج وأشهى المأكولات اللبنانيّة، اليوم يمرّ متحسّرًا على فقدان أحد معالم المنطقة، يقف متكئًا على عصاه ويقول: "كان المطعم يعجّ بالزبائن، لم نره يومًا خاليًا، يعود تاريخه إلى أكثر من ستين سنة، فهو شاهد على أجمل الليالي البيروتيّة وحياة السهر والفرح قبل الحرب اللبنانيّة، كما هو شاهد على ويلات الحرب والدمار، وعلى مرحلة السلم. إنه تاريخ بيروت. الناس يقصدون رأس بيروت لزيارته وتناول الطعام فيه. ضيعانو، قصّة إقفاله مازالت غامضة وغير واضحة".

أمّا غنوة فتعبّر عن انزعاجها من رؤية المطعم مقفلًا بعدما كان يعجّ بالزبائن وتقول: "لست معتادة على رؤيته مقفلًا، كنا نتونّس به، خصوصًا أنه لا يقفل بل يبقى مفتوحًا أمام زوّاره على مدار الساعة وطيلة أيّام الأسبوع، كان يضيء الشارع بأنواره، هذه العتمة تقهر. الناس كانوا يقصدونه لمجلسه التراثيّ، ليجلسوا على كراسي القشّ والخيزران، والطيور تزقزق حولهم على صوت خرير المياه. إنها من أجمل الجلسات التراثيّة التي تذكّرنا بتاريخنا وأصلنا وحضارتنا، لقد حافظ على التراث أكثر من محافظة الدولة عليه، وهذا ما أكسبه شهرته الواسعة".

مقهورون لكن يأملون

على بعد أمتار من "مرّوش" يتجمّع الموظفون في أحد المطاعم الإيطاليّة التي يملكها ماهر مرّوش ويستعملها مستودعًا لمطعمه، وذلك بعدما وجدوا أنفسهم دونما عمل بين ليلة وضحاها، وتقول وفاء الطبّاخة لـ"النهار": "نجتمع في هذا المكان بناءً على طلب السيّد ماهر، نحنا لسنا معتصمين، بل ننتظر قراره بفتح هذا المطعم الذي كنّا نستعمله مستودعًا، في حال لم تحلّ قضية "مرّوش". نحن 16 شخصًا نعمل في المطعم وحاصلين على كلّ حقوقنا. السيّد ماهر ليس متواريًا عن الأنظار، بل رجل محترم لا غبار عليه. وإن لم تحلّ قضية "مرّوش" قريبًا، من المؤكّد أنه سيفتتح مطعمًا آخر لنعمل فيه، بحسب ما يؤكّد لنا محاميه".

الـ"مرّوش" لا يزول

يجلس الموظفون، وهم لا يعرفون مصيرهم بعدما أقفل المطعم الذي عملوا فيه سنين طويلة، فأقدمهم يعمل فيه منذ 47 سنة، وأجدّهم منذ سنة، وتقول وفاء المتحدّثة باسمهم: "لدينا تجهيزات تكفي لافتتاح ثلاثة مطاعم. نحنا عائلة واحدة ونحبّ بعضنا ونحبّ هذا المطعم الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ستين سنة. اسم "مرّوش" لا يمكن أن يزول، ونحن لن نقبل بذلك، وفي حال قرّر السيّد ماهر عدم افتتاحه مجدّدًا، نحن سنقوم بذلك، إنه أكثر من مجرّد مطعم إنه تراث وموقع سياحي، يقصدنا الناس من كلّ البلدان، فشهرته عالميّة، ونحن ندافع عن هذا الاسم وهذا التاريخ وهذا التراث".

وتضيف وفاء بكلّ ثقة واعتزاز: "نحن نقدّم أفضل المأكولات، ومعنا شهادة نظافة، ولا نغشّ زبائننا. كثيرون يريدون المطعم لهم، نحن حزينون على ما آلت إليه الأمور، وحزينون على صاحب المطعم لأنه رجل محترم. لقد دُشّرنا في ليلة وضحاها، أُخرجنا كالمجرمين من بيتنا الثاني، فيما الغلّة والطعام ما زالوا داخل المطعم. لكننا سنبقى هنا، وسنحتفل بعيد الأضحى معًا كما اعتدنا سنويًا، سنعدّ الأوزة وقالب حلوى كبير".

تتعدّد الروايات فيما النتيجة واحدة، أقفل "مرّوش" الذي كان مقصدًا للبنانيين والمغتربين والسيّاح. أقفل وترك في داخله قصصًا وحكايات وذكريات. أقفل في ليلة وضحاها بعدما أنار ليالي بيروت وكان سلوى سكّانها وروّادها. أقفل لتفقد بيروت معلمًا ميّزها وكان من أعمدة تراثها.

\
\"مرّوش\" ... قصّة أكبر من مجرّد مطعم!


تعليقات: