الناقورة.. وحلم الوظيفة في «اليونيفيل»

بحر الناقورة.. مُصادر في معظمه (علي لمع)
بحر الناقورة.. مُصادر في معظمه (علي لمع)


«السفير» تجول في القرى الحدودية (7)

لا شيء أشهر من مبنى القوات الدولية في الناقورة. صار بين البلدة الجنوبية الساحلية و«اليونيفيل» وحدة حال منذ أنشئت الأخيرة في العام 1978 وفقاً للقرارين الدوليين 425 و426.

لا يمكن لزائر آخر بلدة ساحلية جنوبية، ألا يلاحظ الجدار الاسمنتي الذي يمتد على مسافة أكثر من ثلاثة كيلومترات على طول شاطئ البلدة. جدار يحجب البحر وأكبر مخيم للقوات الدولية في العالم، علماً أنه بعد ضمّ منطقة «نيولاند» إلى المخيم صارت مساحته نحو 1500 دونم، بما يوازي ضعف مساحة بلدة الناقورة نفسها.

في المقلب الآخر من الطريق، ما يزال الدمار حاضراً بكثرة. هو ليس من مخلفات عدوان تموز، إنما ناتج عن تنفيذ أحكام قضائية تقضي بطرد شاغلي المحلات التي كانت تجاور «اليونيفيل» لسنوات طويلة.

بعد العام 2006، أراد صاحب الأرض التي شيّدت عليها هذه المحال استرجاع أرضه، فرفع سلسلة دعاوى إخلاء ضد شاغليها. وبالفعل ربحها كلها، ومن المتوقع أن تكون كل الإخلاءات قد أنجزت في نهاية أيلول.

ما يجري لا يزعج البلدية، أولاً لأن هذه المحال أنشئت بشكل مخالف للقانون، وثانياً لأنه من أصل 256 محلاً، عشرون منها فقط لأشخاص من البلدة نفسها.

قبل العام 2006 كان بمقدور أي كان الاقتراب من نقطة الحدود وقراءة عبارة «فلسطين» على إحدى إشارات الطرق. هذا الأمر غير متاح اليوم. الإشارة ما تزال قائمة لكنها صارت ضمن منطقة عسكرية طولها 1.5 كلم يحظر دخول المدنيين إليها، وتضمّ المعبر الذي يشرف عليه الجيش اللبناني و«اليونيفيل»، إضافة إلى الأمن العام الذي استحدث نقطة حدودية مؤخراً. عند ذلك المعبر، تجري كل عمليات التبادل أو تسلّم المخطوفين اللبنانيين، ولاسيما الرعاة منهم، تختطفهم إسرائيل بوتيرة شبه متكررة من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. كذلك يفتح هذا المعبر أمام العائدين من فلسطين المحتلة عبر الصليب الأحمر الدولي.

العامل الأمني يبقى في أسفل سلم أولويات أبناء المنطقة و«اليونيفيل» على السواء. كل قائد للقوات الدولية يصل إلى لبنان لا يتأخر قبل أن يلاحظ أن المنطقة هي من أكثر المناطق اللبنانية أمناً. ذلك ما حدا بالأمم المتحدة إلى إلغاء بدل أخطار الحرب التي كان يتقاضاها الموظفون الدوليون.

أما على الصعيد الإنمائي، فتشهد المنطقة منذ سنوات عدة ازدهاراً سياحياً منقطع النظير. كل عام يفتتح مشروع سياحي يكلّف ملايين الدولارات (الياسمين، سوبيريانا، تركواز، تيروز..). معظم المستثمرين مقتنع أن المقاومة تشكل رادعاً جدياً لإسرائيل. أكثر من ذلك، هم متيقنون أن الحرب وسلاح الدمار لن يميز بين منطقة وأخرى، وبالتالي فإن الخطر متساوٍ، علماً أنه إلى ذلك الحين، ثمة حقيقة راسخة تؤكدها تقارير رسمية، وتشير إلى أن محافظة الجنوب هي صاحبة العدد الأدنى من الجرائم الجنائية بالمقارنة مع المحافظات اللبنانية الأخرى. أما مَن يتخوفون من بيئة غير صديقة للسياحة في الجنوب، غامزين من قناة «حزب الله»، فإنهم يصدمون بواقع أن المنتجعات التي تقدم الكحول وتقيم السهرات تنبت كالفطر، وثمة مستثمرون يؤكدون أن الحزب لا يسعى إلى فرض نمطه الثقافي في المنطقة.

ليس كل هذا مهماً بالنسبة لأبناء الناقورة. أكثر ما يزعجهم هو حالة البطالة التي يعيشها كثير من شبانها. منذ نحو شهرين، قطع هؤلاء الطريق الدولية وأحرقوا الإطارات المطاطية اعتراضاً على ما أسموه الظلم الذي يتعرضون له من قبل «اليونيفيل» في مسألة التوظيف. يشعرون دائماً بالغبن والتمييز بينهم وبين أبناء القرى الأخرى. يشعرون أن ثمة محاباة ووساطات تتحكم بمسألة التوظيف، وتكون في الغالب على حسابهم. لا يمكنهم أن يتغاضوا عن حقيقة أن نحو 75 بالمئة من الموظفين اللبنانيين في «اليونيفيل» (يقدر عددهم بنحو 700 موظف) هم من لون طائفي معين.

قد يكون لهذا التفاوت مبرراته بحسب مصدر على تماس مع اعتراضات الأهالي. الأمر يعود إلى ما قبل الانسحاب الاسرائيلي من لبنان. حينها كان معظم أهالي القرى بحكم المهجرين. تراكم التفاوت وصولاً إلى العام 2006. بعد القرار 1701، وازدياد مهام القوات الدولية، صار المطلوب زيادة عدد الموظفين، إلا أن المشكلة لم تُحل، أولاً لأن «اليونيفيل» لن تطلب موظفين على أساس طائفي، وثانياً لأن الموظفين الموجودين في المخيم هم غالباً أول من يعرف بالحاجة إلى موظفين جدد، ما يفتح الباب أمام الوساطات للقريب أو إبن البلدة أو الصديق..

ذلك كله، ليس سبباً كافياً في استبعاد قرى بأكملها عن وظائف «اليونيفيل»، التي «يفترض بها أن تعطي الأولوية لتعديل الكفة»، بحسب شبان من الناقورة.

ما زاد الطين بلة بالنسبة لهؤلاء أن القوات الدولية، بعد تخفيض موازنة الأمم المتحدة وفروعها في كل العالم منذ نحو سنتين (من 9 مليارات دولار إلى 5 مليارات) صارت تعتمد على شركات الخدمات في بعض القطاعات (التنظيف، الأعمال الزراعية..)، واقترن ذلك، بالتخلي عن الموظفين العاملين في هذه المجالات. وهذه الشركات التي عادة ما تقدم عروضاً مغرية للحصول على المناقصات، تميل دائماً إلى تخفيف عدد الموظفين للحد من مصاريفها. وحتى من توظفهم فإن أجورهم تكون في الغالب متدنية جداً بالمقارنة مع الأجور التي تدفعها «اليونيفيل»، فمن كان يقبض 2000 دولار على سبيل المثال، صار يقبض 500 دولار. الأسوأ أن «هذه الشركات تشترط على المتقدمين إلى الوظيفة الإلمام باللغة الانكليزية على الأقل، حتى لو كان المطلوب عامل تنظيفات».

بعد الضغوط التي مارسها البلدية مؤخراً، وافقت إحدى الشركات على توظيف خمسة من أبناء البلدة، إلا أنها لم تنفذ وعدها بعد. كما يوضح رئيس البلدية محمود مهدي أن الموظفين في «اليونيفيل» من البلدة المضيفة لا يزيدون عن خمسة في المئة من إجمالي الموظفين.

على ناصية الطريق، يقف أكثر من خمسة شبان. هؤلاء يتهمون «القوات الدولية» بتفضيل توظيف فئات محددة، كما يتهمونها بالخضوع للوساطات.

مع ذلك، وبدلاً من بيع الصبار، يحلم محمد سبليني بوظيفة في «اليونيفيل» أو حتى في إحدى شركات الخدمات. يتأفف كثيراً، يقول: تخيل أن جبانة البلدة موجودة في حرم المخيم ولا يسمح لنا بزيارتها إلا كل يوم خميس.

إذا كان معظم أهالي الناقورة يعتاشون من الزراعة أو من صيد السمك، فإن المساحات المحدودة المفتوحة أمام الصيادين تخلق مشكلة إضافية. يعترض سبليني على عدم السماح بالصيد في المنطقة المحاذية للمخيم. يقول إن البلدة تعرف أن تلك المنطقة مليئة بالسمك، لكن يمنع على الصيادين الاقتراب منها لمسافة تقل عن 25 متراً.

ينفي رئيس البلدية ذلك، مشيراً إلى أنه بمقدور الصيادين الاقتراب من الشاطئ لنحو عشرة أمتار. كما يوضح أن الجيش اللبناني هو الذي يحدد المناطق العسكرية وليس «اليونيفيل».

تعليقات: