الوزن الزائد عند الأولاد يعرّضهم لمشكلات صحية

الوزن الزائد عند الأولاد ينعكس على صحتهم.
الوزن الزائد عند الأولاد ينعكس على صحتهم.


وأمراض ارتفاع معدّل البدانة 10% في لبنان والحل بتغيير نمط الحياة اليومي

سمر ابنة السنوات التسع لا تعيش طفولتها كما بنات جيلها. تخاف المرآة لأنّها تعكس لها ما "يعيّرونها" به رفاقها، وتتردّد في مرافقة والدتها للتسوّق لأنّها غالبا ما تعود خائبة حزينة، ولكن... ما باليد حيلة! تهرب مجدّدا الى من كان السبب والمسبّب في حالتها، اللقمشة والشيبس ولوح الشوكولا والمشروبات الغازية، وكأنّهما "الداء والدواء" معا.

تعاني سمر وزنا زائداً (15 كيلوغراما) يجعل طفولتها مختلفة عن رفاقها، فلا يمكنها ممارسة الرياضة المدرسية مثلهم ولا يمكنها التفاخر بملابسها كما تفعل رفيقاتها، حتى إنّ بعضهم ينبذها ويرفض حتى الكلام واللعب معها، فتراها تنزوي على نفسها، تلجأ الى عالمها الخاص علّه يوفّر لها حماية "معنوية" تقيها نظرات رفاقها لها.

والدة سمر تحاول بـ"خجل" ردعها عن الأكل الزائد، وخصوصا غير الصحي، لكنّها تضعف أمام رغبات ابنتها ولا تحتمل رؤيتها "جائعة" فتشعر بوجع الضمير وتغض الطرف مجدّدا، مقتنعة أنّ هذا الوزن يزول مع الوقت عندما تبدأ ابنتها بالنمو. لكنّها وعت أخيرا مشكلة ابنتها فقرّرت اصطحابها الى اختصاصية تغذية لمساعدتها في تنظيم غذائها في شكل سليم بعد التأكّد ممّا يحتاج إليه جسمها تحديدا وليس القيام بحمية غذائية، بخلاف ما هو شائع، وأبدت سمر تجاوبا مع الأمر لأنّها بدأت تشعر، رغم صغر سنّها، بخطورة البدانة على حياتها المستقبلية.

حال سمر تشبه حال الكثيرين من أطفال لبنان الذين يعانون السمنة أو الوزن الزائد الذي أصبح "مرض العصر" بالنسبة الى الأطفال، وقد يعرّضهم لمشكلات صحية جسيمة وأمراض ترافقهم طيلة حياتهم اذا لم يتم تدارك الأمر باكرا. وقد أشارت إحصاءات الى ارتفاع معدّل السمنة عند الأطفال في لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 10% وهي نسبة مرتفعة ومؤشّر خطر، على الأهل والمعنيين التنبّه له!

اختصاصية التغذية فرنسواز ديك التي أجرت بحثا معمّقا عن الوزن الزائد عند الأطفال، أسبابه وعلاجه، شرحت لـ"النهار" كيفية التعامل مع هذا الموضوع وسبل الحد منه، لافتة الى أن بعض الأهل بدأ يعي أخطار هذا الأمر بدليل أن نحو 30% من الذين يقصدون عيادتها هم من الأطفال. وذكرت في هذا المجال أنّها لا تحدّد لهم حمية غذائية لتخفيف وزنهم، لأنّهم في مرحلة النمو ولا يجوز ذلك، إنمّا تساعدهم في تنظيم وجبات طعامهم والاكتفاء بحاجات الجسم، والذي يتناسب مع عمرهم وطولهم.

أسباب السمنة

تشير ديك الى أن بوادر السمنة قد تظهر اعتبارا من سن الثالثة وأسبابها كثيرة ومتعدّدة، لكنّها تُختصر بنمط الحياة السائد حاليا الذي يعيشه الأطفال وفيه كثير من الممارسات الخاطئة، مثل نوعية الأكل وطريقته وقلّة الحركة نتيجة قضاء معظم الوقت مع الألعاب الإلكترونية وعدم ممارسة الرياضة. وفي تفصيل هذه الممارسات أنّ أكثر ما يزيد السمنة عند الأطفال هو اللقمشة والحلويات والشيبس والمشروبات الغازية والFAST FOOD، إضافة الى زيادة كميّة الطعام وعدم الاكتفاء بصحن واحد(أي الكميّة الكافية)، فبعض الأهل يجبرون أولادهم على إكمال وجبتهم حتى ولو شعروا بالشبع. ومن أخطاء الأهل أيضا عندما يعدون أطفالهم بـ"جائزة ترضية" لسلوكهم الجيد وتكون شوكولا أو شيبس! كما أن الأكل السريع يؤخّر عملية الهضم ويؤدّي الى زيادة الوزن. وذكرت الاختصاصية ديك أن تعلّق الأطفال بالألعاب الالكترونية وجلوسهم لساعات طويلة أمام التلفزيون يجلعهم قليلي الحركة وبالتالي يلجأون الى "اللقمشة"، خصوصا مع غياب المساحات الخارجية للعب وتحريك الجسم. وممّا لا يعرفه الأهل أن الدراسات الحديثة دلّت على أن السمنة الزائدة عند الأطفال تتسبّب بأمراض عديدة مثل الكوليسترول والضغط والسكري وغيرها... فضلا عن المشكلات التي قد يعانونها مثل الأرق والتوتّر نتيجة نبذهم من رفاقهم.

نصائح وإرشادات

ترفض ديك مقولة حاجة الطفل "الممتلئ" الى ريجيم، مشيرة الى أن "ما نفعله هو فقط تنظيم كميّات الأكل بما يتلاءم مع عمره وطوله، بعد إخضاعه لاختبارين، الأول هو تحديد الوزن وكمية الدهون والمياه والبروتين والمعادن والعضل في الجسم، والثاني هو food intolerance test الذي يعمل بواسطة " الإلكترود " بهدف تحديد أنواع الطعام التي لا يهضمها الجسم وبالتالي تتسبّب بالسمنة، وعندها نضع له نظاما غذائيا نحاول من خلاله عدم حرمانه من المأكولات التي تساعد في إكمال نموّه وفي الوقت نفسه نستبدل الطعام غير الصحي بآخر مشابه ولكن صحّي أكثر، مشيرة الى أن كيفية التعامل مع الطفل في هذا الموضوع يحلّ جزءا كبيرا من المشكلة عبر إشراكه في كيفية تنظيم غذائه وإقناعه بأن هذا الأمر مفيد له وليس "تعييره" بوزنه، ومثال على ذلك ندعه يشارك بنفسه بسكب كمية الطعام التي نكون قد لفتنا نظره الى أنّها الأنسب، ونقدّم له السلطة قبل الوجبة، فالخضراوات غنية بالألياف والفيتامينات.

وشرحت ديك لـ"النهار" المسار الغذائي اليومي الأفضل والأمثل للأطفال، الذي يبدأ مع الفطور المكوّن من حليب قليل الدسم مع رقائق الذرة او الكعك الخالي من السكر، ثم يصطحب معه الى المدرسة "ساندويش" (خبز القمح الكامل لأنّه غني بالألياف الضرورية لعملية الهضم) لبنة أو جبنة بيضاء مع خيار أو خس وتفاحة او لوح شوكولا (كمية البسكويت أكثر من الشوكولا). أما بالنسبة الى الغداء فالطبخ اللبناني صحّي إجمالا، وما يهمّ هو طريقة التحضير وكميّة الطعام. وفي فترة بعد الظهر نقدّم له أي نوع من الفاكهة (ويُفضّل الفاكهة على العصير الطازج لأن الكمية تكون مدروسة اكثر كما أن العصير يفقدها الألياف المفيدة) أو بعض حبّات الجوز واللوز أو كمية صغيرة من الـ pop corn (طبعا كمية زيت قليلة)، ومساء سلطة و"سندويش" لبنة أو جبنة، والأهم أن يكون العشاء باكرا. اما في حال اضطُرّت العائلة للـfast food فمن المهم ألاّ يتجاوز الأمر مرّة في الشهر والاكتفاء بكمية صغيرة.

وفي الإطار عينه، ذكرت ديك أن على المدارس مسؤولية أيضا في هذا الشأن، منها زيادة ساعات الرياضة (ساعتان في الاسبوع)، وتشجيعهم على الحركة وعدم الجلوس وقتا طويلا، إضافة الى الامتناع عن بيع الشيبس والمشروبات الغازية والحلويات غير الصحية.

تعليقات: