الراعي يبرّئ عملاء ميليشيا لحد

أحد أبرز دعاة تجنيد العرب في صفوف العدو استقبل الراعي أمس (أ ف ب)
أحد أبرز دعاة تجنيد العرب في صفوف العدو استقبل الراعي أمس (أ ف ب)




يعود البطريرك بشارة الراعي من فلسطين المحتلة، اليوم، بعد زيارة تزامنت أيامها الأولى مع زيارة البابا فرنسيس الأراضي المقدسة. بزيارته، كاد الراعي ان يحطّم كل الخطوط الحمراء، إذ توّجها امس بصك براءة منحه لعملاء ميليشيا لحد

أنهى البطريرك بشارة الراعي زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة، بخاتمة لم تكن متوقعة. بطريرك إنطاكية وسائر المشرق لم يكتف باستثمار زيارته فلسطينياً ورعوياً، بل قدم تصوره لحل قضية العملاء الذين فروا مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. مساء الأربعاء، صلى لأجلهم في كفرناحوم، وتعشى على مائدتهم في الناصرة، وتأسف لأنهم «ضحايا يدفعون ثمن لعبة دولية وإقليمية». أما يوم أمس، فقد طور موقفه منهم.

في عظته خلال القداس الذي أحياه في كنيسة الموارنة في حيفا، الذي حضره عدد من اللحديين، بدا الراعي مستفزاً من الاعتراض على الزيارة وعلى لقائه بهم على نحو خاص. رأى أن انتقاده «جرح في الصميم، فيما لم آت لعقد صفقات سياسية أو تجارية أو اقتصادية أو أمنية». وللحديين قال إنه يرفض «وصفهم أو التعاطي معهم على أنهم عملاء أو مجرمون أو أن تكون عودتهم منوطة بأحكام عفو قضائية أو قرارات دولية». الحل في رأي الراعي، هو المصالحة. وتساءل: «ما الجرم الذي ارتكبتموه؟»، مشيراً إلى أن من «اضطر إلى ترك وطنه عام 2000، لم يحارب الدولة والوطن والمؤسسات، ولم يعطل رئاسة الجمهورية ويفقر اللبنانيين». وخاطبهم بتأثر قائلاً: «أريد أن أفهم ما هو جرمكم؟ أنتم الذين تحبون لبنان، وتحملون أعلامه». المصالحة التي بشر بها الراعي، سيحملها معه إلى لبنان حيث سيطرحها مع المسؤولين المعنيين، كما وعد اللحديين.

يكاد البطريرك في زيارته هذه أن يكسر كل الخطوط الحمراء. زار فلسطين، وهي تحت الاحتلال. التقى العملاء وحوّلهم من جلادين إلى ضحايا، ثم قرّر أن يمنحهم أمس صكوك البراءة من جرائمهم. وبرغم امتناعه عن لقاء أي مسؤول صهيوني، لفت أمس استقباله في بلدة فلسطينية من قبل احد أبرز دعاة تجنيد العرب في صفوف العدو.

الراعي: هؤلاء نسميهم متعاونين وخونة؟ هذا الكلام أرفضه رفضاً تاماً، وعلى الملأ

لم يعد أداء الراعي مفهوماً. لماذا وصل إلى هذه الدرجة من استفزاز مشاعر جزء كبير من اللبنانيين (من مختلف الطوائف)؟ لماذا يصر على ضرب القوانين والقضاء بعرض الحائط؟ من منحه حق إصدار عفو عام جديد عن جرائم لم تُرتكب في إطار الاقتتال الأهلي، بل في حرب كان طرفيها وطن وعدو، دولة واحتلال، مقاومون وعملاء؟ لماذا يريد تحطيم ما بقي من حواجز نفسية بين اللبنانيين والعملاء؟ ولماذا يصرّ على المس بمفهوم العداء لإسرائيل، وإن كان لفظياً ومصطنعاً عند البعض؟ ألا يُدرك الراعي ان اكثرية العملاء الذين قاتلوا في الجنوب اللبناني إلى جانب الاحتلال لم يكونوا من المسيحيين؟ فلماذا يريد إلباس هذا الثوب للمسيحيين عبر احتضانه «قضية» العملاء؟ لا أحد سيعترض إذا تحدّث الراعي عن عائلات العملاء، ولا عن أبنائهم. لكن كيف يجرؤ لبناني على القول للعملاء إنه يرفض تسميتهم خونة؟

هل على اللبنانيين ان يعتذروا ممن قاتل تحت راية العدو، وممن قصف القرى والمدن في الجنوب، ودمّر المنازل، وأرسل سيارات مفخخة إلى المناطق المحررة، وجنّد (ولا يزال) العملاء لمصلحة العدو، وخطف المواطنين واقتادهم إلى الأرض المحتلة بناءً على أوامر العدو، ومن أدار معتقلاً في الخيام تفنن فيه لسنوات في تعذيب اللبنانيين؟ هل على الدولة ان تمنح اوسمة لمن استخدمه جيش العدو بديلا رخيصا عن جنوده، في الكمائن التي نُصِبَت للمقاومين، ومن لولا تجنّده لمصلحة العدو، لما بقي الجنوب محتلاً حتى عام 2000؟ ألم يسمع البطريرك من الجنوبيين أنهم ذاقوا الأمرين من تصرفات العملاء الذين يريد إصدار عفو وطني عنهم، إلى حد ان سكان الشريط المحتل كانوا يتمنون نار جيش الاحتلال ولا جنة العملاء؟ لماذا لا يسأل الجيش اللبناني عن هؤلاء ليعرف ان عدداً كبيراً منهم لا يزال يعمل حتى اليوم لحساب الاستخبارات الإسرائيلية، في تجنيد لبنانيين في الخارج او حتى في لبنان، وليسمع ان بعض من يعيشون في فلسطين المحتلة شاركوا في عمليات تفجير واغتيال مقاومين بعد التحرير، في الجنوب وصيدا والضاحية؟ ليسوا سوى عملاء وخونة ومرتزقة وقتلة. فلتُسأل امهات الشهداء، مدنيين ومقاومين، عنهم. لن يقدر أحد، أي احد، على تغيير هذه الحقيقة. الوطن يتّسع للتوابين. اما المتطوعون الأذلاء لخدمة العدو، فلا مكان لهم إلا السجن او القبر.

الإعلام الإسرائيلي كان قد أبرز خطاب الراعي. وفي تقرير بثته الفضائية الاسرائيلية في نشرتها المسائية أمس، عرضت القناة مقتطفات من كلمة الراعي امام حشد من اللحديين، الذين رفض تسميتهم عملاء وخونة، وأكد ان موقفه هذا يعلنه «على الملأ اجمع». وبالصوت والصورة، جاء في كلمة الراعي التي عرضتها القناة الاسرائيلية:

«هذه الجماعة، هؤلاء الذين اضطروا الى مغادرة لبنان عام 2000. هل هذه الجماعة حاربت ضد لبنان؟ هذه الجماعة حاربت الدولة اللبنانية؟ هل هذه الجماعة حاربت المؤسسات اللبنانية؟ هؤلاء نسميهم متعاونين وخونة؟ هذا الكلام أرفضه رفضاً تاماً، وعلى الملأ أجمع».

وذكر تقرير القناة الاسرائيلية ان الراعي زار امس قرية «عسفيا» في الكرمل، والتقى ابناء الطائفة المسيحية فيها، اضافة الى شخصيات دينية واجتماعية من القرية وخارجها. وأشارت الى ان «الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ موفق طريف، كان على رأس مستقبلي الراعي في عسفيا». وبحسب طريف، الذي يعد من أبرز دعاة التحاق ابناء الطائفة الدرزية بصفوف جيش الاحتلال، «يجب توجيه نداء واضح وصريح لاصحاب الرأي ولقادة الدول والمسؤولين في منطقتنا، من اجل التسامح والتآخي وتقريب وجهات النظر، رفقا بالانسانية والجنوح الى السلام».

------------ ------------ --------------

... وفي مواجهة أبناء القرى المحرّرة



داني الأمين

سخر عدد كبير من أبناء القرى المحررة، التي لا تزال تحتفل اليوم بذكرى تحريرها، من لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي عملاء إسرائيل الفارّين المقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والسبب يعود بحسب محمد حيدر (عيترون) «ليس لمجرّد الزيارة، التي نرفضها، بل لمحاولة تسليط الضوء على قضية العملاء الفارين مع عائلاتهم، واعتبارها مسألة إنسانية، رغم أن أحداً لم يفرض على هؤلاء المغادرة الى فلسطين المحتلّة أو حتى البقاء فيها وعدم العودة».

كلام حيدر يمثّل رأي المئات من أبناء الجنوب اللبناني، والقرى المحررة خصوصاً، نظراً «إلى أن العملاء معروفون بمعظمهم بالأسماء والأفعال، وهم لا يختلفون كثيراً عن عملاء آخرين قرروا البقاء في لبنان أو العودة إليه، بعد فرارهم إلى فلسطين المحتلة، ويعيشون اليوم مثل أي مواطن آخر».

ويشير نائب رئيس بلدية عيترون نجيب قوصان إلى «أن العدد الأكبر من عملاء البلدة الذين فرّوا إلى فلسطين أثناء التحرير عادوا إلى بلدتهم وخضعوا للمحاكمة، وأغلبهم لم يسجن أكثر من ثلاثة أشهر»، معتبراً أن «الذين فضلوا البقاء يرغبون في ذلك، ولا يريدون أي نوع من المساءلة أن قرروا العودة، وهذا أمر مستغرب ومرفوض». لا تأخذ العمالة عند الجنوبيين أي بعد طائفي، كما يحاول البعض تصويرها. فقد تعاون مع العدو وجيش لحد المئات من أبناء الطائفة الشيعية، وهؤلاء فرّ عدد كبير منهم إلى فلسطين وقت التحرير، وقد صدرت بحقهم الأحكام المخففة، كغيرهم من العملاء. في 5 تشرين الثاني عام 2011 أقر مجلس النواب اللبناني قانون عودة «اللاجئين إلى إسرائيل»، المقدم من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بعد إدخال تعديلات عليه، وهو قانون يسمح لجميع أفراد عائلات العملاء بالعودة. ويشترط خضوعهم عند دخولهم الأراضي اللبنانية للمحاكمة العادلة، الأمر الذي أزعج هؤلاء العملاء، «لأنهم يريدون دخول لبنان من دون أن يتعرضوا للتحقيق ولا للمحاكمة». منذ صدور القانون وحتى يومنا هذا، لم يقرر أحد من هؤلاء العملاء ولا من عائلاتهم العودة إلى لبنان، باستثناء رجلين من كبار السن عبرا الحدود عام 2012 وعادا إلى منزليهما في بلدة القليعة، في قضاء مرجعيون، من دون أن يكون القانون الجديد هو السبب، بل «كبر السن وعدم قدرة هذين العجوزين على البقاء في ذلك المجتمع، الذي يرفضهما وأرادا أن يموتا في أرض بلدتهما، وهما يعلمان أنهما لن يعرضا على المحاكمة»، كما يقول أحد أقربائهما. أحد هؤلاء العملاء، ويدعى شربل توما صرّح لوسائل الإعلام، أثناء زيارة البطريرك الراعي، أن تعامله مع العدو «لا يشكل جرماً بحق الدولة اللبنانية والوطن»، وأن العملاء «يريدون العودة مع ضمانات لسلامتهم». يقول حسن عواضة (كونين): «يعلم جميع الذين تعاملوا مع إسرائيل أنهم لن يتعرضوا لأي اعتداء أو انتقام من الأهالي، وأنهم سيحاكمون بعقوبات مخففة، أقل من تلك التي قد يعاقب على فعلها سارق بداعي الحاجة، لكنهم رغم ذلك يريدون العودة مرفوعي الرأس ومحمولين على الأكتاف». ويبلغ عدد اللبنانيين الموجودين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، نحو 3000 من أصل نحو 7600 فرّوا أثناء التحرير وبعده. لكن القسم الأكبر منهم عاد إلى لبنان، وصدرت أحكام في حق النسبة الأكبر منهم، بالإضافة إلى عدد ضئيل غادر إلى خارج إسرائيل.

يحاول عدد من أبناء القرى الجنوبية توجيه رسالة إلى البطريرك الراعي، فيقول أحدهم لـ«الأخبار» إن «عدداً كبيراً من أبناء المنطقة، التزم الصمت عند محاكمة العملاء بأحكام مخففة، ووافقوا جميعاً على قرار المقاومة بعدم الانتقام من العملاء الذين ارتكبوا الجرائم بحق المدنيين، لكنهم يرفضون التساهل معهم إلى درجة اعتبارهم مظلومين، ولا سيما هؤلاء الذين فضلوا البقاء في فلسطين المحتلة والتعامل مجدداً مع إسرائيل». ويشير إلى أن «شبكات التجسس التي كُشفت في لبنان، في عام 2009، أثبتت أن عدداً كبيراً من المتعاملين الجدد مع إسرائيل هم من الذين كان لهم ارتباط مع العدو أثناء الاحتلال، وتعرضوا لعقوبات مخففة. حتى إن اثنين من هؤلاء استطاعا الفرار إلى فلسطين المحتلة في أيار 2009، بعد أن كشف أمرهما. أحدهما من بلدة القليعة والثاني من بلدة علما الشعب، وهما اليوم من هؤلاء الذين يريدون العودة من دون محاكمة ومع ضمانات بعدم التعرض لهم. فكيف بالبطريرك الراعي أو غيره أن لا يراعي أمن اللبنانيين ويطالب بعودة العملاء من دون اشتراط خضوعهم للمحاكمة على لأقل؟ ويلفت إلى أنه «رغم ذلك كله، يرفض الأهالي اليوم حتى دفن العملاء الذين ذاع صيتهم بالإجرام والقتل والترهيب في قراهم، كما حصل مع العميل المجرم المعروف بأبي برهان، من بلدة عيترون، الذي مات في فلسطين وأراد ذووه دفنه في عيترون».

تعليقات: