قصة خطف في عرسال: المقاتلون السوريون لا يزالون هنا

رعد حمّادي (إلى اليمين)... المسؤول عن قصف الهرمل بالصواريخ وخاطف المصوّر (الأخبار)
رعد حمّادي (إلى اليمين)... المسؤول عن قصف الهرمل بالصواريخ وخاطف المصوّر (الأخبار)


في ظل الحديث عن خطة أمنية أعادت بلدة عرسال البقاعية إلى كنف الدولة اللبنانية وأدخلت الأجهزة الأمنية الرسمية إليها، اختُطِف مصوّر صحافي (حر) يوم الخميس الماضي في عرسال، على أيدي مسلحين سوريين، ولم يُفرَج عنه إلا بعد تدخل مجموعات سورية معارضة أخرى للضغط على الخاطفين

ليل الجمعة، انشغلت الأجهزة الأمنية اللبنانية والسفارة المصرية بخبر تداولته «الوكالة الوطنية للإعلام»، يفيد بالإفراج عن صحافي مصري تردّد أنّه اختُطف في سعدنايل ثم أُفرِج عنه في جرود عرسال. قبل ذلك وبعده، لم يُعرف شيء عمّا حصل وعن دوافع الخطف وهوية الخاطفين. كانت الأجهزة الأمنية الغائب الأبرز عما يجري.

في الشكل، لم يكن الخبر صحيحاً. فالمصوّر المصري حسين شابون خُطف في عرسال، لا في سعدنايل، على أيدي مقاتلين من المعارضة السورية صباح الخميس الماضي، اقتادوه على متن درّاجة نارية إلى داخل الأراضي السورية. حصل ذلك بعد وصول شابون إلى البلدة لتصوير تقرير عن النازحين السوريين بُعيد معارك القلمون. كان الخاطفون على متن درّاجتين ناريتين. استقّل مسلّحٌ إحداهما، فيما صعد ثلاثة على متن درّاجة واحدة. أُجبر شابون على الصعود خلف أحد الخاطفين وصعد ثانٍ خلفه. وعلى هذه الحال، ساروا به في الجرود حتى وصلوا إلى بلدة قالوا إنها البريج السورية. احتجز المسلحون شابون في أحد مقارهم ليبدأوا التفاوض بشأنه. لم يكن الأمر صعباً البتّة. فبعض أجزاء الحدود اللبنانية ــــ السورية لا تزال سالكة في الاتجاهين أمام المسلّحين السوريين الذين «ينغلون» في شوارع عرسال وجرودها.

في تلك الأثناء، وصلت رسالة إلى هاتف الزميل رضوان مرتضى من رقم صديقه شابون عبر «الواتسآب» مضمونها: «أنا مخطوف ولن يتركوني إلا حين تأتي». وبعد الرسالة مباشرة، خرج هاتف شابون من الخدمة. ولم يمر وقت قليل قبل أن ترد رسالة أخرى عبر «الواتسآب»، لكن هذه المرّة من رقم أحد المسلّحين السوريين، ويدعى فهد حمّادي: «ألو... دقّلي». اتّصل مرتضى بحمّادي الذي أعلمه بأنّ شابون مخطوف لدى مجموعة مسلّحة وأنّهم أصبحوا داخل الأراضي السورية. حاول المتّصل لعب دور الوسيط مع الخاطفين، علماً بأن مصادر عرسالية تؤكد أنه أحد المتواطئين في استدراج المصوّر المصري. قال حمادي لمرتضى: لن يتركوا شابون إلا إذا أتيتَ شخصياً. وربما يطلبون منك مالاً أيضاً أو ربما يريدون أذيتك». رد مرتضى سلباً وأنهى الاتصال. كان الهدف إيصال رسالة للخاطفين منذ البداية بأن وجود شابون في أيديهم لا يمكنهم من التفاوض من موقع قوة. وفي موازاة ذلك، جرى إبلاغ الأجهزة الأمنية اللبنانية بحصول عملية الخطف وتزويدها برقم أحد الخاطفين والمخطوف لاقتفاء أثره. وللعلم، فإنّ قدرات الأجهزة الأمنية معدومة خارج نطاق الأراضي اللبنانية وفي منطقة الجرود العرسالية، وأحياناً حتى داخل عرسال نفسها. في الوقت عينه، فُتِحَت قنوات اتصال مع مجموعات تابعة للمعارضة السورية للضغط على الخاطفين لإطلاق سراح المصوّر المخطوف. ولكون فهد حمادي ينتمي إلى مجموعة مسلّحة يقودها شقيقه رعد حمّادي، المسؤول عن إطلاق الصواريخ على منطقتي اللبوة والهرمل، دخلت مجموعة حمّادي في دائرة الشبهة. فرعد متورط شخصياً في ذبح سوريين كان يخطفهم ويتهمهم بـ«العمالة للنظام السوري وحزب الله»، وذلك مثبت في مقاطع فيديو يظهر فيها حمادي وبيده سكين يذبح به شاباً مقيّداً. كانت الوساطات تجرى على أكثر من جبهة، إلا أن الاتصال بالخاطفين كان مقطوعاً. وقد تدخّلت إحدى الجهات الإسلامية الفاعلة في المعارضة السورية، للضغط على الخاطفين، وهدّدتهم بالطرد من عرسال وباختطاف بعض المرتبطين بهم، إن لم يُطلقوا سراح المصوّر المخطوف. ومُنحت مهلة لإطلاقه تنتهي عند مغيب شمس نهار الجمعة.

عند منتصف ليل الخميس ـــ الجمعة، أي بعد مضيّ أكثر من عشر ساعات على خطف شابون، ورد إلى هاتف مرتضى اتصال من رقم لبناني. كان مجدّداً فهد حمّادي الذي تبرّأ من الاشتراك في عملية الخطف ووعد بالسعي لإطلاق شابون، طالباً إمهاله حتى صباح اليوم التالي ليُحضره، لكنّه لم يجب عن السؤال بشأن المجموعة الخاطفة. ذكر فقط أن الخاطفين يتّهمون المصوّر بأنّه «شيعي ويعمل مخبراً لدى جهاز أمن حزب الله». ثم غاب بعدها عن السمع. في اليوم التالي، أي ظهر الجمعة، عاود حمّادي الاتصال مجدّداً، ثم أعطى الهاتف لشابون الذي تكلّم مع مرتضى لطمأنته عن حاله. وأخبره بأنّهم سيوصلونه إلى عرسال. بعد نحو ثلاث ساعات، اتّصل فهد مجدداً من الأراضي اللبنانية لإبلاغ مرتضى بأنّ المصوّر في طريقه إلى بيروت. ورد بعده اتصال من سنترال من ساحة عرسال على هاتف مرتضى. كان المتصل المصوّر شابون الذي أبلغه أنّهم أخذوا هاتفه وأنه سيستقل باصاً لمغادرة عرسال. وهكذا حصل فعلاً.

يروي شابون لـ«الأخبار» كيف استُدرج ليُختطف من قبل المسلّحين السوريين. يتحدّث عن ظروف اختطافه وتعرّضه للضرب. قال إن الطريق بين عرسال والمكان الذي أخذوه إليه لم يصادف فيه رجل أمن لبنانياً واحداً ليستنجد به. وذكر أنّ الطريق إلى مقر المسلّحين استغرق نحو ساعة. وعن أسماء المسلّحين الذين اختطفوه من لبنان، يذكر أسماءهم الأولى وهي «رعد وفهد ومحيي الدين». وقد عجز عن تحديد المكان الذي أخذوه إليه، إلا أنه قال إنه شاهد لوحة تحديد اتجاه كتب عليها اسم بلدة قارة السورية. وأكّد أنه شاهد أثناء نقله عشرات المسلّحين.

وأفاد شابون بأنّه، لدى وصوله، أُدخل إلى أحد المنازل حيث كان فيه نحو عشرة مسلّحين. هناك جُرِّد من ملابسه وقيّد، ثم تولّى رعد التحقيق معه. ضربه على وجهه مراراً، ثم أحضروا عدة سكاكين عرضوها عليه ليختار «بأيّ منها يُريد أن يذبح». وقال إنّهم اتهموه بداية بأنّه شيعي، لكنّه أنكر ذلك. أحضروا شخصاً ينادونه «أبو الزبير»، أوهموه بأنّه محقق من «جبهة النصرة»، أُرسل للمشاركة في استجوابه. وواجهوه بمضمون مقاطع صوتية لأناشيد وأدعية شيعية كانت على هاتفه، فردّ بأنّ عمله في الإعلام يفرض عليه التواصل مع أشخاص من كل الطوائف، مشيراً إلى أن المقاطع على هاتفه مرسلة من بعض هؤلاء. عندها أجروا له امتحاناً في الصلاة وعدد الركعات في الفرائض الخمس اليومية، وعندما نجح في «الاختبار». سألوه: «هل رضوان مرتضى شيعي أم سنّي»، فأجابهم بأنّه سنّي. بعد ذلك، أخرجوه من مكان احتجازه، وعرضوا عليه قبراً محفوراً

قالوا له إنّه قبره الذي سيُدفن فيه بعد ذبحه.

سُمح لشابون بالخلود للنوم، لكنه لم ينم. وبعيد منتصف الليل، سمع صوت محرّك دراجة نارية دخلت إلى حديقة المنزل الذي يقيمون فيه. دخل بعدها فهد منادياً على رعد. وفي الداخل، اشتبك الشقيقان كلامياً على خلفية إصرار فهد على «ضرورة إعادة حسين صباح غد، وإلا بيتنا بيخترب بعرسال... عائلاتنا بالمخيم جوّا بلبنان ورح يصير وجع راس كبير». وأضاف فهد: «رضوان لن يأتي ولن يدفع ليرة لإطلاق حسين. كما أنّه أبلغ كل الخليقة... جيش وشرطة والعراسلة وحتى الجبهة («جبهة النصرة»)... رح تقوم الدنيا علينا». هنا ردّ رعد: «اسكت وإلا دخلت وأطلقت النار عليه. مش فارقة معي... أنا أقاتل الجيش السوري، فلن أخاف من الجيش اللبناني». فسأله فهد مجدداً: «ماذا عن ابنك وزوجتك في عرسال وعائلاتنا هناك؟». يكمل شابون: «صمت الجميع، أو بدأوا يتهامسون». بعدها دخل أحدهم لإيقاظه، فادّعى بأنّه كان نائماً. في الداخل، لم يأتوا على ذكر الضغوط التي مورست عليهم، بل أخبروه الآتي: «بناءً على التحقيق معك، ولأن رضوان باعك ولم يسأل عنك، اتّفقنا على تركك بشرط مساعدتنا لإحضار رضوان إلى هنا...»، فأجاب شابون بأنّه موافق على قدر استطاعته. تداولوا بعدها في السيناريوات المحتملة. وعلى هذا الأساس، يقول حسين: «وافقت معهم على إيهام رضوان بأنّ هناك مقابلة مهمّة مع (الشيخ مصطفى الحجيري) أبو طاقية لنحضر معاً إلى عرسال ثم يخطفونا معاً، وبعد أسبوع يطلقون سراحي لإبعاد الشبهات عنّي، ويبقون رضوان معهم ليحاكموه وليطلبوا الفدية التي يقدّرونها لفكّه». وأبلغوه عندها أنّهم لضمان حسن التزامه بالخطّة الموضوعة وكي يضمنوا عدم كذبه عليهم، يجب أن يسجلوا معه تصويراً يعترف فيه. سأل شابون عمّا سيعترف، فردّ رعد بأنّه سيسأله مجموعة أسئلة وعليه أن يكرر خلفه الأجوبة التي يلقّنه إياها. أجبروه على القول بأنّه يعمل مخبراً لصالح حزب الله والمخابرات السورية والجيش. وأملوا عليه أن يقول أيضاً إن رضوان يتعامل مع الشيعة وحزب الله. وأنهما (حسين ورضوان) مع صحافي ثالث، يبيعون ما يصوّرونه لقناة المنار والعالم الإيرانية والميادين والإخبارية السورية». ردّ شابون بأنّه لم يسبق أن سمع باسم الصحافي الثالث أو التقاه، فردّوا بأن عليه أن يقول ذلك وإلا فلن يخرج. وأجبروه على القول بأنّه مرسل من مخابرات حزب الله لفبركة تقرير عن تصنيع الكبتاغون لتشويه صورة الثوّار. بدأ تسجيل الاعتراف المتّفق عليه. ثم أعيد التسجيل مرّتين بسبب أخطاء في الإجابة. بعدها نام الجميع. وفي اليوم التالي، نُفّذ الاتفاق وأطلق سراح حسين.

لا تُحسد بلدة عرسال على حالها. مجموعة مرتزقة ركبوا موجة «الثورة السورية» يتحكّمون بمصير الآلاف من أبنائها على مرأى من الأجهزة الأمنية اللبنانية العاجزة التي لا تعلم شيئاً. بالمناسبة، مندوب الوكالة الوطنية للإعلام في البقاع الشمالي علم بتحرير حسين شابون قبل معظم الأجهزة الأمنية.

تعليقات: