رسالة إلى خالتي الحاجة رحمة

سورة الفاتحة
سورة الفاتحة


"لكلّ امرىءٍ من إسمه نصيب"

رحمة... ما أجمل هذا الإسم حين حملته، حين أعطيته كلّ هذا الحقل الدلاليّ: العاطفة، المحبّة، العطاء، الكرم، الطيبة...

سبعة عقود رسمت ملامح إنسانة أتت إلى هذا العالم دون أن تأخذ إلا صمتها!

نفقدُ أحبّةً. تنعي أقلامُنا هفوات الموت. نحاول حبّاً وذكرى لمن فقدنا. نجترّ مشاعرَنا صدقاً وكبتاً. لكنكِ تطغين على الكلمات والآهات... عشتِ وحيدة، وغادرتِ وحيدة..

كنتِ كراهبة في صومعة التعبّد والبعد عن ملذات الحياة وبهرجتها، حتى إنك لم ترتبطي بنصفكِ الآخر كما يفعل البشر لتاسيس عائلة تحمل بعضاً من ضوء عينيكِ قبل مغيب العمر.

راهبة متنسّكة متديّنة إلى درجة الطهارة والصفاء الكليّ. لن أبالغ إذا قلتُ فيكِ أنكِ الأكثر حناناً وعطفاً وطيبة ومحبّة وكرماً ودِعة...

فقدتِ والدكِ المعمّر (104 سنوات)، فبقيتِ تبكينه كطفل حتى بكيناكِ...

فقدتُ والدتي، فكنتِ الوالدة العطوفة الحنونة... كنتِ عزاءنا في الخسارة.

نأتي إلى الخيام، فلا تتمّ الزيارة المباركة إلا برؤية الخالة الطيّبة رحمة.

كنتِ تقدّمين إلينا كلّ ما جادت به يداكِ من طعام قرويّ صحّي، أصبح نادراً في زمن الـ Fast Food: العصّورة، البقلي، الميش وكلّ مشتقات حشيش المرج والسهل الأخضر بأديمه في فصل المطر والخير..

عند رؤيتنا كنتِ ترقصين كعصفور جميل؛ تصدحين بالأهل والسهل بـ "أم ربيع" أو "إم الربيع" و"أبو ربيع"، يا لفرحتي الكبرى. كنتِ تحملين سكينكِ والكيس الكبير للتسليق سوياً عبرالتقاط "العلت" و"الشومر" و"العني" و"الصيفي" و"الحمّيضة" و"الأرّة" و"الفرفحين" و"الحبق البرّيّ" و"الرشد" و"الفطر"، التي كان الفضل يعود إليكِ في كيفيّة تعرّفي إلى هذه النباتات المباركة اللذيذة...

ولن أنسى الأحاديث والقصص الجميلة حول الموقد "الصوبيا".. وذكريات جدّي الحاج محمّد أمين الشيخ علي الذي بكيتيه طويلاً حتى أبكيتينا..

كان ذلك في شتاتءات الخيام التي تحوّلت إلى ذكرى بعد رحيلكِ...

ذهب الخيرُ والحبّ والرحمة يا رحمة.. حتى أنّ الشتاء قد ذهب...

لن أستفيض في تعداد محبّتي لكِ..

أقولُ وداعاً أيّها الملاك الحنون.

خالتي رحمة.. إنتهت زيارتكِ إلى هذا العالم المجنون. رحلتِ قبل المحطة الأخيرة.

رحمة... فليرحمكِ الله.

سجل التعازي بالمرحومة الحاجة رحمة محمد أمين الشيخ علي

تعليقات: