دور النخب في أزمة نظام طائفي فاشل

أزمة نظام طائفي فاشل
أزمة نظام طائفي فاشل


" انطلاقاً من لبنانيّتي، أنا، وبخجل، أعطي رأيي كمسيحي، لكن خلِّينا نحكي الحقيقة، الفريق التاني عم يشتغل لّيهمِّش دورنا الرائد والأساس بلبنان، التهميش مرفوض ... ما رح نسمحلُن..."

" انطلاقاً من لبنانيّتي، أنا، وبخجل، أعطي رأيي كشيعي، لكن الفريق التاني عم يشوِّه دورنا كمقاومة حققت أكبر انتصار على العدو الصهيوني، التشويه مرفوض ... ما رح نسمحلُن..."

" انطلاقاً من لبنانيّتي، أنا، وبخجل، أحكي عن الأزمة بلبنان كسنِّي، لكن ما فينا ننكر إنُّو الفريق التاني ما بدُّو يخلِّينا نبني دولة قوية وعم يأسِّس دولة ضمن الدولة، هالمحاولات مرفوضة... ما رح نسمحلُن..."

" انطلاقاً من لبنانيّتي، أنا، وبخجل، أحكي كدرزي، لكن الفريق التاني عم يتجاهل تاريخنا ونضالنا من أجل تحقيق التوازن الدائم بين كافة اللبنانيين، هالتجاهل مرفوض ... ما رح نسمحلُن..."

" انطلاقاً من لبنانيّتي، أنا بخجل أحكي كأرمني، لكن الفريق التاني عم يحاول يحجِّم دورنا الوطني بلبنان، التحجيم مرفوض ... ما رح نسمحلُن..."

" مطلبنا المُشاركة بحكم البلد والفريق التاني عميل للأميركان وللغرب ورافض الشراكة معنا " يعلِن آخر.

"مطلبنا المُشاركة باتخاذ قرار السلم والحرب والفريق التاني عميل لسوريا وإيران ورافض الشراكة معنا" يصرِّح آخر.

هذا غيض من فيض خطابات "النخب" السياسيَّة "الخجلى" و"الرافضة" و" التي لن تسمح" الحاكِمة في لبنان على اختلافها، المُنقسِمة شكلاً بين موالاة ومعارضة، (المُتصارعة فيما بينها راهناً) والتي تتصدَّر يومياً منابر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، المملوكة بغالبيتها من قبل تلك النُّخَب، تؤيدها- شرحاً وتبريراً وتعليلاً- "نخبٌ" ثقافيَّة وإعلاميَّة واقتصاديَّة ما كان لها أن تحصل على مواقعها الفاعلة، وعلى ترقياتها المهنيَّة وامتيازاتها الإقتصادية، في القطاعين العام والخاص على حدٍّ سواء، لولا مُبايعة كل منها لزعيم الطائفة التي تنتمي إليها، تؤازرُها بالتهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لفريق من الأمَّة، أصابعُ المنتمين إلى فريقٍ آخر من الأمَّة، ومُمَثِّلو الفريقين أَجْلَسَهُم قانون المحادل الإنتخابية الطائفية (قانون العام 2000 وما سبقه من قوانين انتخاب) على مقاعد السلطة التشريعية نواباً عن الأمَّة جمعاء. فالمادة 27 من الدستور اللبناني تنصُّ على أنَّ: "عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء..."

بدلاً من الولاء للوطن والدولة كرَّست "النُّخَبُ" اللبنانية ولاءها وانتماءها بعد "الطائف" لترويكا الطوائف، الأمر الذي كفل لها امتيازاتها الخاصَّة وثبَّت هيمنتها على مُقدّرات البلد برمتها، فتقاسمتها فيما بينها، ممَّا مكَّنها من السيطرة على الشارع اللبناني حيث نجحت، متواطئة ومتآزرة، في تقسيمه إلى مجموعاتٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ عمياءَ تُستثار بسرعة، وتتحول عند الحاجة، إلى مجموعات من قنابل موقوتة جاهزة للإنفجار.

وما كان لإحكام النُّخَب الطائفية، لِقبضتها على مؤسسات الدولة، إلا أن يؤدِّي إلى الغاء دولة المؤسَّسات وإفراغ الوطن من أبنائه بالهجرة، وإسكات من تبقَّى فيه من نُخَبٍ سياسيَّة وثقافيَّة واقتصادية.

وما كان لاستقواء كلٍّ من هذه النخب بامتداداتها السياسية والدينية والمذهبية في الخارج إلا أن يؤدِّي إلى جعلها طبقة من نُخَبٍ سياسية هرمة موزَّعة الولاء بين المحاور الإقليمية والدولية، عاجزة حتى عن القيام بأدنى تسوية سياسية داخلية (كما جرت عليه العادة سابقاً)،

الأمر الذي يعكس، وقبل كل شيء، أزمة نظام طائفي فاشل، ويستوجب نهوض نُخَبٍ سياسيَّة وطنيَّة جديدة، قادرة على تقديم صيغةٍ متطورة ضرورية لقيام الدولة المدنيَّة المطلوبة.

ملاحظة،

(بعد مرورِ ثمانية سنوات على مساهمتي بهذه المقالة ضمن محور: "مسؤولية النُّخَب اللبنانيَّة في التحضير للحرب الأهلية" الذي أثاره في ذلك الحين، الأستاذ جهاد الزين، مشكوراً، على صفحات جريدة "النهار"، أرى أنَّها لا تزال صالحةً للإشارة إلى السبب الأساسي لِما عاناه ويعانيه بلدنا، وبالتالي نحن كمواطنين، من مآسٍ وجراح.)

..

* المحامية وداد يونس (رئيسة الهيئة الإدارية لنادي الخيام الثقافي الإجتماعي)

تعليقات: