حولا تستذكر مجزرتها.. «كي لا ننسى»

عصابات «الهاغانا» بقيادة مناحيم بيغن تهاجم بلدة حولا في العام 1948 (الأرشيف)
عصابات «الهاغانا» بقيادة مناحيم بيغن تهاجم بلدة حولا في العام 1948 (الأرشيف)


لا ينقطع الحديث أو الإحساس الدائم بالواجب، عند أبناء بلدة حولا بقضاء مرجعيون، تجاه المجزرة التي ارتكبتها عصابات «الهاغانا» الصهيونية في العام 1948 بحق أبناء البلدة وراح ضحيتها نحو سبعين رجلاً من مختلف الأعمار. فهم يدورون في فلكها، في أدبيات مهرجاناتهم ومناسباتهم، فضلاً عن مطالبتهم الدائمة، الدولة اللبنانية بجعل عنوان هذه المجزرة في المناهج التعليمية، وفي منشورات تدلل عليها.

ليست مجزرة حولا الوحيدة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضدّ أبناء الجنوب والبقاع الغربي على مدى السنين منذ اغتصابه فلسطين، لكنّ مجزرة حولا كانت فاتحة المجازر التي ارتكبها العدو بحق لبنان، وأكبرها من حيث مجرياتها ودلالتها وعدد الشهداء (نحو 70 شهيداً أو أكثر نظراً إلى عدم وجود إحصائية موثقة في حينه)، الذين سقطوا فيها وكان عدد سكانها وقتها لا يتجاوز 1500 نسمة.

«لقد يتّمَ العدو كل بيت في حولا، في تلك المجزرة. ولم يجد الأهالي حينها حضناً يخفف عنهم هولها أو يداً تمتد لتبلسم جراحهم أو تقدم المساعدة»، يقول رئيس «رابطة إنماء حولا» المهندس عارف ياسين. ويشير إلى أن «البلدة هدمت مجمل بيوتها، وهُجّر أهلها فأقامت الدولة اللبنانية لهم مخيماً في ضبيه، بدلاً من أن تبني لهم ما تهدم، وعانوا الأمرين. ولولا إصرارهم على العودة وإعادة بناء بيئتهم ومجتمعهم، وبناء بيوتهم من تعبهم بعدما باعوا جزءاً من حقولهم الزراعية، لكانت حولا اليوم أرضاً بوراً».

لا ينفك أبناء حولا يرددون حكاية «مجزرتهم» في كل مناسبة وفي تصريحاتهم الإعلامية أو حتى في أعمالهم الفنية «لكي تبقى الذكرى حية من جيل إلى جيل، ولكي يفهم العالم، أنه لو أبرمت الدولة اللبنانية اتفاق سلام مع إسرائيل في يوم ما، فسيرفض أبناء حولا هذا السلام وسيكونون ضده»، وفق ياسين.

عانت حولا طويلاً جراء الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته، وهي وقعت مثلها مثل جميع القرى الحدودية الجنوبية في قبضة احتلاله المباشر على مدى ربع قرن، ما أدى إلى نزوح كبير لرجالها وشبابها، ولم يبق من أهلها سوى كبار السنّ والعجزة. ولما التمّ شملهم بعد التحرير في العام 2000 خلّدت البلدة برعاية البلدية حكاية المجزرة في نصب تذكاري للشهداء الذين سقطوا منذ المجزرة وحتى التحرير. ويجمع تمثال شهداء حولا بين الريشة وثقافة التحدي، فتعتصر الريشة صخرة كبيرة ترمز إلى اسم البلدة باللغة السريانية «الصخرة القاسية» وقد جُعل النصب محط زيارة لكل زائر من خارج البلدة حلّ ضيفاً عليها.

ويعتب أبناء حولا على نواب الجنوب ووزرائه الذين «لم يعملوا على إدراج مجزرة حولا في مناهج الدولة اللبنانية وفي كتب التربية الوطنية والتاريخ، بالرغم من المناشدة المستمرة والطلب الدائم الذي صار تاريخياً»، يقول أحد أعضاء المجلس البلدي.

ظلّ الحوليون يسمعون حكاية المجزرة، من آخر شهودها حسين محمد ظاهر رزق (الذي توفي سنة 2005)، كان يقول: «في ذلك اليوم المشؤوم، ظننت مع كثيرين من أبناء البلدة أن الداخلين إلى بلدتنا من شمالها هم من «جيش الإنقاذ»، الذي أوقع في عصابات الهاغانا خسائر فادحة قرب العبّاد، ولأننا كنا ننتظر هذا الجيش بفارغ الصبر، ولا سيما أنّ البلدة كانت تعيش عز انتصارها للقضية الفلسطينية وتدرك خطر التوسع الصهيوني، ركضنا صوبهم، فعدنا أمامهم والبنادق في ظهورنا، ليجمعونا بعدها في الساحة وقرب البركة، ثم قسمونا فرقاً ثلاثة، أنا ورفاقي أخذونا إلى بيت فارس حسين مصطفى. بعد نحو عشر دقائق أتى أحدهم، وقال: صوبوا وجوهكم نحو الجدار، ورشنا بالرصاص.

كنا 18 شاباً، أصبت في فخذي ثم بيدي ووقعت مع الجميع على الأرض. بعدما ذهبوا فتحت عيني ولم أر غير الظلمة. بعد قليل طبقت الغرفة علينا، فجّروها وسقط علي جسر خشبي، ولما استفقت وجدت، إلى جانبي، محمد الشيخ عبد سليمان، ساعدني وساعدته، كان هو الآخر مصاباً، وبصعوبة كبيرة استطعنا الهروب من الرصاص الذي أطلق علينا من أكثر من مكان، حتى وصلنا إلى خراج البلدة، ومنه نقلنا إلى المستشفى حيث استشهد زميلي متأثراً بجراحه، وعلمت أن الإسرائيليين قتلوا نحو سبعين من أبناء البلدة».

المجزرة

هاجم العدو الإسرائيلي بلدة حولا فجر 31 تشرين الأول 1948، بقيادة السفاح مناحيم بيغن على رأس فرقة من «الهاغانا» قامت باعتقال جميع من صادفته في طريقها، رجالاً ونساءً. ثم قامت بإطلاق سراح النسوة. وعمدت إلى إعدام الرجال والمسنين بتدمير المنازل، التي جمعتهم فيها، فوق رؤوسهم أو برميهم بالرصاص. وقد بلغوا أكثر من سبعين شهيداً، دفنوا حيث استشهدوا في قبور جماعية، ثم نقلت جثثهم لاحقاً إلى مقبرة خاصة يطلق عليها اليوم اسم «تربة الشهداء». وتسببت المجزرة بنزوح معظم الأهالي باتجاه بيروت، حيث أقامت لهم الدولة بيوتاً من صفيح في مخيم ضبيه، مكثوا فيها نحو ستة أشهر، ثم عادوا إلى حولا في أيار 1949، بعد فترة من توقيع «اتفاق الهدنة».

بلدة حولا الشاهدة على المجزرة (كامل جابر)
بلدة حولا الشاهدة على المجزرة (كامل جابر)


تعليقات: