ليس بين الله وبين أحد قرابة

ليس بين الله وبين أحد قرابة
ليس بين الله وبين أحد قرابة


يبتني الإسلام على مبادئ وأسس ثابتة، لا مجال فيها للتبديل والتغيير، ولا تخضع لحسابات المصالح والمفاسد، ولا يمكن تفسيرها أو تأويلها على غير معناها ومؤدّاها ..

واحدة من القواعد الأساسية والثابتة في الإسلام هي عدم اختصاص الله سبحانه وتعالى بجنس، أو عرق، أو لون، أو قوم، أو عشيرة، وهو جلّ شأنه ليس منحازاً لطرف، أو حزب، أو فرد إلا بمعيار التقوى والأعمال الراجحة التي في مقدمتها خدمة الناس والرحمة بهم .

فالأصل أنّ الخلق جميعهم عيال الله وهو ربّهم وإليه مآلهم، وهم عباده المحتاجون إليه، وأحبّهم وأكرمهم عنده أنفعهم لعياله.

التقوى والثبات على جادة الحق، وتأصّل النفس البشريّة بالفضائل والمكارم، وسمّو العقل في مدارك معرفة الله تعالى بالتأمل والتدبر، وتحليق الروح في آفاق الكون وعروجها إلى ملكوت الأسرار الإلهية، وترفّعها عن الصغائر والشهوات، وانتقالها من ذل المعصية إلى عزّ الطاعة, كلها موازين تحدّد منزلة الإنسان وموقعه من الله عزّ وجلّ حبّاً أو بغضاً، قرباً أو بعداً، مفازة أو خسرانا ..

من هذا المنطلق، وبالاستعانة بالشواهد القرآنيّة, والأحاديث النبويّة، والسيرة العمليّة للرسول الأعظم محمد (ص) وأهل بيته وأصحابه ننطلق في محاكمة الظواهر الملحوظة في مجتمعاتنا والتي لا بدّ من أخذ الكثير منها على محمل التسامح باعتباره وليد العفويّة أو الجهل، أو ربما الفهم الخاطئ للآيات والأحاديث الشريفة، أو دخالة الموروثات الشعبية وتلبّسها بالمقدّس, كما لا بدّ من اعتبار بعضها الآخر أنه تمّ اختلاقه عن سابق إرادة و تصميم ليخدم مصالح جماعات وأفراد ويصبغ عليهم الشرعية والمصداقية فيما يقولون ويفعلون ، كذلك ليمنحهم تفويضاً ربّانياً مطلقاً يسلّطهم على رقاب الناّس, ويطلق أيديهم في السياسة والاقتصاد, ويخصهم ببراءة إلهية تعفيهم من المحاسبة والمساءلة.

يروي الكليني في كتابه الكافي بسند عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال :« وَاللهِِ مَا مَعَنَا مِنَ اللهِ بَرَاءَةٌ وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ قَرَابَةٌ وَلَا لَنَا عَلَى اللهِ حُجَّةٌ وَلَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً لِـلَّهِ تَنْفَعُهُ وَلَايَتُنَا وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً لِـلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَايَتُنَا. وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا! وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا!».

ولهذا الحديث من الدلالة الواضحة ما يكفي للرد على أولئك الذين يدّعون حق الاختصاص بالله، ويطلقون على أنفسهم التسميات والألقاب الموحية بأنّ الله لهم وحدهم، فيختارون من هندسة اللباس وإرسال اللحى, وإطالة السّبَحات, ما يوهم بأنّ حقّ التمثيل الإلهي من نصيبهم حصرا، وأنهم وكلاء الله على بقية الخلق، ينصبون محاكم باسم الله في الأرض, فيمنّون على من شاؤوا بنعمة الإيمان، ويقذفون من عارضهم بالردة والكفر.

ليس بين الله وبين أحد قرابة، هذا هو الأصل، ولا يجوز لأحد أن يدّعي صلة بالله تملّكه الرقاب وتُخضع له العباد، ولا يتوهمن أحد أنّه بالأسماء والألقاب يمتلك الوجاهة عند الله، والحاكمية على النّاس.

إنّ مشكلتنا في هذا الزمان هي الحقوق الحصرية، فكما يحتكر التاجر بعض السلع ويتحكّم بسعرها لأنّه بادعائه صاحب الحقّ الحصري بتسويقها، كذلك فإنّ الكثيرين من تجار الدين الذين ألصقوا بأنفسهم وبضائعهم ومتاجرهم أسماء الأنبياء والأولياء يصنّفون النّاس كما يشاؤون فيبيحون دماءهم, وأموالهم, وأعراضهم تحت مسمى واحد :إن الحكم إلا لله !..

ليس الدين لباساً يفصّله البعض على مقاساته، وليس الإسلام خاصة ماركة مسجلة بأسماء من يريدون التوسّل به لتخدير العقول واستعباد البشر ..

..

* الشيخ محمد أسعد قانصو

تعليقات: