أشجار اللويزة تجدد الشباب والزيزفون لمعالجة الربو وعسر الهضم

شجرة اللويزة
شجرة اللويزة


أشجار اللويزة عادت تتصدّر المنازل المعقودة والمزدانة بالقرميد والقناطر والزيزفون لا طلب عليها وتضمحل بفعل النهضة العمرانية

في القرن الحادي عشر استعمل الطبيب والفيلسوف العربي ابن سينا أوراق الزيزفون كلصقة لإزالة الورم وتسكين الألم، كما استخدمها كشراب مغلي لمعالجة الدوالي. وقتذاك، أيضاً، كانت أزهار الزيزفون الصفراء الصغيرة واحدة من أزهار وأعشاب كثيرة تعد كنوع من "الزهورات" لعلاج نزلات البرد في الشتاء، وكانت أزهار "اللويزة" شرابا يتناوله أجدادنا قبل أن يعرفوا البن والشاي، وقبل أن نتخلّى عنه طوعا بفعل "التطور" والاستسهال، لنعود وندرك قسرا أنه حاجة تعيد لنا بعضا من هوية ضائعة، وتعيد بعض سمات البيت القديم في مواجهة موجات الحداثة ومشروبات "السوبر ماركت" بما تحمل من مواد ومنكهات صناعية ثبت ضررها على الصحة.

من يعد بالذاكرة إلى القرى اللبنانية، لا بد من أن يستعيد رائحة أشجار "الزيزفون" المزهرة وهي تتصدر باحات ومداخل البيوت، ويتذكر كيف قطف ذات يوم قصفة من شجيرات "اللويزة" وتعطرت يداه بها، قبل أن تحلّ مكانها أشجار غريبة أو تضمحل بفعل النهضة العمرانية التي قضت على الأخضر لصالح مكعبات الإسمنت.

إلا أن هناك اليوم صحوة قائمة ومفارقة في هذا المجال، إذ أن كثيرين استعادوا زراعة "اللويزة" وكأن ثمة عودة إلى المنابع الأولى. فالمسألة في هذا المعنى، أبعد من "الزيزفون" و"اللويزة" لأنها متصلة بتراث وتجربة اكتسبها الأجداد جيلا بعد جيل بالتجربة الحسية، فتصدرت المنازل المعقودة والمزدانة بالقرميد وبقناطر مشغولة بالعرق والتعب. فقبل نحو ثلاث سنوات لم يكن هناك طلب كبير على الاشجار اللبنانية المنشأ، الا ان المشهد تغيّر عندما بدأ الإقبال على أغراس اللويزة وتأمينها من البعض لتصبح متوافرة في المشاتل نتيجة هذا الاقبال، في مقابل الطلب القليل على الزيزفون لاسباب لا تزال غير معروفة، ولذلك فأغراسها غير متوافرة بكثرة، ربما لصعوبة انباتها وقلة الطلب عليها في آن.

اللويزة

تعرف "اللويزة" علميا باسم Aloysia، ومنها اصناف عديدة. أما اسمها فهو معرب عن الاسم العلمي Aloysia المشتق من إسم زوجة ملك اسبانيا كارلوس الرابع (1788 – 1808) ماريا لويزاMaria Luisa ، وكان الاسم المتداول سابقا "المليسا" ومعروفة في بعض المصنفات العلمية ايضا بهذا الاسم Melissa، إلا أن احدا لا يعلم كيف أصبحت تعرف باسم "اللويزة"، كونها من الشجيرات التي تعيش في البيئة المتوسطية، وهي ترقى إلى زمن بعيد جدا، وفي بعض المصنفات العلمية الاخرى تعرف باسم "عشبة نحل البحر المتوسط".

شهدت زراعة "اللويزة" تراجعا بعدما كانت من ضرورات الحياة بفضل أزهارها العطرية، وكانت تزرع في مختلف المناطق اللبنانية ساحلاً وجبلاً، إلا أن البعض واظب على الاعتناء بها. زراعتها سهلة، ولكن في نهاية الصيف، وتحديدا في شهر تشرين الثاني أو مع بداية الربيع في نيسان، اذ ما علينا إلا كسر غصن صغير منها ووضعه في الأرض.

الموطن الأصلي الأصلي لشجيرة "اللويزة" هو منطقة البحر الأبيض المتوسط ويكثر وجودها في لبنان وسوريا، وقيل عنها انها تطرد كل الأحزان. وكانت من الأشجار المفضلة في القرون الوسطى لتحضير (اكسير الشباب). وفي القرن الثامن عشر كان يعتقد انها تجدد الشباب. أما أزهار وأوراق اللويزة فهي غنية بزيت طيار ومواد دابغة ومواد مرة وفلافونيدات وتربينات ثلاثية وفينولات وحموض العفص. وقد ربط الناس منذ اقدم العصور بينها وبين العسل لأن لها خواص العسل والغذاء الملكي. أما فوائدها الطبية فأكثر من أن تحصى، وهي تخضع لدراسات كثيرة للوقوف على أهميتها. ولا بد من الاشارة الى ما كتبه جون افلين العام 1706 من أن "اللويزة علاج للدماغ كونها تقوي الذاكرة وتطرد الاكتئاب"، وما زالت هذه العشبة الغنية بعطرها في مكانتها على نطاق واسع لخصائصها المهدئة. فقد بينت البحوث الألمانية أن الزيت الطيار يهدئ الجهاز العصبي المركزي ويعتبر مضاداً قوياً للتشنج.

كما وجد أنها تكبت عمل الغدة الدرقية. وهي دواء رسمي اذ اعتبرته اللجنة الألمانية، وهي اللجنة المسؤولة عن الدواء والمماثلة لهيئة الغذاء والدواء الأميركية FDA، دواء مهدئاً وملطفاً للمعدة.

الزيزفون

أما أشجار الزيزفون فما يزال بعضها موجودا منذ زمن بعيد، ولكن أغراسها غير متوافرة على نطاق واسع، ما لفت انتباهنا أن أحدا من المهندسين الزراعين لا يعرف كيفية استنباتها كأغراس جاهزة للزرع، لذلك من الصعب الالمام بكل هذه الاصناف من الاشجار والنباتات لكثرتها، ولكن ذلك لا يبرر عدم متابعة تفاصيل مهمة عن اشجار موطنها لبنان ومنطقة البحر الابيض المتوسط.

وخلافا لشجيرة "اللويزة" فإن شجرة الزيزفون كبيرة يصل ارتفاعها إلى نحو عشرة أمتار، وهي شجرة معمرة كثيرة الأغصان، وتشبه من حيث أوراقها شجرة الزيتون، ولونها فضي أيضا، ولأزهارها رائحة عطرية، وفوائد طيبة.

أزهارها تبدو مثل عناقيد من الأزهار الصفراء، ويوجد نوعان من الزيزفون. النوع الأول صغير الأوراق ويسمى باللاتينية Tiliacordata، والنوع الثاني كبير الأوراق يسمى Tiliaplalyphyllys. ووفق الموسوعات العلمية فإن "كليهما ينمو بشكل طبيعي في جبال لبنان وسوريا وتركيا".

تتميز شجرة الزيزفون بنوعية خشبها الذي يستخدم في صنع الأدوات الدقيقة، كأصابع البيانو والأثاث الثمين والستائر ومن خشبها الداخلي يستخرج نوع خاص من الطلاء المستخدم في تلميع قطع الأثاث، كما يمكن إستخراج من الزيزفون نوع من الزيت يشبه إلى حد ما زيت الزيتون، له استخدامات في مجال الطبابة وصناعة العطور ومواد التجميل. فأزهار الزيزفون تستعمل كمضاد للتشنج ولمغص المعدة والأمعاء وعسر الهضم، كما أنها تساعد على التخلص من عفونة المعدة. وهي علاج للزكام المحتقن والنزلات الشعبية والسعال والربو ومنشطة لإفراز الصفراء والكبد، وكذلك ملين ومقشع ومعرق كما أنها مهدئ يساعد على النوم والتخلص من القلق والصداع وتسكّن الآلام العصبية وتفيد لآلام المفاصل والروماتيزم، وتستخدم مضادا للإسهال كما تنفع للأرق والاضطرابات الهضمية والعصبية وآلام الرأس وتصلب الشرايين.

الزيزفون
الزيزفون


تعليقات: