‏«مفعول» تجاوزات ميليس مستمر باستمرار توقيف الضباط الاربعة

‏... هكذا اخطأت الامم المتحدة وهكذا صحّح نيكولا ميشال «قلّة الخبرة» الدولية

يجمع كل من التقى المساعد القانوني للامين العام للامم المتحدة نيكولا ميشال خلال زيارته ‏الاخيرة الى لبنان على حرصه على التأكيد بأن المحكمة الدولية «آتية لا محالة» واذا لم يكن ‏ذلك وفق الآليات الدستورية اللبنانية فحتما وفق الفصل السابع بعدما كانت لجنة التحقيق ‏الدولية قد انشئت بموجب الفصل السادس.‏

ميشال الذي احاط بحيثيات انشاء نظام المحكمة «من الألف الى الياء» شدد في لقائه مع ‏المسؤولين اللبنانيين على الطابع «التقني» لدوره فاصلا بذلك موقعه عن الدور «السياسي» ‏للأمين العام للأمم المتحدة وممثله الشخصي في لبنان غير بيدرسون.‏

وفي زيارته الاخيرة تحديداً لمس عدد ممن اجتمع «بالوسيط الدولي» رغبته في تسوية «الخلل ‏الاجرائي» في عمل الامم المتحدة تجاه قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتحقيق في الملف ‏الشائك، والذي انعكس تجاوزا فاضحا في مسألة التوقيف للضباط الاربعة وهو توقيف تحرص ‏مراجع دولية عليا على وصفه بـ «التوقيف السياسي» البحت.‏

فهل بدأت الامم المتحدة بإعادة تقييم الإطار القضائي للجنة التحقيق على ضوء نتائج ‏زيارة نيكولا ميشال الى لبنان؟

تنظر مصادر قانونية مطلعة بكثير من الايجابية لنتائج زيارة ميشال تحديدا لناحية «تسوية» ‏الخلل الاجرائي الذي رافق انطلاقة عمل اللجنة ولم يصحح كليا وعمليا حتى اليوم» وبعيدا عن ‏الاتفاق السياسي بين الاطراف اللبنانية حول نظام المحكمة وحول وجوب اقراره وفقا للآليات ‏الدستورية من ضمنها حكومة متفق على شرعيتها، تؤكد المصادر ان تصحيح الخلل الاجرائي ‏يشكل مدخلا إلزاميا لإدراك التوافق السياسي على نظام المحكمة.‏

تفنّد المصادر الخلل الاجرائي بالقول «ان اتهامات التسييس في ما خص التحقيق ليست في مكانها ‏تماما، وان كانت مفهومة في اسباب اطلاقها نظرا لما رافق التوقيفات التي اجراها المحقق ‏ديتليف ميليس من تسريبات مقصودة من قبله واستغلال سياسي داخلي وخارجي لها، لاعتبار ان ‏مسؤولية الضباط الاربعة هي مسؤولية محسومة الا ان التسييس كما تقول المصادر لا يحكم عليه ‏سلبا ام ايجابا الا بعد صدور القرار النهائي اما عن رئيس لجنة التحقيق سيرج براميرتس ‏واما المحقق العدلي القاضي الياس عيد...»‏

وتحصر المصادر الخلل الاجرائي الاساسي بالتوقيف الذي لم تعد له علاقة بالتحقيق وبمساره ‏واصبح قضية سياسية وموضوع تجاذب بين مؤيد لاستمراره ومطالب بوضع حد فوري له، علما ان ‏المطالبين باستمراره والمعارضين له يدعمون حججهم بالسياسة وليس بمضمون الملف، حتى ان احد ‏المراجع الرفيعة قال ان الاصح التكلم عن تسييس التوقيف بدلا من التكلم عن تسييس ‏التحقيق سيما وان حيثيات التوقيف قد انهارت جميعها.‏

جريمة مجهولة الفاعل

ويؤكد المصدر ان اسباب الخلل الاجرائي تعود من الناحية التقنية البحتة الى عدم قدرة ‏الامم المتحدة السابقة للتحقيق والمحاكمة في جريمة مجهولة الفاعل، اذ ان جميع خبرات الامم ‏المتحدة السابقة، كانت لمحاكمة جرائم معروفة الفاعل ومثال على ذلك محكمة يوغوسلافيا ‏ورواندا وتيمور الشرقية...‏

حيث شكلت هذه المحاكم لمحاكمة المسؤولين الاساسيين عن هذه الجرائم الجماعية التي يفوق عدد ‏الضحايا فيها مئات الآلاف.‏

وفي جميع هذه الجرائم تقول المصادر لم يكن موضوع المحكمة فتح مئة الف ملف جنائي لمعاقبة مئة ‏ألف مسؤول عن مئة الف جريمة جنائية، بل كانت الغاية معاقبة «المستوى» السياسي ‏للمسؤولين السياسيين عن هذه الجرائم الجماعية.‏

المفارقة الثانية تضيف المصادر هي انه في جرائم الإبادة الجماعية تولى مكتب المدعي العام ‏اعمال التحقيق وسارت المحاكمة بشكل متزامن لان مهمة الادعاء كانت اكمال الادلة لإدانة ‏المسؤولين السياسيين.‏

اما في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري فتلفت المصادر الى ان الجريمة افرادية ومجهولة ‏الفاعل، ومهمة لجنة التحقيق كانت في تحديد الاشخاص الطبيعيين بالأسماء الذين قاموا بتنفيذ ‏الجريمة مع تحديد دور كل واحد من هؤلاء في ارتكاب الجرم بالتفصيل والادلة، وفي هذه الحال ‏تحديدا لا خبرة سابقة للامم المتحدة.‏

المفارقة الثالثة، تضيف المصادر، هي ان الامم المتحدة لها خبرة سابقة في مسؤوليتها الكاملة ‏والوحيدة عن التحقيق والمحاكمة وليس لها خبرة بالتحقيق مع وجود قاضي تحقيق وطني يقوم ‏بتحقيق قضائي، اي اجراء تحقيق مواز لتحقيق قضائي وطني، سيما وان لجنة التحقيق هي ‏مستقلة عن القضاء اللبناني لكن الأهم في ذلك هو أن القضاء اللبناني مستقل عن لجنة ‏التحقيق. وفي خبرة الامم المتحدة السابقة، فان الامم المتحدة مسؤولة عن التحقيق والتوقيف ‏معاً، اما في قضية الحريري فالامم المتحدة مسؤولة عن التحقيق والقضاء اللبناني مسؤول عن ‏التوقيف.‏

الوقوع في الخطأ

وكان من الطبيعي ان تقع الامم المتحدة في خطأ تطبيق خبراتها السابقة في جريمة من هذا ‏النوع، فوقع الخلل وانفجرت الازمة السياسية الداخلية بالارتكاز الى نتائج هذا الخلل ‏واستمراره على مدى 20 شهراً دون معالجة.‏

ولعل عملية اعادة تقييم الخلل الاجرائي التي يقوم بها نيكولا ميشال، كما توضح المصادر، ‏كان قد بدأها القاضي براميرتس في 6 حزيران 2006، عندما اكد رسمياً ان لجنة التحقيق ‏الدولية لا علاقة لها بتوقيف الضباط الأربعة، وتبع موقف براميرتس تنديد وزارة الخارجية ‏الاميركية في آذار 2007، بالتوقيفات التي قام بها القضاء اللبناني ووصفها صراحة «بغير ‏القضائية والاعتباطية»، وذلك ان الامم المتحدة لا تستطيع تحمّل المسؤولية القانونية ‏والاخلاقية لتوقيفات لا تراعي المعايير التي تحاسب الامم المتحدة الدول على أساسها، كما أن ‏غالبية اعضاء مجلس الامن يمنع عليها قانونها الداخلي أن تتخذ في اطار مجلس الامن مواقف ‏قضائية مخالفة لمعاييرها الداخلية.‏

وتلفت المصادر في هذا السياق الى أمر أساسي وهو أن كل ما يتعلق بشهود الزور وعملية ‏تهريبهم، والتجاوزات الخطيرة التي ارتكبها المحقق ميليس «فان كل هذه الاخطاء والارتكابات ‏كان تم تصحيحها بعد تولي براميرتس مهامه، الا ان نتائجها لا تزال قائمة باستمرار ‏التوقيف، والى جانب عملية اعادة تصويب الاخطاء الجزائية التي حصلت في التحقيق، يأتي ‏‏«العمل» السياسي الذي يقوم به امين عام الامم المتحدة بان كي مون وممثله الشخصي غير ‏بيدرسون من اجل تأمين توافق سياسي على نظام المحكمة، وبالتالي لا دور سياسياً لنيكولا ‏ميشال لان دوره محصور في تأمين «التوافق التقني» على نصوص نظام المحكمة تسهيلاً للدور ‏السياسي لبان كي مون وبيدرسون.‏

استقلالية الياس عيد

وتلفت المصادر عينها الى أن تسريبات المصادر القضائية الى وسائل الاعلام والموقف المعلن ‏لوزير العدل شارل رزق بان لا صلاحية للقضاء اللبناني لتخلية سبيل الموقوفين، هو «موقف ‏سياسي» خاطىء وقضائي خاطىء، لان هذا التحقيق في مرحلته الحالية ليس فيه من فراغ ‏قانوني، فالقاضي الذي أوقف هو الصالح لوضع حد للتوقيف، كما ان في هذا الموقف عدم ‏مراعاة لكرامة القضاء ولا لدوره لانه يجب عدم تجنب واقع انه اذا تمكن قاضي التحقيق الياس ‏عيد غداً، من كشف ملابسات اغتيال الحريري، فعليه انهاء التحقيق القضائي واصدار قراره ‏الاتهامي دون انتظار خلاصات سيرج براميرتس، واذا كانت المواقف السياسية والقانونية قد ‏اعطت براميرتس استقلالاً، فان استقلال القاضي عيد منصوص عنه في الدستور، ولا حاجة لتأكيده ‏بنص، لكن المطلوب وقف الضغط السياسي على القاضي عيد وتمكينه من تقرير ما يلزم مهنياً ‏وموضوعياً بخصوص التوقيفات او التحقيق.

تعليقات: