في قاعة المغادرة (قصة قصيرة)

في قاعة المغادرة
في قاعة المغادرة


تتحرك عقارب الساعة ببطئ شديد ،والوقت يتهادى متهالكا كأن الزمن قد توقف ، وانا أجوب مطار ساو باولو الواسع بانتظار موعد اقلاع الطائرة للعودة الى الوطن.

وبينما انا اتنقل من قاعة الى قاعة ومن متجر الى آخر ، وفي واحدة من المقاهي الكثيرة بالمطار، لمحت أحد ألأصدقاء يجلس وحيدا يرتشف فنجانا من القهوة , فنزل

بعض الهم عن كاهلي ، الآن لم اعد وحيدا فقد وجدت انيسا يمكن أن ان يخفف عني عناء الانتظار الممل . اقتربت من صديقي والقيت علية التحية فرد التحية وبدا عليه الحبور ، فهو مثلي يعاني وحيدا ملل الانتظار .

كان علينا الانتظار بضع ساعات قبل التوجه الى الطائرة ،فرحنا نتبادل أطراف الحديث عن مشاق السفر والانتظار خاصة في الرحلات الطويلة . كما تطرقنا الى

الحديث عن العمل وعن بعض ما يصادفه المرءفي بلاد الاغتراب ،

قال صديقي : اسمع ما حصل معي في احدى السفرات ،

فقلت كلني اصغاء تفضل .

قال : في واحدة من رحلاتي الطويلة ، وكالعادة كان علي الانتظار بضع ساعات حتى يحين موعد اقلاع الطائرة , وبعدما تعبت من التنقل في ارجاء المطار ، قصدت احدى المكتبات.. فاشتريت مجلة وعلبة من البسكويت وتوجهت الى ركن هادئ في احدى الزوايا المطلة على مدارج الاقلاع والهبوط. رحت اتصفح المجلة التي اشتريتها ، بعد بضعة دقائق اقتربت مني سيدة جميلة في مقتبل العمر ، لباسها وأناقتها يوحيان انها سيدة محترمة وموقرة . جلست الى جانبي بكل هدؤ ودون ان تلتفت الي تناولت كتابا من محفظتها وراحت تتصفحه ، فقلت في نفسي من الممكن انها مثلي عليها الانتظار بضع ساعات ليحين موعد اقلاع طائرتها .

بدون أن تكلمني أو تنظر الي، تناولت قطعة من البسكويت وبدأت تأكلها ،

فاعتبرت ان تناولها قطعة البسكويت اشارة راقية منها للتعرف الي وتبادل الحديث معي ، فبادرتها بنظرة خجولة وتناولت قطعة بسكويت محاولا التحدث اليها ،

فشاحت بوجهها عني وبدت عليها علامات الدهشة والاستغراب .

تعجبت من تصرفها وعدت لتصفح المجلة وتركتها على سجيتها ، بانتظار ان تبادر هي الى الحديث معي . وكنت كلما تناولت قطعة بسكويت تنظر الي باستغراب وتتناول هي قطعة غير عابئة بي ، ودون ان تفسح لي اي مجال للتحدث اليها . مر الوقت سريعا ونحن على هده الحال ، ولم يبق في علبة البسكويت غير قطعة واحدة ،فحاولت اغتنام آخر فرصة للتواصل معها ، فتناولت القطعة الأخيرة وفسمتها الى نصفين ، وحاولت الاقتراب منها لاعطائها النصف والتحدث اليها، وبحركة سريعة ودون ان تلتفت الي تناولت نصف قطعة البسكويت وانصرفت .

استغربت كثيرا امرها ولم اجد تفسيرا لتصرفها ،

وما هي الا دقائق حتى دوى صوت تردد صداه في جميع ارجاء المطار معلنا وجوب التقدم نحو الطائرة لاقتراب موعد الاقلاع .

اسرعت نحو بوابة الدخول لاستكمال الاحراءات الأمنية ، قال صديقي : لا تسل كم كانت مفاجأتي كبيرة حين فتحت محفظتي لتناول جواز السفر ، فوجد ت علبة البسكويت التي اشريتها كما هي داخل المحفظة فعرفت سبب استغرابها لتصرفي . تلفت حولي عبثا محاولا رؤيتها لأعلمها ما حصل وطلب الصفح والسماح منها على ما بدر مني، وكان موعد الاقلاع قد اقترب فتوجهنا الى الطائرة على امل رحلة اخرى ورواية ثانية.......

..

(قصة قصيرة، مترجمة بتصرف عن اللغة البرتغالية)

* محسن مجمد خريس

تعليقات: