«لا تذهبوا إلى لبنان».. بين السياحة والديموقراطيّة

لقطة من الشريط
لقطة من الشريط


ضدّ مخيّلة إعلانيّة منهكة

على أنغام المقدمة الموسيقية لأغنية «رح حلفك بالغصن يا عصفور يبدأ الإعلان Don’t go to Lebanon الترويجي للسياحة في لبنان. اختارت الشركة المنفذّة للإعلان أن تجذب المشاهدين بعنوانٍ تحذيري، يناقض الهدف الحقيقي من الشريط. على مدى دقيقة، يلعب صانعو الإعلان على شعور الحنين، عبر استخدام موسيقى الأخوين الرحباني الجميلة. إلا انّ هذا الشعور لن يدوم طويلاً... إذ يصدمك صوت المغنية يارا التي تقول فجأة: «بيقولوا ما بيسوى نقعد بالشمس»، فيردّ عليها زميلها عاصي الحلاني «بس في أحلى من الشمس؟». تتعمد الكاميرا في هذه الأثناء أن تُظهر الجبال من البحر، وتتنقل في ما بعد بين صخرة الروشة وجبال لبنان الخضراء، إلى عائلةً تلهو على شاطئ البحر، وحبيبين يتعانقان في المياه. ويتابع الحلاني «بيقولوا كثرة الأكل بتضرّ»، فترّد يارا «بس في أحلى من الأكل؟» قد تحتاج الى وقت لتفهم الهدف من تلك الجمل الخالية من أي معنى، المتزامنة مع مشهد العائلة مجتمعة على الغداء، ولقطات قريبة من كؤوس العرق. يقول الحلاني: «بيقولوا ما لازم نتأخر بالليل.. بس في أحلى من السهر؟» لنرى أشخاصاً يرقصون في ملهى ليلي. ربما يستلهم الإعلان الحكمة الشائعة والتي تقول: «كل ممنوع مرغوب».

يتوالى «التصعيد الدرامي» في الإعلان السياحي، حتى نصل إلى «الجدّ»، فيقول المتحاوران: «بيقولوا تجنبوا الخلافات... بس في أحلى من الديموقراطية؟» ويبلغ الإعلان ذروة خطابه الدراماتيكي، حين تقول يارا: «بيقولوا تجنّبوا لبنان»، ويردّ عاصي: «ليش في أحلى من لبنان»؟ أخيراً فهمنا المقصود بعد عناء! كانت تلك إذاً لعبة نفسية «عميقة»، تحاول أن تشرح لنا أن كل ما هو جميل وممتع ممنوع علينا. وهكذا هو لبنان الذي لا يوجد ما هو أجمل منه بحسب الإعلان، الذي يردّ بشكلٍ غير مباشر على تحذير بعض الدول الخليجية مواطنيها من القدوم إلى لبنان، بعد الأحداث الأمنية الأخيرة.

يكرّر الإعلان الأفكار والمشاهد ذاتها التي نراها في كل إعلان سياحي (ومصرفي!): الجبل والبحر، النساء بالبيكيني، الحياة الليلية، بالإضافة إلى المشاعر الشوفينية الجاهزة والمعلّبة، والتي نجهل أسبابها الموضوعيّة! فمثلما رأينا في إعلان سابق بعنوان «الحنين إلى لبنان» مغترباً يتذكر بلده ما إن يرى صوراً لنساء بلباس البحر، نرى الفكرة ذاتها في الإعلان الجديد، مع التركيز هذه المرة على كؤوس العرق. قد يكون ذلك موجهاً للسائح الأوروبي والأميركي، كي يفهم من خلال تلك «الرمز» أنّ الشعب اللبناني شعب متحرر، يعيش في محيط يزداد تزمّتاً. لكن ما هو لافت فعلاً في الإعلان، إلى جانب الاستعانة بمغنيين، هو الحديث عن الديموقراطية. كأنّ وزارة السياحة وشركة الإعلان تريدان أن تقنعا السياح بأن حروبنا اليومية في طرابلس وصيدا والبقاع، هي مجرّد خلافات عابرة، في إطار نظامنا الديموقراطي الراقي!

يشكّل إعلان «لا تذهبوا إلى لبنان» إعلاناً عن عجز «المخيلة السياحية» اللبنانيّة. تغذّت تلك المخيّلة لسنوات باجترار الأفكار والمشاهد ذاتها، وعاشت خلال نصف قرن تقريباً في حالة نكران لواقع البلد الفعلي... لكنها تبدو اليوم منهكةً. هي لم تعد قادرة على الخلق ولا على إنتاج ما يستطيع أن يجذب اللبنانيين ولا السيّاح، في ظلّ واقعٍ يسير دائماً على عكس ما تشتهيه المتطلبات السياحية.

تعليقات: