نشرة الأخبار


كأي مواطن عربي في الغربة يتجرع الأخبار ثلاث مرات في اليوم هكذا أنا, لا أدع قناة من القنوات تعتب عليّ, ولكي تتضح الصورة, ويكتمل الوعي أكثر, فانا لا أعرّب القنوات خشية أن يخدش سمعي الرأي الآخر, بل على العكس تماماً فأنا أمارس عدالة الإطّلاع على الجميع لينطق العقل حكمه عن بيّنة !..

بالأمس استوقفتني الأخبار المتشابهة, وهالني إجماع المذيعين والمذيعات على ابتدائية واحدة لنشراتهم المتعدّدة التي يجمعها الحدث ويفرّقها المحدثون.

قتل .. مقتل .. قتال .. أضرار .. جرحى .. انهيار.. لغة واحدة ! والملفت أنّ هذه المفردات أصبحت من السهولة والاعتياد بحيث تتلوها المذيعة علينا دون التنازل عن بعض أناقتها اللفظية أو الشكلية.

أوليس غريباً أن لا تتصدّر لغة القتل نشرات الأخبار العربية ؟!

أوليس الفعل العربيّ الأوّل في المدرسة: قتل, ضرب, ظلم, مات ؟

أوليس التاريخ العربيّ متخماً بحروب قلّ فيها الحق وكثر فيها الباطل ؟

أولسنا أمّة الخيل والليل والبيداء تعرفني ؟ والعلم والوعي يفقدني ويجهلني ؟

ثمّ لما الغرابة من أخبار القتل اليومي طالما نعيش هناءة العصر الرقمي ؟

ولا ضير إن اختلفت رقميتنا العربيةـ كقوميتنا تماماًـ عن رقمية الأمم الموسومة بالكفر والفجور.

رقميتنا العربية ـ بكل فخرـ هي رقميّة الإنسان, إنساننا رقم يُذاع في نشرات النعي اليومية : سبعة, عشرة, خمسون, مائة وستون !..

ورغم هذا فنحن متفائلون, لأنّ الشرف العربي لا يصان حتى يراق على جوانبه الدّم .. فلنهرق الدماء, المزيد من الدماء, ولتحيا أوطاننا متاحفاً للعبرة !..

ليقتل الأطفال والنساء والشيوخ, لتسحق الجماجم والعيون, لتتمزق أشلاء أحلامنا على مذابح الله المنصوبة باسمه الرحمن الرحيم!..

هكذا نحن .. هكذا نشرات غسيلنا القذر .. مناحات أخبارنا الفوّاحة برائحة الدم البريء, وبقايا الأجساد

المكويّة بجمار الجهل .

وحين تنتهي النشرة المسائية يحيينا المذيع مبتسماُ : تصبحون على خير !!...

..

* بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

تعليقات: