بسمات وطن: أسهل الآراء هي الجاهزة

أسرة برنامج بسمات وطن
أسرة برنامج بسمات وطن


في إطار فتحها ملف الدراما المحلية اللبنانية، تتناول «السفير» في هذه الزاوية كل أسبوع حلقة تعرض على الشاشات كنموذج للدراما المحلية، فتحلل محتواها الفني، التقني، والحكائي. بعد «آدم وحواء» على المستقبل» و «إمراة من ضياع» على «نيو تي في»، وسلسلة «زمن» على «ال بي سي»، و«حكايا» على « نيو تي في» و«ساعة بالإذاعة» على «ال بي سي» و«مغامرات أبو رياض » على «المستقبل» اليوم «بسمات وطن على «ال بي سي».

قد لا يعتبر برنامج «بسمات وطن» من بين البرامج الدرامية الخالصة، كونه يحمل من الطابع السياسي المباشر أكثر بكثير مما يحمل من الدراما. فهو برنامج يعتمد على «السكتش» الساخر مستخدماً شخصيات متعددة تنتمي إلى فئات شعبية عدة. هذه الشخصيات يوظفها معد ومخرج البرنامج شربل خليل في إطار النقد السياسي والاجتماعي.

الكاريكاتور هو عمدة هذا البرنامج، كل الشخصيات مضخمة ومدفوعة إلى حدودها القصوى من شخصية «شفيقة» المرأة القروية والقوية بلهجتها الجبلية، وصولاً إلى التاجر الحديث النعمة الذي يرتدي السلاسل الذهبية هو وابنه.

يسعى البرنامج في شكله العام إلى صناعة ثلاثين دقيقة مسلية، عبر تصوير ينقل المشهد التمثيلي لا أكثر ولا أقل، ومواضيع تضرب مباشرة في السياسة، يتبنى فيها الرأي الأسهل. أسهل الآراء هي الآراء الجاهزة سلفاً بشكل دائم. كأن تقول دائماً أن الواقع السياسي سيء. يعتمد البرنامج على هذا النمط من الآراء في إطار الشرط الأساسي الذي يحكم، ألا وهو الاستجابة إلى مستلزمات اكتساب الجمهور من غير بحث نحو طموح أكبر. قد يكون هذا الطموح المحدد هو المنهج الذي يؤدي بالبرنامج إلى الحفاظ على وتيرة من «النجاح»، تحتكم إلى إرضاء الجمهور عبر البرهنة على القدرة على السخرية من الجميع. لتحقيق ذلك يستخدم شربل خليل شخصيات مغرقة في كاريكاتوريتها، عبر تضخيم بعض الأخطاء لأجل تظهيرها وجعلها مناسبةً للنكات التي تنسج حولها. ترسم الشخصيات لنفسها حدوداً مؤطرة ومختزلة في ناحية واحدة. مثال على ذلك التاجر حديث النعمة المحصور دائماً في شرط بحثه عن المال. وقد يقول قائل إن الكثير من الشخصيات التي تلعب في هذا النوع من البرامج هي كذلك. إلا أن هذا الأمر ليس صحيحاً. فكلنا يتذكر دريد لحام في دور «غوار الطوشي» مثلاً، وغنى شخصيته، او «شكري شكرالله» في دور الرجل البخيل في فرقة «ابو سليم الطبل». إلا أن هذا الأخير يمتلك «حياة» على هامش واقع بخله. من نوع ان له علاقات مع بقية الشخصيات، وانه من الممكن ان يحزن او يفرح او حتى يقع في الحب. لديه قصة وليس فقط رسماً كاريكاتورياً عن البخل. وحتى ابطال الرسوم الكاريكاتورية مثل حنظلة، لهم ايضاً قصصهم. هنا نصل إلى لب الخطأ الذي يقع فيه البرنامج من حيث يدري، ولا يدري: ألا وهو تشويه صورة المواطن، كونك لا تجد الى جانب هذه الشخصيات الكاريكاتورية التي تدعي تمثيل المواطنين، اي شخصية ليست مدعاة للسخرية. وفي هذا بعض التشويه لصورة المواطن اللبناني. ومثالنا على ذلك: يستخدم البرنامج اللهجات الجبلية لصبغ الشخصيات بها، في محاولة للزيادة من كاريكاتوريتها. هكذا تتكلم الشخصيات التي هي عبارة عن عيوب، وبأغلبها، لهجات قروية في إطار من السخرية المضافة. تصبح اللهجة بذلك النمط المضحك الذي يربط الشخصية وتصرفاتها. نمط لا بد له أن يصبغ اللهجة ببعدها الكاريكاتوري على الدوام. يأتي السؤال هنا: لماذا لا تستخدم اللهجات القروية في المسلسلات باعتبارها مجرد لهجات تدل على المكان والمجتمع اللذين تأتي منهما الشخصية؟ فلطالما استخدمت اللهجات القروية كمحط للسخرية. وتستمر ظاهرة السخرية لتمتد على مجموعات اجتماعية. مثال على ذلك، في أحد «السكتشات»، يصطف المواطنون الفلسطينيون أمام مكتب الرئيس السنيورة لاستلام تعويضاتهم عن الدمار الذي طال مخيم نهر البارد. يرينا البرنامج الفلسطيني في «كليشيه» اي قالب جاهز، تنميطي، وكاريكاتوري. فها هم يضعون الحطة الفلسطينية حول عنقهم، وبعضهم ملثم بها، وعندما يقتربون من المكتب يقولون جميعهم «السلام عليكم». لا يتوقف «السكيتش» عند هذا الحد من التنميط الذي يطال الفلسطيني، بل يذهب أبعد، عندما يتقدم أحد المواطنين اللبنانيين متنكراً بـ«لباس» فلسطيني لينال الشيك من الرئيس السنيورة. وعندما يحصل على المال يقول « لو ما عملت فلسطيني ما كنت قبضت ولا قرش! أهل الجبل ما بيقبضوا، بس الفلسطينيي على الراس والعين»! ثم يخرج اللبناني المتنكر لنراه وقد كبل أحد الفلسطينيين خارجاً وأخذ «اللباس الفلسطيني» منه. إن لم يكن هذا تمييزاً عنصرياً، تراه ماذا يكون؟ هذان المثالان الصغيران على التنميط الذي يستخدمه البرنامج للإضحاك يبدوان كافيين لبرهان الاستسهال في النيل من القيم، والاستسهال في إطلاق الأحكام الأخلاقية على فئات كاملة، وعلى استسهال استعداء عنصر من العناصر المكونة للمجتمع اللبناني.

بسمات وطن يبدأ بأغنية كتبها «شربل خليل» هي عبارة عن ترديد كلمة «هب» بشكل يقترب من النباح، ويضع هذه الأغنية على صورة مواطنين يغنونها. ليظهر كما لو أن المواطن اللبناني ينبح. فهل المواطن اللبناني فعلاً ينبح؟ وما الذي جعله يصل إلى هذه النقطة؟ أليس ..الاستسهال؟

«بسمات وطن»، مثل الكثير من البرامج التلفزيونية «الانتقادية»، يستسهل الوصول إلى المشاهد بأن يسخر من الواقع عبر السخرية من ..المشاهد نفسه ومن قيمه.

تعليقات: