المنتدى الإجتماعي العالمي الثاني عشر ووحدة المصير العالمي


وقف المنتدى الإجتماعي العالمي الثاني عشر في تونس (26 ـ 30 آذار 2013) ضد محاولات القوى المحافظة والرجعية التي تسعى إلى ايقاف التطور الإنساني في أميركا اللاتينية والبلاد العربية وأنحاء كثيرة في آسيا وإفريقيا، بإحباط الحراك الشعبي الذي سمح بإسقاط الديكتاتوريات، ومواجهة النظام النيوليبرالي المفروض على الشعوب.

ويشهد العالم، اليوم، أزمة عميقة للرأسمالية و"أعوانها" وهي: البنوك، والشركات العملاقة، والشركات الإعلامية الكبرى، والمؤسسات العالمية، والحكومات النيواليبرالية الحليفة لهم. إذ يفتش كل هؤلاء عن عن سبل زيادة أرباحهم، باتباع سياسات تدخلية نيوليبرالية في إعداد الموازنات العامة واتفاقات التبادل التجاري، وبمواصلة شن الحروب واقامة حكم الإحتلال العسكري.

ظهرت آثار هذه الأزمة على حياة الشعوب الغنية الشمالية نفسها، حيث زاد معدل الهجرة والانتقال القسري، ومغادرة أماكن السكن، وارتفعت الديون، وغابت المساواة الإجتماعية. وأبلغ هذه الآثار الإجتماعية ـ الإقتصادية لوحظت في قبرص، اليونان، البرتغال، إيطاليا، إيرلندا، وإسبانيا، وفي "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية أيضا.

أكد منتدى تونس على الالتزام الجماعي بوضع استراتجية مشتركة للنضال ضد الرأسمالية. فهذا النظام الذي يمضي في خصخصة الشأن العام، والملكية العامة، والخدمات العامة، يحول كل شيء إلى سلعة في السوق. حتى أن مؤسساته دمرت بيئة الحياة الطبيعية للإنسان بعد أن سخرتها للحصول على المزيد الربح.

أوضحت مناقشات وأعمال المنتدى الإجتماعي العالمي الثاني عشر وحدة مصير العالم. فقد رفض المشاركون في المنتدى تحميل الشعوب قاطبة كلفة الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية القائمة، وقرروا أن لا حلول لهذه الأزمة ضمن "منطق" النظام الرأسمالي نفسه، بل يجب صوغ حلول ومخارج إنسانية من خارج قواعد هذا النظام.

على هذا الأساس، أعلنت الحركات الإجتماعية المؤتلفة في منتدى تونس (2013) انها ستناضل ضد الشركات العملاقة، ومؤسسات النظام المالي الدولي، مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، لكونهم أدوات النظام الرأسمالي الأساسية، في خصخصة الشروط الأولية للحياة الإنسانية، مثل الماء والهواء والأرض والسلالات النباتية والحيوانية، والمناجم، كما في إشعال الحروب وانتهاك حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.

أقرت الحركات الإجتماعية في منتدى تونس أن كسر آلية الهيمنة الرأسمالية العالمية، يوجب النضال من أجل الغاء الديون غير الشرعية المفروضة على الدول الفقيرة، ورفض اتفاقات التبادل التجاري الجائر التي تفرضها عبر الشركات العملاقة على تلك الدول، على غرار ما جرى عندنا في لبنان، الذي أجبر بموجب اتفاقات مشابهة، على رفع الحماية الجمركية عن أهم منتوجاته الوطنية، وفتح السوق أمام سلع الدول الشمالية القوية.

سيسير هذا النضال بالحركات الإجتماعية نحو بناء عولمة جديدة تقوم على تضامن الشعوب، وعلى حرية انتقال السلع والأشخاص بين كل الشعوب وفي كل الدول. كما تمنح هذه العولمة الجديدة القوى الإنسانية فرصة إقامة العدالة البيئية، والسيادة الغذائية للشعوب، واستعادة التوازن المناخي الذي خربته قوى النظام الرأسمالي الإنتاجي والاستهلاكي, لا سيما بحرمان الناس من الوصول إلى زراعة ارضهم والإستفادة منها.

لقد أدانت الحركات الشعبية في منتدى تونس قمع الشعوب التي تثور على واقع الظلم الرأسمالي في كل الأماكن، بما فيه اغتيال القيادات الشعبية، مثلما جرى مع الشهيد شكري بلعيد. وهناك تحركات كثيرة للدفاع عن حقوق الفلاحين، وادانة العنف ضد المرأة خاصة النساء اللواتي يعشن تحت الإحتلال العسكري أو يخضن نضالات اجتماعية. وهذا التحركات لا تغفل التمييز القاسي ضد عاملات المنازل اللواتي يعرضن كسلع في سوق جشعة.

تعزز العولمة الجديدة المؤسسة على تضامن الشعوب السلم العالمي، لأنها تكافح ضد الحرمان، ضد الكولونيالية الجديدة، وكل الاحتلالات. فهذه العولمة تتصدى للخطابات المزيفة حول حقوق الإنسان التي استعملت كثيراً لتبرير التدخل العسكري الأجنبي في هايتي، ليبيا، مالي، سوريا. كما أن هذا التضامن عن حق سيادة الدول على أراضيها وحق تقرير المصير لشعوب فلسطين، الصحراء الغربية وكردستان وغيرها.

إن إرساء حلول إنسانية "غير رأسمالية" للأزمة الرأسمالية التي تنتشر في كل دول العالم، يشمل تفكيك القواعد العسكرية الأجنبية التي تستخدم لتغذية نزاعات عسكرية، وإنشاء نظم ديكتاتورية تخدم مصالح القوى الخارجية المهيمنة على المنطقة. كذلك يشمل حرية تأسيس وتحرك النقابات والحركات الإجتماعية في العالم، وحق الشعوب بالمقاومة السلمية، وتعزيز جميع آليات التضامن الشعبي العالمي، لمقاطعة وادانة "اسرائيل" وضد سياسة حلف شمال الأطلسي، وإلغاء الاسلحة النووية.

إن وسائل الإعلام الشعبية، ووسائل الإعلام البديل، هي أدوات أساسية لإقامة ديموقراطية قادرة على أن تقلب المنطق الرأسمالي. وسوف يدعو المنتدى إلى يوم تضامني عالمي يحشد صف الحركات الإجتماعية تبادل الدعم فيما بينها، والتعبير عن رفض السياسات الرأسمالية والكولونيالية الجديدة.

تتجه الحركات الإجتماعية التي شاركت في منتدى تونس لتوحيد صفوفها بالمستقبل، حتى تقدر على تفكيك النظام الرأسمالي. وأختم بهتافات المنتدى نفسه : كفى استغلالا، كفى عنصرية، كفى كولونيالية. عاشت ثورات ونضالات الشعوب.


تعليقات: