الحوادث البحرية تحصد أكثر من 150 قتيلاً و800 جريح سنوياً في لبنان


الحوادث البحرية سبب معظمها غياب الرقابة وحملات التوعيةأين يمكنك السباحة في البحر الأبيض "المتوسّخ"؟

البحر أكثر من زرقة مياه ورمال برونزية... وأبعدُ من أفق، وأوسعُ من مدى... يبتلع ما لذ وطاب من بشر وبواخر وحجر، ففيه تيارات تجرفك الى ساحة لا تشبه قط ساحتي "الحرية" و"رياض الصلح"، ساحة تشدك اليها... لتحتضنك الى الأبد!

أطلقت السيدة كوكو شانيل موضة "البرونزاج" عام 1925 محدثة انقلاباً جذرياً في عصر كان يعتبر السمرة لون الطبقة الفقيرة العاملة في الأرض، فتخلت البورجوازية عن لون البياض في ارتداد الى "لون الاذلال" كما كان يعتبر حينذاك. وأهمل جنون "البرونزاج" المستشري أي اهتمام بعوارض الشمس التي لا تخلو من الخطورة، في زحمة "طلي" الأجساد بالزيت والتمدّد لساعات، وخصوصاً في أوقات الذروة.

وصارت ترتفع أعداد السابحين وهواة البحر مع أول ارتفاع في درجات الحرارة، لترتفع معها الاصابات الناتجة من هذه الرياضة، كالغرق والشلل والحروق وضربات الشمس وأمراض عدّة يمكن أن تصيب العين والأذن والدماغ.

لذا، تنظم "اليازا" (تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية)، اضافة الى اهتمامها بالوقاية من حوادث السير والدراجات والحرائق، حملات توعية تهدف الى الحدّ من الأخطار التي تسبّبها الحوادث البحرية وتفعيل سبل الوقاية منها. وهي تقدّم النصح مجاناً في المدارس والمسابح والمنتجعات، وتوّحد جهودها مع كل مؤسسة أو تجمع للحدّ من المخاطر المائية التي تؤدي الى وفاة 500 ألف شخص حول العالم كل عام، معظمهم من الأولاد.

وقد أصدرت "اليازا" هذا العام بياناً حذرت فيه من الأخطار البحرية في الرياضات الصيفية، بالاستناد الى دراسات "الجمعية اللبنانية للوقاية من الاصابات الرياضية" و"مؤسسة الأبحاث العلمية" التي تفيد عن موت أكثر من 150 شخصاً واصابة أكثر من 800 آخرين باصابات بالغة أو طفيفة سنوياً في لبنان. (واعتبر البيان أن هذا العدد يعتبر كبيراً جداً بالنسبة الى بلد في حجم لبنان).

خطر يتربّص الأولاد

في ظل غياب الأرقام الرسمية والدقيقة عن عدد الحوادث البحرية في لبنان، أكدت منظمة الصحة العالمية WHO أن 69 في المئة من غرق الأولاد يكون بسبب غياب رقابة الأهل لمدة تقل عن خمس دقائق، بالاضافة الى تعرضهم طويلاً الى أشعة الشمس من دون أي حماية. ومن الأرقام الى الوقائع يوضح زياد الحلبي، (منسّق لجنة الحوادث البحرية في "اليازا" وهو أيضاً مدرّب غطس ومنقذ من الدرجة الأولى)، ايضاح مكامن الخطر وسبل الوقاية منها، مشيرا الى أن الحوادث البحرية هي ثاني أهم مسبّب للوفاة عند الأطفال بعد حوادث السير، فالغرق هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة عند الشريحة العمرية من 0 الى 19 سنة، وان معظم هذه الحوادث يمكن تداركها في حال معرفة مكامن الخطر وكيفية تجنبّه. ويضيف الحلبي: "لأن الأطفال هم أغلى ما تملك الأسرة، فان لجنة الوقاية من الحوادث البحرية في "اليازا" أجرت دراسات مكثفة لمعرفة أسباب هذه الحوادث والطرق الواجب اعتمادها للوقاية منها". محملاً المسؤولية للاهل، ان في اختيار المسبح المناسب لأولادهم، أو بتوعيتهم على المخاطر وتعليمهم السباحة، "فالأولاد عادة متهورون وغير مدركين الأخطار المحدقة بهم. لذا، فان أبرز النصائح التي تقدمها "اليازا" للأهل هي تعليمهم السباحة، ثم التأكد كل عام من أنهم لم ينسوا قواعدها، فالطفل ينسى بسرعة ويكون في حاجة للتذكير بداية كل صيف".

كما يلفت الحلبي الى أنه يجب على الأهل عدم ترك الولد يسبح بمفرده أو بصحبة أولاد آخرين، أو حتى الاتكال على موظفي الانقاذ، لأن الصغار يغرقون بصمت، من دون ضجة أو حركة، وفي أقلّ من دقيقة، بعكس الشخص البالغ الذي يصدر جلبة أثناء غرقه معبّراً عن تخبطه في الماء بحركات عنيفة من يديه ورجليه بالاضافة الى امكان مقاومته لمدة ثلاث دقائق قبل الغرق التام. مشيراً الى ضرورة تزويد الأولاد بسترات نجاة ومنعهم منعاً باتاً من السباحة في برك راكدة أو عكرة لاستحالة معرفة عمقها، كذلك وجود الطمي الذي يعوق قدرة الشخص على التحرك في حال تعرض للغرق، ومشدّداً على وجوب عرض كل شخص، بلع كمية كبيرة من الماء جراء حادث غرق، على فريق طبي يُخضعه لفحوصات ليقرر بعدها ان كان هذا الشخص في حاجة الى عناية طبية أم لا، حتى وان بدا الغريق في حالة جيدة بعد انقاذه. لأن تعريف مصطلح "الغرق" هو كل حادثة وفاة حصلت أثناء الغرق أو بعده بـ 24 ساعة.

بطولات قاتلة

ان الشباب هم الأكثر تعرّضاً لحوادث الغرق، لأنهم يجازفون في دخول البحر والسباحة في الأماكن المعرّضة لتيارات بحرية أو لارتفاع في الأمواج، ما يضعف قدرتهم على المقاومة. وتشير "اليازا" الى مخاطر أشدّ هولاً تتمثل في تباري الشبان في القفز من ارتفاعات مختلفة في المسابح أو على الشواطئ من دون أي معرفة لعمق المياه تبعاً لارتفاع القفزة، ما يسبب الارتطام ببلاط المسبح أو صخور الشاطئ، ويؤدي الى جروح أو رضوض أو الاصابة بشلل رباعي أو الموت في بعض الأحيان.

وتكثر هذه الاصابات، بحسب "اليازا"، في المسابح الشعبية المجانية أو "السان بلاش" الموجودة في عين المريسة وصيدا وجبيل وطرابلس وعلى امتداد المناطق الساحلية حيث لا وجود للرقابة ولا للمنقذين. هناك يقوم بعض "الهواة" بـ "الشك" عن ارتفاع ستة أقدام في مياه لا يزيد عمقها على مترين ما يعرضهم ويعرض غيرهم من السابحين في الأسفل الى حوادث خطيرة. والمؤسف، بحسب "اليازا"، أنهم يحمسّون المارّة من الفئة العمرية بين 13 و20 سنة.

ويجب الاحتياط أيضاً من الأماكن التي تكثر فيها حوادث الانزلاق مثل شاطئ البحر الصخري وضفاف النهر وحافة المسابح، بسبب وجود الماء أو الطحالب التي تنمو في الأماكن الرطبة. لذا على السابحين والمتنزهين انتعال أحذية مناسبة فور خروجهم من المياه، كما يفضل سحب المياه دورياً عند أطراف المسابح منعاً للسقوط وتراكم الأوساخ والأوبئة.

تيارات شرسة

تنتشر معلومات خاطئة بين الناس تفيد أن التيارات البحرية هي تيارات حلزونية، تدور بسرعة وتشدّ السابح نزولاً، والصحيح أن التيار يتكوّن نتيجة تجمّع المياه على الشاطئ بسبب الموج المتواصل الذي يعوق عودته الى البحر، فيحفر قناة في الماء ليخرج من الشاطئ، ما يشدّ السابحين معه بعيداً حيث يذهب وليس الى الأعماق كما هو شائع.

لذا، تنصح "اليازا" كل شخص يعلق فيه أن يتذكر أن التيار ليس حيواناً مفترساً ولا تنفع مقاومته، بل أن الأمر يستلزم السباحة بشكل مواز للشاطئ. وحسب الحلبي أن التيار لا يمتد الا على مسافة قصيرة من الشاطئ، داعياً العالق فيه الى عدم محاولة الخروج منه الا عندما تخفّ قوة اندفاعه. فالخطأ الذي يسبّب الغرق هو السباحة عكسه التي تنهك السابح وتؤدي به الى الهلع فتعلق حباله الصوتية بوضعية نصفية، فتبدأ مرحلة بلع المياه ويفقد قدرته على الصراخ وطلب النجدة.

وتشير الاحصاءات أيضاً الى أنه في 70 في المئة من الحالات التي يتوجه فيها منقذ لانتشال غريق من دون وسيلة انقاذ فانه لا يعود. لذا من المفيد استعمال خشبة أو حبل أو دولاب أو قطعة ثياب أو أي شيء من شأنه ترك مسافة بين الغريق والمنقذ، فلا يقوم أي احتكاك مباشر بالشخص المنوي انقاذه. لأن الغريق يكون قد بلغ مرحلة الشراسة وينتظر أي شيء ليطفو عليه، ولا يعي أن المنقذ هو انسان مثله لا يريد أن يغرق، فيستعمله لاإرادياً كطوق نجاة فيتمسك به بقوة ويشدّه نزولاً، ما يغرق المنقذ وينقذ الغريق في الكثير من الأحيان. وتنصح "اليازا" الناس الاتصال بقوى الأمن الدخلي أو بالفريق البحري للدفاع المدني أو الصليب الأحمر لدى مشاهدتهم الغريق، لأن الشخص العالق بالتيار لن يغرق اذا كان يعرف أن يطفو، بل يكتفي التيار بسحبه بعيداً عن الشاطئ في انتظار نجدة سريعة.

مضار الشمس

يجهل بعض الناس اختلاف ردود فعل الأجسام حين تتعرض لأشعة الشمس تبعاً للون الجلد. فالبشرة البيضاء تصاب بسعفة شمس خلال ربع ساعة، في حين أن البشرة السمراء لا تتأثر الا بعد مرور ساعات على تعرضها. وتحدث سعفة الشمس حين يفوق تعرض الشخص للشمس كمية الميلانين الموجودة داخل جلده، فيحمرّ الجلد وتزداد درجة حرارته. وتؤدي الظروف الجوية الحارة الى تقلصات حرارية تسبب آلاماً في عضلات البطن والذراعين والرجلين نتيجة فقدان كميات كبيرة من الصوديوم والكلورايد والماء بسبب التعرّق. بالاضافة الى احتمال الإصابة بضربة شمس جراء البقاء تحت درجة حرارة مرتفعة لوقت طويل في ساعات الذروة أي بين الساعة العاشرة ظهراً والثانية من بعد الظهر. وليس صحيحاً بأنه اذا كنا في "البيسين" نكون في منأى عن مضار الشمس، لأن أشعتها تصل الى عمق متر تحت الماء.

هبوط الحرارة المفاجئ

أحياناً يؤدي التعرّض للشمس لفترة طويلة الى ارتفاع حرارة الجسم، لذا يجب عدم النزول أو الغطس مباشرة في الماء الباردة بعد ذلك، لأنه يسبب هبوط حرارة الجسم بشكل حاد ومفاجئ، ما ينتج منه زيادة عدد دقات القلب أو فقدان الوعي، أو الموت. وتتمثل الوقاية من هذا الخطر في خفض حرارة الجسم تدريجاً قبل الغوص كلياً في الماء، ان بالجلوس لعدة دقائق في الفيء، وان في اعتماد طريقة النزول تدريجاً في الماء، مع محاولة تبريد الجزء غير المغمور من الجسد بسكب المياه بلطف عليه.

الغطس وتقنياته

يعتبر زياد الحلبي أن رياضة الغوص تحت الماء هي من أمتع الرياضات البحرية، لكنها خاضعة لقوانين وشروط تضمن السلامة العامة، ويجب على ممارس هذه الهواية أن يكون على معرفة تامة بها لئلا يعرض حياته للخطر. مضيفاً أن جسد الانسان ليس معدا للتنفس تحت الماء، لذلك يجد نفسه في محيط عدائي ويتعرض لمشاكل معقدة في حال لم يخضع للقوانين الفيزيائية والفيزيولوجية لعملية الغطس. وتتلخص أسباب الاصابة بمرض انخفاض الضغط بالصعود السريع للغواص، وانتقاله من الضغط العالي الى الضغط المنخفض من دون مراعاة مدة الغوص وعمق المياه ومبادئ الصعود، ما يؤدي الى تحوّل النيتروجين الموجود في جسمه فقاعات تسد شرايين الدم فتمنع وصوله الى الرئتين، مسببة صعوبة في التنفس واصابة الجهاز العصبي والأنسجة الغضروفية. ولمعالجة انخفاض الضغط، يمدّد المصاب على لوح خشبي مائل حوالى 45 درجة، على أن يكون رأسه نزولاً وقدماه صعوداً، منعاً لوصول الفقاقيع الهوائية الى الدماغ. كما يعطى الأوكسيجين النقي، اذا توفر وينقل الى أقرب مستشفى. وللوقاية، على الغواص اتباع الارشادات الآتية:

- عمق المياه.

- مدة بقائه في قعر البحر.

- الوقت الذي يحتاجه للصعود السليم.

- الخطوات الواجب اتباعها في حال اضطراره للصعود المفاجئ.

- عدم الغوص بمفرده.

المراكب والدراجات المائية

تتطلب قيادة المراكب والدراجات المائية، أماكن مفتوحة وشروطاً وقائية عدة والكثير من الحذر والدقة في اتباع الأنظمة تفادياً لحوادث الاصطدام، أكان بين الدراجات نفسها، أو الاصطدام بالصخور أو دهس الذين يسبحون في المنتجعات والشواطئ. لذا يجب أن تكون الدراجة المائية مطلية بألوان مميزة كي تسهل مشاهدتها، وأن يكون الراكب بلغ الثامنة عشرة من العمر، وارتداء سترة نجاة وخوذة واقية، ومنع استخدامها عند حلول الظلام وفي حالات تعذر الرؤية، وعدم الاقتراب من الشواطئ، والتنبّه الى خلو المنطقة من أي شخص يمارس الغوص أو السباحة، وخروج هذه الدراجات وعودتها من أماكن محددة لها تكون بعيدة عن الشاطئ.

----------------------------------------

نصائح هامة للأطفال وذويهم:

نصائح يفضل اتباعها من أجل تفادي الاضطرابات الناتجة من الشمس، ومخاطر البحر:

- شرب كمية كبيرة من السوائل كل ساعة، حتى في حال عدم الشعور بالظمأ.

- التمدّد في أماكن ظليلة كلما أمكن ذلك.

- عدم تناول سوائل تحتوي الكافيين أو السكر.

- تجنب الشمس في الفترة الممتدة من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر.

- استخدام نظارات شمس طبيّة CE واعتمار قبعات واسعة.

- وضع "كريم" واقي باستمرار.

- تفادي البروتينات في الأكل، التي تسبب زيادة الحرارة الأيضية للجسم.

- تجنّب تناول الطعام والسباحة فوراً بعد ذلك.

- السباحة في المنطقة المحددة للسابحين وفي خط مواز للشاطئ.

- عدم السباحة قرب الصخور، لكثرة التيارات البحرية حولها.

- البقاء بعيداً عن القوارب البخارية والدراجات المائية.

- اتباع الارشادات المكتوبة على الشاطئ لأنها وضعت لتأمين السلامة العامة.

- تفادي الخوف والتوتر والتقلص العصبي أثناء السباحة.

- عدم رمي الأطفال أو دفعهم في الماء وان على سبيل المزاح.

- عدم ترك الطفل وحده من دون شخص بالغ وان بوجود طاقم انقاذ.

- نهي الأولاد عن الركض حول أحواض السباحة تجنباً للانزلاق والارتطام.

- ابعاد الطفل عن الأماكن التي يقفز منها السابحون في الأحواض أو البحر تحاشياً للارتطام.

- تجنب اقتراب الأولاد من الأحواض المنزلية بمفردهم وخصوصاً اذا كانت فارغة.

تعليقات: