تعديل سنّ الحضانة عند الشيعة.. الباب موصد

 قدّمت «شبكة حقوق الأسرة» منذ أعوام مشروع قانون للحضانة قابلا للتطبيق لدى الطوائف كلها (مصطفى جمال الدين)
قدّمت «شبكة حقوق الأسرة» منذ أعوام مشروع قانون للحضانة قابلا للتطبيق لدى الطوائف كلها (مصطفى جمال الدين)


المحـاكـم الجعـفريـة تـعمـل وفـق مـعيـار واحـد

بعد أكثر من سنة على الحراك المدني الذي أنتج رفع سنّ الحضانة لدى الطائفة السنيّة من تسع سنوات للفتاة وسبع سنوات للصبي إلى اثني عشر عاماً لكل منهما، لفترة أطول لمصلحة الأم، بدأ يتكوّن حراك شبيه، بطلاته هذه المرّة نساء متضررات من أحكام المحاكم الشرعية الجعفرية، التي تحكم وفق ثلاثة معايير، أشهرها يعطيهن حقّ حضانة أبنائهنّ حتى سنّ السنتين وحضانة بناتهنّ حتى السبع سنوات. تحتفظ هؤلاء بأحكام قضائية مجحفة بحقّهن. قالت إحداهن انها خسرت حضانة ابنها لأنه ورث عنها حَوَلاً في العين. بينما تشير أخرى إلى أن قضيّة حضانتها ما زالت أمام القضاء وأن الوالد يجهد لانتزاع أولادها الثلاثة منها، على الرغم من أنها كانت المعيل الأساسي لهم. وقد أقفل باب البيت مانعاً لها من الدخول لأنها اختارت العمل، كونه غير قادر على تأمين أساسيات الحياة لهم. وتروي أخرى أن والد ابنها وافق على حضانتها لابنها إلى أجل غير محدّد، لكنها تعيش بخوف مستمر من أن يعود عن قراره بسبب الخلاف الذي ما زال محتدماً بينهما في شأن «مستحقات» الطلاق.

ولعلّ انتصار النساء لحقوقهن منوط بشرطين، الأول أن تقع دعوى الحضانة بيد قاض شرعي نزيه، أو أن تقبل المرأة، بما أسمته بعضهن: «أثماناً تطال من الشرف والكرامة، أقلّها دفع رشى مادية للفوز بفلذات أكبادهن». وهنّ بذلك يشرن إلى فساد «مستشرٍ»، كما يقلن، في المحاكم.

تقرّ المرجعيات الدينية المختصّة ببعض حالات الفساد «لأن القضاة الشيوخ بشر في آخر المطاف»، لكنّهم يرفضون أن يحكى أنه مستشرٍ في المحاكم وأن جميع القضاة هم مفسدون ومرتشون. حتى أن أحد القضاة في المحاكم الجعفرية أشار إلى حكم «حرم أب شيخ من حضانة أولاده الخمسة لأنه غير أهل لحضانتهم، وأعطـاها لأمـهم».

بغضّ النظر عن حجم الفساد في المحاكم الشرعية الجعفرية، يبدو أن رفع سنّ الحضانة عند الشيعة أمر صعب ومعقّد، وحتى الساعة الباب موصد في وجه أي محاولة للنقاش في رفعه.

وصحيح أن شعار المحاكم هو دائماً تقديم مصلحة الولد على مصلحة الوالدين، لكنّ الأحكام قلّما تتفلّت من المعايير الثلاثة التي يتبعها القضاة، وأشهرها السنتان للصبيّ والسبع سنوات للبنت.

السياسيون نأوا بأنفسهم

منذ أعوام قدّمت «شبكة حقوق الأسرة» مشروع قانون قابلا للتطبيق لدى الطوائف كلها، وفق رئيسة الشبكة المحامية إقبال دوغان. رفعت الطائفة الأرثوذكسية سنّ الحضانة إلى 14 سنة للصبي و15 للفتاة، ثم أقدم السنة على رفع السنّ إلى 12 سنة لكليهما بعد نضال استجاب له عدد من السياسيين قبل دار الفتوى. لكنّ الطائفة الشيعية تبقى عصيّة حتى الساعة. وتشير دوغان إلى أن الشبكة حاولت الوصول إلى المشرّعين فيها من باب السياسيين، لكنّها فشلت «فالرئيس نبيه برّي رفض مقابلتنا، بينما أحالنا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على اللجنة التشريعية الفقهية، ونجحنا في مقابلة رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية».

لم تسفر تلك المحاولات عن أي تقدّم لدى أي من المعنيين برفع سنّ الحضانة عند الشيعة. وتؤكد دوغان أن نضال المتزوجات لدى المحاكم الشرعية الجعفرية سيكون طويلاً، «علماً بأنه في إيران التي يقلّد بعض الشيعة مراجعها الدينية تمّ رفع سنّ الحضانة إلى سبع سنوات للصبي وتسع سنوات للبنت أضيفت إلى حقوق جديدة أقرّوها للمرأة».

رأي ديني... عكس السير

دقّت الناشطات لرفع سنّ الحضانة باب المفتي الجعفري أحمد طالب، شرحن له قضيّتهن، فأشار لهنّ إلى أن «موضوع حضانة المرأة يجب أن يبحث من خلال الأخذ بعين الاعتبار المصلحة المادية والمعنوية للطفل، بما لا يتعارض مع الشرع والدين. وأكّد أنه يدعم هذا الحق والمطلب، واعداً ببذل الجهد في سبيل تغيير هذه القوانين، وفق ما جاء في بيان صادر عن الناشطات. ولفتن إلى أن طالب «أبدى استنكاره الشديد لمعارضة بعض رجال الدين التابعين للطائفة الشيعية لمناقشة هذا الحق والمطلب، واستغرب هذا الجمود في الفتاوى عند الطائفة الشيعية. ما يطرح سؤالاً يفرض نفسه: هل فعلاً أقفل الشيعة باب الاجتهاد أم أن هناك إمكانية للقول بضرورة بحث المسائل الحياتية المهمة والنظر فيها ضمن الأصول والقواعد وليس خارجها؟»

يفسّر طالب لـ«السفير» أنه قبل أن يصار إلى تغيير سنّ الحضانة «يجب أن يتمّ إنشاء محاكم صلح ضمن المحاكم الجعفرية من أهل الاختصاص، دورها إصلاح الأمور بين الزوجين عندما تقع مشكلة. وبالتالي، لا تبنى أمور الطلاق على الثأر بل على حلول وسطية لا يدفع ثمنها الأولاد، ولا يكونون من ضمن البنود الكيدية بين الطرفين. وإنشاء مثل تلك المحاكم ضروري لأن القاضي في المحاكم الدينية لا يمارس دوره كرجل دين أو كمصلح، بل كرجل قانون ملزم بتطبيقه». يضيف طالب انه بعد الأخذ بعين الاعتبار العناوين الثانوية التي يمكن أن تكون لمصلحة الأولاد، تصدر أحكام مجحفة توافق على إرسال الأولاد إلى دور الرعاية لأن الوالد غير قادر على رعايتهم بدلا من البتّ بحضانتهم لمصلحة الأم. ويعطي طالب مثالاً على العناوين الثانوية أن تكون الأم مقتدرة والأب فقيراً، فحينها تكون المصلحة الحقيقية للولد أن ترعاه أمّه، تماماً كما لو كان الأب منحرفاً سلوكياً...

ويؤكد المفتي الجعفري أنه يوجد مرونة في الاجتهاد الشيعي لكن لا توجد جرأة كافية لدى المشرّع الأساسي لإعادة قوننة بعض الأحوال الشخصية للتخفيف من الظواهر غير السليمة. وبناء عليه، يشير إلى أنه يجب أن تبادر هيئة متخصصة معنية في موضوع التشريع إلى شرح تفاصيل الظروف المستجدة للمراجع الفقهية العليا، وتقديم مجموعة فرضيات يمكن من خلالها الخروج عن القانون إلى دراسة كل قضيّة على حدة لإيجاد المخارج التي تصبّ أولاً في مصلحة الأولاد.

-------------

-----------

فضل الله: سبع سنوات للفتــاة وللصــبي

يدعو السيّد علي فضل الله إلى توسعة دائرة الحضانة والأخذ بعين الاعتبار مصلحة الولد أولاً، «من هنا إذا كانت الأم أفضل لحضانة ابنها وتمّ تثبيت ذلك، نُقلت إليها الحضانة بغضّ النظر عن سنّه».

ويتبع فضل الله القول الذي يشير إلى السبع سنوات كسنّ للحضانة للفتاة كما للصبي، على أساس أنها سنوات الطفولة. ويرى أن المحاكم في غالبيتها تراعي اجتهاداً معيّناً، بينما يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاجتهادات الأخرى. ما زال هناك تنوّع في الاجتهاد فلا تبقى أحكامها محصورة ومقيّدة.

أما في ما يخصّ موضوع الفساد، فيؤكد فضل الله أن ما يحكى قد لا ينقل فعلاً صورة الحقيقة، لكنّ في المقابل «مهما كان خطأ المحكمة بسيطاً، فهو حتماً خطأ فادح لأنها صرح من صروح الدين التي تمثّل جوهره».

تعليقات: