عزّام عبدالله، أنقضى الأربعين ولم نستفق من صدمة الغياب

المرحوم المهندس عزّام حسين الحاج محمد عبدالله (أبو حسين)
المرحوم المهندس عزّام حسين الحاج محمد عبدالله (أبو حسين)


سرعان ما انقضى الأربعون يوما على فراقك القسري يا أبا حسين، فكان وقع الارتحال أشد قسوة من أن نستجمع تداعيات الأثر الجلل الذي نفض الأنفس من حولك آبان الرحيل.

عزام، غادرتنا على عجالة من أمرك من غير أن تلفظ كلمة وداعا لأهلك ومحبيك، اولئك المحبين الذين تجمهروا من كل حدب وصوب حولك سريرك الأبيض ومن دون أن تآبه لحشد مريديك، فكأنك تحثُ الخطى مسارع الوتيرة نحو قدرك المحتوم الذي ولجته بلا التفاتة لتلك الأفئدة المتشبثة بشح الأمل في تلكما الليلة الدهماء، فكانت تلك الأفئدة تلهج بالدعاء وتلج بالابتهال، رانية صوب الواحد القهار أن يسمح لنا بك.

عزام، حُبنا لك ليس تعلُق أهل بعزيز أو وصل صلة رحم بقريب، بل ثمرة أينعت من ديدن فضائل أخلاق تشبثت بها، فكانت نبراس حياتك في مشوار العمر الهزيل. ما عرفك أحد إلا وكنت له الأمثولة التي ينهل منها في التعبير عن كرم الأخلاق واستقامة الوسيلة وحسن المعشر، وصفاء الطوية. وما أقلها يا عزام عندما يستشهد أحد ما، بأقوالك في فصل الخطاب لأمر ما، فكان يكفي أن يُقال أن (عزام) قال كذا، أو كان (عزام) شاهداً على ذلك، لتكف الألسن عن الجدال، وتقف الوجوه مذهولة بتلك الحقيقة التي دُمغت بشهادتك الصارمة من غير مواربة أو مداهنة. فكنت بشهادة البعيد قبل القريب، والقاصي قبل الداني، لا تأخذك بنطق الحقيقة المجردة، لومة لائم او عصب قريب، اومنزلة وجيه.

عزام، ماذا نزيد ونقول في زحمة غيابك، هل نستذكر مواكبتك للعلم وتشبثك بالتعليم منذ نعومة الأظافر، الى أن قطفت شهادتك من الجامعة الأميركية في بيروت في الهندسة المدنية في مطلع السبعينات من القرن المنصرم، فكنت طليع دورتك تلك، والذي أعادت الجامعة تكريمك من أجله في حفل مهيب حضره المرحوم والدك، وذلك في الذكرى الخمسة والعشرين لتخرجك المتفوق، كما ولم تتوان في جهادك من أجل العلم والتعلم لدى مواكبتهما مع فلذات كبدك الى أن زفرت بالرمق الخير.

عزام عبدالله، حتى في وقت لهوك وفراغك لم تنجر الى العدم، فما زال رفاقك في مقاعد الجامعة، يذكرون لك تفوقك عليهم جميعا في ممارسة الشطرنج، حتى تتويجك فائزا بالمركز الأول في بطولة لبنان الخاصة بالجامعات اللبنانية وذلك في مطلع ولوّجك للحياة الجامعية في عام (1970)، وما زالت صحف لبنان نستذكرها في كل مناسبة.

عزام، من عساه أن يذكرك في ظلمة الغياب هذا، هل تذكرك المنازل البهية التي اشرفت على تشييدها في بلدتك الخيام، لقد تمثل حبك للخيام في عزمك المتفاني على إخراج تلك الدور بحللها الزاهية المتلألأة سواء على روابي الخيام المترامية أو في مرجها الفسيح الغنّاء، وليس أقلها واسطة العقد، تلك الدرة المعمارية التي اشرفت على بنائها في مرتع مرج الخيام، وهي دارة ابن خالك (الدكتور/ كامل ممدوح العبدالله).

أن محبتك للخيام حب دفين في كينونة نفسك الطاهرة، فكيف لا وأنت حفيد الحاج محمد الحاج حسين عبدالله (1892 - 1971) والذي كان المؤسس الباعث لبلدية الخيام في عام (1928) فتبوء رئاستها من عام (1928) الى عام (1931). (1)

بل وأيضا، يا عزام، ستذكرك تلك الأبراج الشاهقة في جزيرة أبوظبي والتي سقيتها بالدم قبل العرق من جهدك وتعبك وسهرك عليها، حتى غدت تلك الأبراج العمرانية أيقونات تزين نهضة أبوظبي العمرانية، وذلك خلال ما يدنوا من أربعين عام قضيتها بين قيافي الخليج العربي.

ابن عمنا الغالي - عزام، كما دائما يقال، الموت حق علينا، ولكن .... فراقك مرير، ولن نجافي الحقيقة عندما نقول ان ذلك الفراق من الاستحالة أن يُنسى، أو تدركه غفلة الزمان فيُمحى.

..

* أحمد مالك عبدالله

سجل التعازي بالمرحوم المهندس عزّام حسين الحاج محمد عبدالله (أبو حسين)

تعليقات: