الحكمة أيّها اللبنانيون!..


.. يبدو أنّ المسؤولين اللبنانيين ليسوا على علم بما يجري على أرض الواقع من اصطفافات مذهبية يقودها التحريض ويزكي أوارها الخطاب الحاد الذي يعتمد التكفير والتخوين أسلوباً في التعاطي وطريقاً في الحوار، وربما كان المسؤولون على علم بما يجري وهو الأصح، ولكن لحسابات تفوق خراب الشارع ودمار الوطن أهمية تراهم في منأى عن دائرة الأحداث، وهم - كان الله في عونهم - منشغلون في هذه الأيام العصيبة بفبركة قانون انتخابي عسير الولادة يضمن لهم حصصهم ويحجز لهم مقاعدهم الأثيرة تحت سقف برلمان أشلّ أشبه ما يكون بقبّة فوق ضريح دولة مرحومة، كان لهم من بعدها طول البقاء!..

إنّ ما يجري على الساحة اللبنانية له عميق الارتباط بالأحداث المأساوية في سورية إن لم نقل إنّه نتيجة لها إلى حدّ ما، ذلك أنّ اختلاف الموقف السياسيّ اللبنانيّ حيال الواقع السوريّ أدّى إلى انقسام حادّ في البنية الجغرافيّة والديموغرافيّة اللبنانيّة، والمؤسف أنّ هذا الانقسام اتّخذ لبوساً دينياً ومذهبياً شديد الخطورة بالنسبة لبلد لا يجهل أحد طبيعة تنوّعه الطائفيّ والمذهبيّ.

أمام هذا الانقسام تُطرح أسئلة عدّة لعلّ أبرزها: هل سيقف الشحن المذهبي عند حدّ؟ أم أنه سيكون عنوان المعركة القادمة التي لن تبقي ولن تذر والتي ستعيد لبنان هذا البلد الصغير الجريح إلى أسوأ مما كان عليه أيام الحرب الأهلية ؟!

هل سيدرك أولياء الأمر من مسؤولين رسميّين وحزبيّين ورجال دين ما يتوجب عليهم فعله في هذه المرحلة الشديدة الخطورة؟!

هل سيتنبّه هؤلاء ومعهم كلّ الوعاة والغيارى أنّ المشكلة أكبر بكثير مما يُتصور وأنّها تهدّد كيانيّة لبنان ووجوده؟ وأنّ درء الفتنة القادمة وتجنّب المحذور المرتقب لا يكون باستحضار ملفات خلافيّة كالزواج المدنيّ وغيره مما لا أثر له في تكوين الحصانة المنيعة التي تحمي السلم الاهلي في لبنان، وحبذا لو كنا في هذه المرحلة التي تعلو فيها أصوات النشاز قادرين بالزواج المختلط وغيره أن نحمي بلدنا وأنفسنا من الشّر المستطير ..

المسؤولية اليوم تقع على عاتق اللبنانيين جميعاً من عاش منهم ويلات الحرب, ومن قرأ عنها في الكتب. الجميع مسؤولون ومطالبون بالتسلّح بالحكمة والوعي، لأن ما يُرسم للمنطقة من سيناريوهات أبعد بكثير من الانفعالات والشعارات التي نتواجه بها ونختصم على أساسها. اللبنانيون ومسؤوليهم معنيون اليوم بالالتفات إلى وحدتهم وتضامنهم، وإلى العمل على بناء الدولة القادرة التي تضمن لأبنائها الحياة الكريمة اللائقة !..

..

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

تعليقات: