خطّة اقتحام جبل محسن

ردّ الجيش ورسائل الجبل أوقفت الهجوم السلفي (أرشيف)
ردّ الجيش ورسائل الجبل أوقفت الهجوم السلفي (أرشيف)


ليلة اقتحام جبل محسن: خروج المارد السلفي من القمقم

ليل الخميس ــ الجمعة (6-7/12/2012)، كانت القوى السلفية الطرابلسية على موعد مع «قرار كبير» باقتحام منطقة جبل محسن. الهجوم الذي بدأ بالفعل وتوقف بعد تدخّل حاسم للجيش ورسائل عسكرية من الجبل، كشف عن الحجم الكبير والمنظم لهذه القوى وأتاح التعرف الى ما تملكه من أعتدة وعديد

ناصر شرارة

ما حدث ليل 6-7/12/2012 في طرابلس خلال خلال جولة العنف الاخيرة يصح وصفه، بحسب مصادر مطلعة، بـ «ليلة خروج المارد السلفي من قمقمه»، ليميط اللثام بالكامل عن بنيانه العسكري والامني. وهو ما جرى تعمّد طمسه، بقرار داخلي وإقليمي، وإبقائه خارج التداول السياسي، لمصلحة استمرار التركيز على «خطر» سلاح المقاومة.

تفاصيل احداث تلك الليلة، انطوت على نوعين من المؤشرات الخطرة، تجلّى الاول في وجود قرار لدى السلفيين باقتحام جبل محسن وقتل زعيم الحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد او جلبه مخفوراً، ويتعلق الثاني بالحجم الكبير والمنظم لقوة البنيان العسكري السلفي في طرابلس الذي استدعت مهمة اقتحام جبل محسن خروجه من تحت الارض، ما أتاح التعرف الى حجمه الحقيقي والى ما يملك من أعتدة وعديد. علما ان النقاش لم ينته الى توافق بالاجماع على فكرة الاقتحام. اذ عبر قادة سلفيون عن الخشية من ان تكون معركة استنزاف ولمصلحة جهات امنية وحزبية.

وتقول المصادر إن قرار اقتحام جبل محسن وإنهاء «حالة» رفعت عيد كان يمكن، فيما لو أصاب حظا من النجاح، ان يخلّف نتائج خطرة تدخل منطقة المشرق كلها، من لبنان مروراً بسوريا حتى تركيا، في مرحلة جديدة من تصاعد حدة العنف الطائفي والمذهبي على نحو غير مسبوق.

على مستوى الدولة اللبنانية، كان ولا يزال، بحسب المصادر نفسها، تحسب لمنع حدوث سيناريو اقتحام جبل محسن تحت اي ظرف وباستخدام اية وسيلة ردع، إذ إن لبنان لن يكون قادراً على تحمل مسؤولية ادخال المنطقة في عنق زجاجة ازمة ذات تفاعلات سلبية على امن الاقليم ككل. وقد شدّد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اكثر من مرة، على القيادة العسكرية والامنية بضرورة منع اقتحام الجبل منبّهاً من التبعات الخارجية الخطرة لذلك. وتلفت المصادر الى أن مسؤولاً غربياً كبيراً أبلغ شخصية لبنانية ان التقدير الدولي لنجاح الجيش في حماية جبل محسن ومنع ذبح الأقلية العلوية فيه، يساوي التقدير الإيجابي الذي حصدته المؤسسة العسكرية بعد نجاحها عام ٢٠٠٨ في انهاء حالة «فتح الاسلام» في مخيم نهر البارد.

ماذا حصل في ليلة «الرعب السلفي» تلك؟

مصادر مواكبة لأحداث تلك الليلة وصفتها بأنها كانت ليلة القوى السلفية بامتياز، إذ خرجت مجموعاتها من مخابئها لتنفذ مهمة اقتحام جبل محسن عبر هجوم شامل تركز على خمسة محاور: محور شارع سوريا ــــ ستار كو، محور حارة البرانية، محور البقار، محور الشعراني، ومحور المنكوبين. وأضافت أن التحضير للهجوم بدأ بتظاهرة سلفية مسلحة مساء تلك الليلة، كان هدفها رفع الروح المعنوية وحسم «الإمرة الشرعية» في قيادة «معركة الحسم». فقد تجمع، بالقرب من محل حلويات القناعة في باب التبانة، مقاتلون من مختلف المجموعات السلفية في المدينة، وعمدوا الى اطلاق صيحات «التكبير»، ثم جرى التداول بامر اعلان البيعة للشيخ حسام عبد الله الصباغ الملقب بـ «ابو الحسن»، أميراً على كافة المجموعات المقاتلة.

بعيد ذلك، بدأت اولى ارهاصات الهجوم باطلاق نار وقصف صاروخي ضد جبل محسن لإرباك مقاتليه وضعضعة روحهم المعنوية. ونفذت مناورة النار هذه ثلاث مجموعات، يرأس إحداها مصري يدعى سعد م. م.، ويرأس المجموعتين الأخريين سلفيان لبنانيان يعرف أحدهما بـ «عامر أريش» والثاني بـ «زياد علوكة». وقد نجحت عملية التمهيد هذه، إلى حدّ معيّن، في إرباك مجموعات الحزب العربي الديموقراطي، ما دفع مجموعة متقدمة من القوى السلفية الى محاولة اقتحام ساحة الاميركان في جبل محسن عبر محور الشعراني ــــ البقار. لكن الجيش اللبناني الذي أدرك خطورة القرار السلفي، تصدى بعنف للمجموعة المهاجمة وأوقع في صفوفها اربعة جرحى. وتلى ذلك إرسال الحزب العربي الديموقراطي «رسالة تحذير» عنيفة الى السلفيين والقوى السياسية في طرابلس، مفادها انه اذا كان هناك قرار باستباحة جبل محسن، فإن الردّ سيكون بـ «حرق طرابلس». وبالفعل، ترجمت هذه الرسالة بقصف على المدينة غير مسبوق لجهة عنفه وشموليته، إذ طاول معظم احياء طرابلس.

ويشير تحليل امني للوقائع العسكرية في تلك الليلة الى ان الهجوم السلفي على جبل محسن، والذي استمر من الواحدة ليلا حتى الرابعة فجرا، سبقته تحضيرات سياسية وعسكرية داخل البيئة السلفية وامتداداتها في سوريا، أسفرت عن النتائج الآتية:

اولاً، في ما يتعلق بالمساعي التي بذلت لتوفير اجماع سلفي في طرابلس على خطة اقتحام جبل محسن واعتقال عيد أو قتله، عمد الشيخ الصباغ الى الاتصال بمختلف المجموعات المسلحة في طرابلس لانشاء تحالف عسكري بينها تحت عنوانين اثنين: أولهما العداء للنظام السوري واعتبار جبل محسن امتدادا له والتعامل معه عسكريا على هذا الاساس، والثأر لتجربة «فتح الاسلام» التي حاولت انشاء امارة اسلامية في بعض احياء طرابلس ومخيم نهر البارد عام ٢٠٠٧، وخلق واقع امني وسياسي في طرابلس يقوده التحالف السلفي ويرغم المرجعيات السياسية في المدينة على التعامل معه كأمر واقع. والعنوان الثاني، هو اعلان فرع جديد لـ«جبهة النصرة» السورية في لبنان.

وقد حصل نقاش بين مجموعات معنية ولا سيما بين الصباغ والشيخ سالم الرافعي لخطة اقتحام جبل محسن، بما في ذلك اقتراحات لحصار المنطقة اقتصادياً لجعلها تنهار من الداخل. وكاد الخلاف أن يتطور الى مواجهة، لولا نصيحة للصباغ أقنعته بممارسة سياسة عزل على الرافعي تؤدي الى إخراجه من المعادلة السلفية في طرابلس من دون إراقة دماء. وقد لوحظ ان كثيرين من شيوخ السلفية في طرابلس انحازوا الى الصباغ، أبرزهم الشيخ بلال ب. الذي شارك في محاولة اقتحام جبل محسن بثلاث مجموعات، وقتل نائبه ي. ع. على محور المنكوبين.

ثانياً، على مستوى البنية العسكرية، سجّل في تلك الليلة الظهور الأول لكتيبة «القوة الضاربة» التي يقودها الصباغ شخصياً، وتضم ٣٠٠ مسلح من الضنية وعكار وطرابلس وعناصر سورية ومصرية، ويرتدي مقاتلوها بزات سوداء موحدة. ونسج الصباغ لهذه القوة تحالفات عسكرية مع مجموعات منتشرة في مختلف احياء طرابلس، ابرزها مجموعة احمد س. م. في أسواق طرابلس الداخلية، ومجموعتا شادي م. وسمير م. (يحمل جنسية استرالية) في القبة، ومجموعة علي ص. في الميناء، ومجموعة عامر أ. في البداوي، ومجموعة باسم ض. في المنكوبين، ومجموعة زياد ع. في الحارة البرانية، ومجموعة البقار التي يقودها شخص ملقب بـ«حبيبو»، ومجموعة الشعراني السلفية، ومجموعة سعد م. في شارع سوريا وهي الأبرز من بين كل المجموعات السلفية المسلحة. وتجدر الاشارة الى ان قسماً كبيراً من هذه المجموعات منخرط في مشروع توحدها لمصلحة انشاء فرع لـ«جبهة النصرة» السورية في لبنان.

أمن جبل محسن من أمن طرابلس

يضحك أحد المسؤولين الميدانيين في جبل محسن، ساخراً ممن «يهوّلون باقتحام الجبل، وكأنه لقمة سائغة، أو كأنهم قادرون على ذلك». ويضيف: «لا مشكلة لدينا في أن يظهر الطرف الآخر عضلاته، ولكن ما يعنينا أن هذا الطرف، ومعه كل المسؤولين في الدولة، يعرفون لماذا حصل وقف لإطلاق النار بعد تلك الليلة الحامية... لقد كان ردّنا عنيفاً، في الميدان، قبل الحديث عن إطلاق النار على أحياء طرابلس البعيدة». ويلفت المصدر إلى أن «ثمة تضخيماً في مسألة قصفنا لأحياء طرابلس، فالأمر اقتصر على بعض قذائف الآر بي جي، ولم نستعمل الهاون كما فعل الآخرون، وهذه كانت إحدى رسائلنا وليست كلها». مسؤول ميداني آخر يؤكد أن محاولة الهجوم، أو الاقتحام، حصلت فعلاً، ولكن «اصطدموا بكمّ هائل من نيراننا على محور الأميركان ــــ البقار، ومن جهة مشروع الحريري أيضاً، إلى أن رأيناهم ينسحبون من أمامنا، وكان باستطاعتنا، لو توافر لنا القرار القيادي، أن ندخل إلى عقر دارهم». يُذكر أن المقاتلين في الجبل استخدموا في جولة العنف الأخيرة كميات كبيرة من قذائف الـ«بي 10» المدمرة للدروع والدشم، وهذه «كان لها أثر بالغ في سير المواجهة».

من جهته، يؤكد أحد المسؤولين في الجبل، ممن يعملون في الشقّين السياسي والعسكري معاً، أن «فكرة اقتحام الجبل هي مجرد أحلام، ولا نقول هذا من منطلق عرض عضلات، بل نثق، وهم يعرفون أيضاً، بقدرتنا على صدّهم بمجرد تحركهم... فقط في حال وجود طائرات لديهم يمكنهم الدخول إلى الجبل، وفي غير هذه الحالة فإنهم يحلمون». ويختم المسؤول حديثه قائلاً: «لقد فرضنا معادلة أن أمن جبل محسن ليس من أمن باب التبانة فقط، بل أصبح من أمن طرابلس بل منطقة الشمال كلها، والمعنيون من الطرف الآخر يعرفون هذا جيداً».

من مشاهد الاشتباكات الأخيرة في باب التبانة (ارشيف ــ عادل كروم)
من مشاهد الاشتباكات الأخيرة في باب التبانة (ارشيف ــ عادل كروم)


تعليقات: