الميلاد يحوّل مرجعيون إلى استديو تصوير

ينتظر أبناء القرى المجاورة الميلاد ليستمتعوا بالزينة (حسن بحسون)
ينتظر أبناء القرى المجاورة الميلاد ليستمتعوا بالزينة (حسن بحسون)


لا تخلو قرية مسيحية في لبنان من شجرة الميلاد وزينتها الجميلة التي تدخلها في أجواء العيد. أجواء تعيد أبناء القرى إليها لتمضية سهرة الميلاد فيها قبل أن يغادروها مجدداً إلى بيروت كما هي الحال في مرجعيون

تغرق معظم القرى الحدودية جنوباً في الظلام، ما يسمح برؤية الأضواء المتلألئة الآتية من جهة مدينة مرجعيون من بعيد. كالمنارة، تقودك المدينة إليها عبر زينتها التي لا تتضح ألوانها إلا لدى الاقتراب منها، من خضراء إلى حمراء وفيروزية. ترسم هذه الأضواء الطريق شمالاً، من تل النحاس في كفركلا إلى برج الملوك ثم القليعة. البلدتان ازدانتا بزينة عيد الميلاد، فافترشت ساحاتهما الشجرات المزيّنة والمضاءة. ومع الاقتراب من أوتوستراد جديدة مرجعيون تتكاثر الزينة. تعتلي الغزلان الأعمدة المتراصة واحداً تلو آخر، فتشكل كتلة متوهجة من الضوء في محيط مظلم.

في ساحة مايكل دبغي في جديدة مرجعيون، تخطف المباني المحيطة الأنظار بأضواء تتدلى من شرفاتها ونوافذها، مبدّلة ألوانها في كل ثانية. وفي زاوية جانبية، يقف شاب بوضعيات مختلفة أمام عدسة كاميرا صديقه. يتخذ كخلفية للصورة، قطعة أرض صغيرة غير مستثمرة. لكنها مزروعة بأضواء ضخمة موجهة إلى صف من الأشجار العارية، تمنحها اللون الأخضر الربيعي. في المقابل، يتفنن رجل بالتقاط صور متعددة الخلفيات لأطفاله الثلاثة وزوجته في الساحة. مرة يتسلقون صخرة ضخمة منحوتة بطريقة فنية تتوسط بركة مياه، وثانية يجلسون على بساط العشب الأخضر بين أحواض شتول الميلاد الحمراء والغزلان. ثم يقفون أمام شجرة ترتفع أكثر من خمسة عشر متراً، مزينة بإضاءة كريستالية اللون. يلفت الوالد نظرنا إلى أنه ليس مسيحياً ويقيم في إحدى قرى حاصبيا. مع ذلك، فإنه يعد أسرته سنوياً بنزهة إلى ساحة مرجعيون للتفرّج على زينة الميلاد والتقاط الصور أمامها. يتوالى وصول زوار الساحة من خارج المنطقة، برغم تدني درجات الحرارة في تلك المنطقة المرتفعة. يتناوبون على التقاط الصور هنا وهناك. يشيرون إلى أنهم ينتظرون موسم عيد الميلاد من عام إلى آخر، ليستمتعوا بالزينة التي تخصّصها بلدية جديدة مرجعيون في هذه المناسبة. وهم لا يجدونها أقل شأناً وميزة من زينة الميلاد التي ترفع في وسط بيروت وغيرها من المناطق السياحية في لبنان.

استقطاب مرجعيون لأهالي القرى المجاورة يرضيها، لكنه ليس الهدف الأساسي من الزينة. يقول نائب رئيس البلدية ساري غلمية لـ«الأخبار» إن البلدية تتعامل مع مناسبة عيد الميلاد كفرصة لاستقطاب أبناء البلدة المقيمين خارجها لا سيما في بيروت، والمهاجرين إلى بلاد الاغتراب. فالمدينة العريقة ذات الإرث الثقافي، تتحول إلى مدينة فارغة في موسم الشتاء. فتحصي أقل من ألف شخص هذه الايام، في حين يرتفع العدد إلى أكثر من 2200 شخص خلال عطلة الصيف. من هنا، تتمسك البلدية وفعالياتها المقيمة بعيد الميلاد لتعيد أبناءها إليها، حيث يمضون هذه السهرة الخاصة في مسقط رأسهم. لا يقتصر الأمر على الزينة، بل تعدّ البلدية برنامجاً ترفيهياً لا يقلّ في مستواه عن المتوافر في المدن. من الزينة التي تكلف آلاف الدولارات يقدمها رئيس البلدية أمل الحوراني من جيبه الخاص،ــ إلى الاحتفال الميلادي السنوي الذي يخصصه الأخير لأطفال البلدة ويوزع عليهم الهدايا. وبين هذا وذاك، تشرع المقاهي والمطاعم أبوابها لتستفيد من حضور أبناء مرجعيون لتمضية عطلة الأعياد.

وإذا كان بابا نويل جديدة مرجعيون يهديها عودة أبنائها في الميلاد، فماذا عن باقي أشهر الشتاء؟ يقرّ غلمية بعجز البلدية عن تأمين استقرار دائم لأبناء البلدة المرتبطين بالاغتراب أو المدن بسبب ضيق فرص العيش في المناطق الريفية. ويشير إلى أن كل شاب أو فتاة، يتمّان الثامنة عشرة من عمرهما، يصبحان مشروعاً خاسراً للبلدة لأنهما يعدّان العدّة للرحيل. إذ يضطر غالبية الشاب للانتقال إلى المدن لاستكمال تحصيلهم علمهم العالي في الجامعات غير المتوافرة في المنطقة. والإجازة التي يحصلون عليها تتبعها فرصة عمل لائقة ليست في مسقط رأسهم.

مع ذلك، تفرد البلدية لائحة طويلة من الأفكار لاستقطاب أبنائها والجيران في كل أوقات السنة. من استحداث أكشاك على طول الأوتوستراد يلبي حاجات المتنزهين إلى إنشاء محطة ثابتة دورية لسوق الطيب للمنتجات الغذائية التراثية توفر فرصة لأبناء البلدة لعرض منتجاتهم.. فضلاً عن مهرجانها السنوي الفني في شهر آب من كل عام.

تعليقات: