سعيد وناتاليا والطائفية ثالثهما؟

نفت خوري أن يكون لقرارها أي خلفيّة طائفيّة (مروان طحطح)
نفت خوري أن يكون لقرارها أي خلفيّة طائفيّة (مروان طحطح)


سعيد طانيوس متزوّج منذ ست سنوات، ولديه طفلان. مع ذلك هو لم ينجح بعد في تسجيل زواجه لدى الدولة اللبنانية! هل هو القانون، أم النفس اللبناني الطائفي ما يمنع تسجيل زواجه، وإعطاء «الشرعيّة الرسميّة» لولديه؟

منذ بضعة أيام نقلت سكرتيرة المديرة العامة للأحوال الشخصية الخبر إلى سعيد طانيوس. لن يستطيع تسجيل زواجه في لبنان.

بعد ثلاثة أشهر من إرسال الأخير وثائق بالبريد وأخرى باليد، وبعد شهر ونصف الشهر من التحقيق في الأمن العام، لينال بعدها موافقة الدولة على زواجه، نقلت السكرتيرة إليه الخبر اليقين: لم يحظَ بالموافقة لتسجيل زواجه لدى الدولة اللبنانية! لماذا بعد ست سنوات من زواج أثمر طفلين، لم يحظَ الرجل اللبناني بعد بنعمة تسجيل هذا الزواج في لبنان، رغم أنّ زواجه شرعي وتمّ وفق الأصول؟ يعيش طانيوس بسبب هذا القرار ما يسمّيه «الكارثة العائليّة»، بما أن الأمر يجعل من طفليه «غير شرعيين». بدأت قصته عندما التقى بناتاليا في موسكو منذ سنوات، واتخذا قرار الزواج. إلّا أن شيئاً كان في زواج طانيوس لم يجعله عادياً ومشابهاً لزواج أي لبناني من روسيّة.

إذ شاء القدر أن تكون ناتاليا، زوجة طانيوس المنتمي إلى مذهب الروم الأرثوذكس، روسيّة شيعية. ناتاليا من جمهورية تتارستان، وهي إحدى الجمهوريات الروسيّة الاتحادية. بالنسبة إلى طانيوس لم يعنِ هذا الأمر شيئاً. لجأ إلى تغيير مذهبه إلى المذهب الشيعي كي يمنح ناتاليا الزواج الديني الذي كانت تريده.

المحامي الذي أبعدته سنوات الهجرة عن الوطن، عاد متفائلاً في نهاية حزيران 2006 إلى بيروت ليتمّم زواجه. عقد قرانه على زوجته في المحكمة الجعفريّة في الغبيري، ودهمه القدر، بعد أيام قليلة، عندما كان في طريقه إلى الجنوب في اليوم الأول من حرب تموز 2006. إذ أدّى سقوط صاروخ إلى جانب سيارته إلى تدهورها وإصابته في رقبته وفقدانه إحدى عينيه. اضطر عندها طانيوس وزوجته إلى مغادرة البلاد مع الرعايا الروس للعلاج، قبل أن يسجّل زواجه في دوائر الأحوال الشخصيّة، خاصة أنه كان مهدداً بفقدان بصره كلياً.

بعد رحلة طويلة مع العلاج، قرّر طانيوس منذ أشهر قليلة العودة إلى بيروت لتسجيل زواجه لدى الدولة اللبنانية ليستطيع بعدها تسجيله في موسكو حيث يعيش، لأن «الدولة الروسية لا تعترف بالزواج الديني» يقول طانيوس. ويضيف إنّ الدولة الروسية تنظر إلى طفليه أنهما نتيجة «علاقة حرّة»، وبالتالي لا يستطيع أن يسجّلهما على خانته بل هما يحملان اسم عائلة والدتهما.

عندما قدما إلى لبنان، اعتقد كلّ من طانيوس وناتاليا أنّهما سيتركان عملهما في روسيا لشهر تقريباً، ريثما يسجّلان زواجهما ويعودان إلى حياتهما من بعدها. إلاّ أنّ الموضوع لم يكن بهذه االسهولة. بما أنّ ناتاليا أجنبيّة كان على طانيوس أن يمرّ بالأمن العام أولاً. بعد أكثر من شهر من التحقيق، اكتشف طانيوس أنّ موضوع بحث الأمن العام كان التأكّد من أن زوجته التي تدير مكتباً للهندسة في موسكو، ليست «فنانة». يقول طانيوس إنّه شعر بالإهانة، ليس من شكّهم بأنّ زوجته «فنانة»، بل من تدخّل الأمن العام في حياته الخاصة بهذا الشكل وعدم احترامهم لها. ما زاد الطين بلّة، إنهم بعد شهر ونصف من التحقيق، سلّموه ورقة كتب عليها: «إنّ الأمن العام لا يمانع من زواج اللبناني فلان من الروسية فلانة!»

كل هذا حصل قبل الوصول إلى مصلحة الأحوال الشخصيّة، حيث سيكتشف طانيوس حقيقة التعقيدات التي تنتظره. فبعد الأمن العام، كان عليه أن يتعرّف إلى المديرة العامة للأحوال الشخصية سوزان خوري، أو بالأحرى إلى سكرتيرة خوري. فعندما اتصل طانيوس ليقابل السيدة خوري قيل له إنّها «في شهر العسل». يمكن لخوري أن تعيش العسل فليس هناك من يحاسبها على خياراتها أو يمنع تسجيل زواجها. لكن بعد عودة خوري، وما أن وصلها موضوع تغيير طانيوس لطائفته رفضت استقباله، بحسب طانيوس، وأحالته عند سكرتيرتها التي أعربت عن استهجانها من تغيير المذهب الذي قام به طانيوس، مصحوباً بأبشع العبارات الطائفيّة. ويضيف طانيوس إنّ السكرتيرة طلبت منه صراحة تطليق زوجته ليعود ويتزوجها على المذهب الأرثوذكسي كي يسجّلوا زواجه!

بعد ثلاثة أشهر، لم يستطع طانيوس تسجيل زواجه. ففي آخر زيارة له لسكرتيرة خوري أقرّت له الأخيرة بأنّه لم تجر الموافقة على تسجيل زواجه. طانيوس مقتنع أنّ السبب خلف هذا الرفض طائفي. ويضيف إنّ خوري علّلت رفض تسجيل الزواج بالعودة إلى قانون للمندوب الفرنسي العام 1926، يقضي أن يتمّ تسجيل تغيير المذهب فور حصوله. ويضيف: «رغم أنّ هذا القرار صادر عن سلطة منتدبة وهناك جدال حول قانونيته، تعرف السيدة خوري أنّ إصابتي والحرب، وهي سبب قاهر، منعاني من تسجيل هذا التغيير في الوقت المناسب».

في اتصال أجرته «الأخبار» مع خوري، نفت أن يكون لقرارها أي خلفيّة طائفيّة، وأكّدت أنّها اعتمدت في قرارها على قانون «قيد وثائق الأحوال الشخصية» الصادر عام 1951، وأضافت أنّه وفقاً لهذا القانون يجب أن يتمّ الزواج بعد تاريخ تنفيذ تغيير المذهب على السجّل. حتى حالة طانيوس الصحيّة في ذاك الوقت، والحرب، ليسا سببين كافيين بالنسبة إلى خوري لتأخير التسجيل، إذ «لا استثناء في القانون» تقول.

كلّ ما يهمّ طانيوس في هذه القضيّة، هو منح طفليه صفة شرعية في هذا الزواج. ويضعه رفض الدولة تسجيل زواجه أمام خيارين. إمّا أن يقدّم «عريضة ربط نزاع» بحسب طانيوس، يطالب فيها خوري بالتراجع عن قرارها، وإمّا أن يطلّق زوجته ليعود ويتزوّجها بشكل مدني كي يسجّل الزواج من بعدها في روسيا. لكن طانيوس لا يحبّذ الحلّ الأخير بما أنه سيظهر أنّ طفليه ولدا قبل زواجه.

تعليقات: