فرصة ذهبية فائتة: صادرات الصناعات الغذائية تراجعت 12% رغم ركود المعامل السورية

الركود يطرق الأبواب ويخنق النمو (مروان طحطح)
الركود يطرق الأبواب ويخنق النمو (مروان طحطح)


ارتفاع كلفة الإنتاج منع الصناعات الغذائية المحلية من زيادة تصديرها إلى الأسواق الخارجية حيث كان المصنّع السوري يمثّل عنصر المنافسة الأساسي هناك. الفراغ الذي تركه زاد الحصّة السوقية أمام المنتجين بنسبة 20%. هذه فرصة ذهبية فائتة

لم يتمكن قطاع الصناعات الغذائية اللبنانية من زيادة حصص تصديرها خلال السنة الجارية رغم أن الظروف كانت تسمح له بذلك. فالمنتجات السورية التي كانت تمثّل المنافس الأساس للمصانع المحلية في الأسواق الخارجية باتت خارج دورة الإنتاج، أي إنها ألغيت عن خريطة المنافسة بفعل ما يحصل من اضطرابات أمنية عسكرية هناك. إنها فرصة فائتة لم يستعد لبنان لقطف ثمارها، ما أتاح الفرصة لقطاعات منافسة في الأردن وتركيا وبعض دول الخليج لتعبئة الفراغ الذي تركه المنتج السوري في كل العالم.

يعتقد عضو جمعية الصناعات الغذائية منير البساط أن الحصّة السوقية المتاحة أمام سوق المنتجات الغذائية المصنعة زادت بما لا يقلّ عن 20%. هذا يعني أنه كانت أمام المنتجين اللبنانيين فرصة كبيرة لزيادة صادراتهم بقيمة كبيرة جداً، لكن هذا الأمر لم يحصل. فبحسب رئيس جمعية الصناعات الغذائية جورج نصراوي، باتت أوضاع القطاع وصادراته متردية كثيراً خلال الفترة الأخيرة، إذ تراجعت قيمة المنتجات المصدرة من القطاع بنحو 11% مقارنة بما كانت عليه في الفترة نفسها من السنة الماضية «رغم أنه كان يجب أن نستفيد من إغلاق المعامل في سوريا التي لم يعد يمكنها أن تنتج في ظل الأوضاع الجارية هناك حالياً». غير أن ما حصل هو أن الزبائن الذين كانوا يقصدون السوق السورية للحصول على حاجاتهم، باتوا اليوم يذهبون إلى دول أخرى تصنّع منتجات متقاربة، «ما عزّز الطلب في السوق التركيّة حيث الغالبية بدأت تذهب إلى هناك، فيما ذهب قسم من الزبائن إلى المصانع الأردنية». فقد كانت صادرات هذا القطاع تبلغ حوالى 195 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2011، لكنها انخفضت إلى حوالى 171.4 مليون دولار في الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية.

هكذا تكون دول المحيط قد استغلت هذه الفرصة لتصدّر إلى الأسواق الخارجية أنواعاً مختلفة من صادرات الخضر والفاكهة المعلبة والكبيس والعصائر والمياه المعدنية والمشروبات الكحولية والسكاكر والحلويات المغلفة، والصلصة على أنواعها، والحلاوة والطحينة والمربيات المتنوعة... وكل أنواع هذه السلع التي تنتج في المصانع المحلية للأغذية.

لكن هذه الفرصة لا تعدّ عادية، بل تأتي في وضع اقتصادي عالمي صعب، إذ إن الركود يطرق أبواب معظم الاقتصادات ويؤثّر على النمو الاقتصادي حتى في الدول النفطية. لا بل إن فرصة كهذه قد تكون ذهبية في زمن أعدمت فيه الفرص بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني صعوبات كبيرة، منها القديم ومنها الجديد؛ فمن أبرز الأوضاع القديمة أن كلفة الإنتاج في لبنان مرتفعة، وهي التي كانت تمثّل عنصراً أساسياً، والمنافسة الخارجية، ولعلها العنصر الأكثر تأثيراً في عدم الاستفادة من الفرصة الحالية. ويضاف إلى ذلك أن الاقتصاد المحلي يعاني انكماشاً قوياً خلال الفترة الحالية، خصوصاً في الأشهر الستة الأخيرة مع ارتفاع وتيرة الأوضاع في سوريا وامتدادها جزئياً إلى لبنان حيث تمظهرت بأشكال من العنف المتقطع وزادت حدّة الانقسام السياسي بين اللبنانيين.

لكن لا يشعر كل المنتجين المحليين بهذا الثقل، فالأكثر تأثّراً بالركود هي مصانع السكاكر والحلويات. ولا يغفل البساط أن الإنتاج السوري كان عاملاً أساسياً في منافسة السلع اللبنانية، «فهو كان الأقدر على المنافسة بين الدول المحيطة، إذ إن مصانعه كانت قد تحسّنت بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما لجهة النوعية والتوضيب وخلافه. أما الصناعات الغذائية المصنعة في تركيا فهي لا تنافس لبنان بالجودة، لكنها مصانع ضخمة في بلد يملك موارد طبيعية هائلة. ورغم أنهم ليسوا منافسين أساسيين بالأسعار، إلا أن أكلاف التصدير لديهم مدعومة من الحكومة، وهو الأمر نفسه في الأردن حيث المحروقات مدعومة وأجور العمالة منخفضة قياساً إلى لبنان».

وفي رأي البساط، إن ارتفاع كلفة الإنتاج في لبنان كانت السبب الأساس في ارتفاع أسعار المنتجات وتقلّص قدرة المصانع اللبنانية على المنافسة، وقد أضيف إليها التحوّل في نقل المنتجات من الطرق البرية إلى الطرق البحرية، ما زاد الكلفة أيضاً. وبالتالي، يكون هذا العنصر هو المتغيّر الوحيد في القطاع، فيما المعوقات الأساسية كانت موجودة سابقاً، وهي التي منعت من استغلال فرصة ذهبية... إلا أن القطاع لا يزال يعمل على زيادة استثماراته في المصانع، إذ بلغت قيمة الآلات للصناعات الغذائية الواردة إلى لبنان خلال شهر أيلول وحده حوالى 2.2 مليون دولار، معظمها جاء من إيطاليا.

لكن الأسوأ من هذا كله، أن انتقال الاستثمارات السورية إلى لبنان ليس وارداً، رغم أن عدداً من أصحاب المصانع السورية يدرس هذا الأمر حالياً، فقد توجّه عدد من الصانعين السوريين إلى لبنان خلال الأشهر الأخيرة مستفسراً عن إمكان فتح مصنع في منطقة البقاع اللبنانية، «إلا أن أياً منهم لم يبادر إلى خطوات عملية في هذا المجال، نظراً إلى المخاوف التي تعتريهم بشأن الإقامة في لبنان وما يمكن أن ينعكس عليهم من الأوضاع السورية».

تعليقات: