الزواج المدني: «هلّق وقتها»

لا شيء سيوقف حملة الضغط لإقرار «القانون اللبناني للأحوال الشخصية» (أرشيف ــ مروان طحطح)
لا شيء سيوقف حملة الضغط لإقرار «القانون اللبناني للأحوال الشخصية» (أرشيف ــ مروان طحطح)


غداً تقرع جمعية «شمل» طناجر الزواج المدني. تأمل الجمعية والناشطون المدنيون أن تحرّك الضجّة التي ستحدثها الطناجر في ساحة رياض الصلح ركود «القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة» في اللجان النيابية المشتركة، وتفتح المجال أمام مناقشته أولاً ثم إقراره

يُحكى أنّه حين كانت الحرب الأهليّة اللبنانية في أوجها، طرق رجل دين مسيحي باب رئيس الجمهوريّة آنذاك، الياس سركيس، مستنجداً، وطالباً منه أن يقرّ قانوناً للأحوال الشخصيّة فوراً. استغرب سركيس حينها طلب رجل الدين، والعجلة التي جاء فيها يطلب الأمر بينما أصوات المدافع تدوي في الخارج.

فكان رأي الأخير وقتها أنّ أبناء البلد يقتلون على الهوية، فلنساعدهم على تضييع هوياتهم. لم يكن طلبه آنذاك نخبوياً أو في غير وقته أو خارج السياق. على العكس، كان يطال صلب المشكلة، إذ كان ذاك الرجل يريد أن يضلّل السفّاح، أن يخفّف خوف هذا من ذاك، فرجا رئيس الجمهوريّة أن يقوم في أصعب الأوقات بمبادرة تصدم الناس. أن تشرّع لهم دولتهم الحق في اختلاط عائلاتهم كي يعيدوا حساباتهم في كلّ مرة يقرّرون فيها القتل. لم يستجب الرئيس يومها، وبقي لبنان من دون قانون لبناني للأحوال الشخصيّة.

يتكرّر اليوم المشهد ذاته. خطاب طائفي ومذهبي عاد ليُخرج مارد الخوف من حرب جديدة من قمقمه. تقوقع اللبنانيون في حصن منطقتهم المنيع... والناس لا تزال تتساءل إن كان الآن هو الوقت المناسب لإطلاق حملة جديدة لإقرار القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة أمام التحدّيات والملفات الأخرى في البلد. بالنسبة إلى مؤسسة ورئيسة جامعة «اللّا عنف وحقوق الإنسان في العالم العربي» أوغاريت يونان، التي قامت مع وليد صليبي بإعداد مشروع «القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة»، ليس هناك من وقت للحقوق المدنيّة والإنسانيّة «لأنّ كل وقت هو وقتها، خاصة أنّ تلك الحقوق لا تؤخذ بيوم واحد بل تحتاج إلى مسار طويل من النضال وتوعية المجتمع»، إذ إنّ الهدف ليس إقرار «القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة» فقط، بل هو أيضاً توعية الناس. لذا، بالنسبة إلى يونان، لا شيء بعد الآن سيوقف الحملة للضغط على المجلس النيابي لإقرار «القانون اللبناني للأحوال الشخصية». غداً تدقّ جمعية «شمل» الطناجر في منطقة رياض الصلح، بعدما كانت الجهات الأمنيّة منذ أسبوعين قد أرهبتهم بالعنف لإخراجهم من ساحة النجمة، دعماً لهذا القانون. دعت الجمعيّة الناس جميعاً ليتحرّكوا ويثيروا ضجّة و«يدقّوا الطناجر» عند الحادية عشرة صباحاً «ليجبروا» النوّاب على سماع صوتهم. تبرّر الحملة تحرّكها السلمي «لاقينا بطنجرتك على رياض الصلح، دعماً للأحوال الشخصيّة» على صفحتها الفايسبوكيّة بالقول: «لأننا لا نريد أن نستورد حقّنا المدني من قبرص أو تركيا أو أيّ بلد آخر... لأنّ من حقي تقرير مصيري، وأن أعبّر وأنتمي لبلدي في بلدي... ولأنني أريد أن يكون حقي خياري... أنا أطالب بالقانون اللبناني للأحوال الشخصيّة».

يرى النائب غسان مخيبر في اتصال مع «الأخبار» أنّ «الشباب تأخّروا في إعادة إطلاق تحرّكهم من أجل القانون، لأنّ اللجان المشتركة مشغولة اليوم بموضوع الانتخابات. مع ذلك أنا أنصحهم بأن يخطّطوا للقاء مع الرئيس نبيه بري ونائب رئيس مجلس الوزراء ليشكّلوا لجنة فرعيّة». ويضيف أنّ القانون وضع على جدول أعمال اللجان المشتركة منذ أشهر عدّة، وبما أنّ عمل اللجان يتّسم بالبطء فهي لم تصل إليه بعد، والآن شُغلت بالانتخابات. «القصّة مطولة» يقول «ولو كان هناك إرادة سياسية لبتّ الموضوع، لكانوا شكّلوا لجاناً فرعيّة».

في المقابل لا ترى يونان أنّ التوقيت غير صائب، بل على العكس هي تقول إنّ «علينا أن نذكّرهم بـ«القانون اللبناني للأحوال الشخصيّة» في وقت الانتخابات، علّ أحدهم يتجرّأ على إدراج الموضوع في برنامجه الانتخابي، إذ إنّ الأمر «يمسّ صلب الحياة العائليّة للناس». على الأرجح لن يكون القانون على البرنامج الانتخابي لأيّ من المرشحين للانتخابات، مع أنّ يونان تقول إنّ نتيجة إحصاءاتهم تبيّن أنّ 68% من النوّاب يدعمون القانون، لكن ما يمنع البعض من المجاهرة بالموضوع هو الخوف من إثارة غضب بعض المرجعيات الدينيّة أو الرأي المغاير لرئيس الكتلة النيابيّة. ما تطالب به فعلياً «شمل» وأوغاريت يونان وغيرهما الكثيرون، هو ملء الفراغ القانوني في الدولة اللبنانية، إذ إنّه في عام 1936 أقرّ قانون للأحوال الشخصيّة لأول مرة، وهو القرار رقم 60 ل.ر.، ولكن لم يتمّم هذا القانون النصّ الذي ينظّم هذا الحق، فكان الفراغ القانوني، مع العلم بأنّ يونان تقول إنّ لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم تصدر الدولة فيه قانوناً للعائلة!

تنصّ المادة 17 من القرار رقم 60 ل.ر. الصادر زمن الانتداب الفرنسي في 13/6/1936 على أنّ «الأحوال الشخصيّة العائدة للسوريين أو اللبنانيين المنتمين إلى إحدى الطوائف المذكورة في المادة الرابعة عشرة وما يليها، أو غير المنتمين إلى إحدى الطوائف الدينيّة، تخضع للقانون المدني، على أن عقود زواج السوريين واللبنانيين التي تجري بموجب طقس إحدى الطوائف التابعة للقانون العادي المعترف بها أو غير المعترف بها، تعتبر صحيحة إذا كانت الصكوك التي تثبتها قد نظّمت وفقاً للقواعد المحدّدة وفقاً للأحكام التالية». إذاً كان الزواج المدني اختيارياً، إلّا أنّ اعتراضات رجال الدين آنذاك أدّت إلى تعديل القانون في ما بعد ليصبح شرط الزواج المدني في أن يتمّ خارج لبنان.

قبل الحرب الأهليّة بسنوات قليلة، في عام 1971، تقدّم الحزب الديمقراطي بـ«مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الموحّد»، وهو أوّل مشروع يطرح في لبنان ويقدّم إلى المجلس النيابي باسم النائب السابق أوغست باخوس. تذكر يونان أنّ عدداً كبيراً من النوّاب، مؤيّدي المشروع، طلبوا من الحزب الديمقراطي إبدال كلمة «موحّد» بـ«اختياري» كي يقرّوه، لكن الحزب رفض التنازل. وتضيف أنّ باخوس أسرّ لها بعد وقت طويل أنّ الموضوع اصطبغ بـ«ندم تاريخي» بالنسبة إليه، بما أنّه كان على الحزب أن يفكّر في حينها بشكل استراتيجي وليس أيديولوجياً.

التجربة الثانية ولدت في عز الحرب الأهليّة. في عام 1981، قدّم الحزب العلماني الديمقراطي «مشروع قانون اختياري موحّد للأحوال الشخصيّة في لبنان» وهو مشروع شامل للأحوال الشخصيّة لم يقدّم إلى المجلس النيابي، لكن قيدت استمارة استفتاء حوله والحرب دائرة من حولهم. المحاولة الثالثة قدّمها «الحزب السوري القومي الاجتماعي» عام 1997، وهو «مشروع قانون اختياري للأحوال الشخصيّة»، وقد ارتكز على مشروع الحزب الديمقراطي (1971). في عام 1998 أتت المبادرة من رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي الذي قدّم «مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الاختياري». لم يشمل المشروع قضية «الإرث» ليسهّل الهراوي ربما مروره بحسب يونان. وهذا المشروع الوحيد الذي تمّت مناقشته والتصويت عليه في مجلس الوزراء اللبناني، وفاز بأكثريّة الوزراء (21 وزيراً)، لكنه لم ينقل إلى المجلس النيابي وفق الأصول الدستوريّة بسبب تدخّل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. أمّا الحملة الوطنية التي حملت اسم «اللقاء من أجل قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية» فقدّمت في عام 1999 «مشروع قانون لبناني مدني اختياري للأحوال الشخصية» وأخيراً كان «مشروع قانون لبناني للأحوال الشخصيّة» في عام 2009 الذي قدّمته أوغاريت يونان ووليد صليبي، وهما أعدّاه بحسب يونان «على قاعدة أفكار لاطائفية، لاعنفيّة، أساسها العدالة العائليّة وحماية الحب وحريّة الاختلاط بين اللبنانيين».

تعليقات: