مستر فوكس

مروان حمادة رجل كل الأزمنة (ارشيف ـ مروان طحطح)
مروان حمادة رجل كل الأزمنة (ارشيف ـ مروان طحطح)


مستر فوكس فينيق 14 آذار



يفخر مروان حمادة بسنيّه الثلاث والسبعين، ويرفع رأسه أكثر بخياراته السياسية في السنوات السبع الأخيرة، بعد أن انتصر على الموت. مروان حمادة، الصحافي والوزير والسياسي والدبلوماسي، شفافٌ وغامضٌ في آن. «فينيق 14 آذار» ينتظر سقوط النظام السوري ليقول إنه كان على حقّ

لا شيء يفيه حقّه. حتى «مستر فوكس»، اللقب الذي يطلقه عليه أقرب المقرّبين، لا ينصفه. هو كتيبةٌ أو أكثر في رجلٍ واحد. أيّ الصور هي تلك التي ستراها حين تتذكّره؟ مروان حمادة الصحافي؟ وزير الصحّة «العظيم»؟ رجل السفارات الأول؟ الشهيد الحي؟ صديق سوريا السا

بق؟ عدوّها الحالي؟ أم الدبلوماسي اللّبق الجدير بالسبر؟

يأخذك ابن بعقلين «الفرنسي» إلى أقصى حدود التناقض. يقولون إن النائب وليد جنبلاط هو أسرع من ينقل أوراق اعتماده من متعهّد سياسي إلى آخر، من محور على خطّ الإستواء إلى محور في القطب الشمالي. لا، مروان حمادة أسرع منه، بل أرشق. حتى بعد أن اقتنع بأن أجهزة الأمن السورية هي من حاولت اغتياله في الأول من تشرين الأول عام 2004، تراه يسابق قدميه ليحصل من الرئيس السوري بشّار الأسد على التفاتة، خالية من ابتسامة، في مطار بيروت الدولي. ومن يعرف دينامو 14 آذار جيّداً، لم يُذهل حين رآه يُقبل على السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي في احتفال عيد الجلاء قبل سنتين، لينهل من حبّه ويطمئن إلى صحته، في صورة واحدة مع فايز شكر الأمين القطري لحزب سوريا الأسد.

صديق اللواء محمد غانم (رئيس فرع الأمن والاستطلاع في الاستخبارات السورية في لبنان قبل اللواء غازي كنعان) شاهدٌ على لبنان، منذ خمسين عاماً على الأقل. أزمنة مرّت وأخرى تمرّ، وحمادة لا يزال كما كان دائماً: من يأخذ أمي أقول له عمّي.

ولد حمادة في العام 1939، من أبٍ لبناني هو السفير محمد علي حمادة وأم فرنسية. حصّل الشاب أولى إجازاته الجامعية من جامعة القديس يوسف، فتخرّج محامياً عام 1963، ثمّ تابع دراسته فحاز إجازة ثانية في العلوم الإقتصاديّة. لم تكن الحقوق سوى تذكرة العبور إلى عالم الصحافة. سرعان ما عمل حمادة ببراعته في اللغة الفرنسية مراسلاً لمجلة «لو بوان» الفرنسية ومحرراً اقتصادياً في جريدة «النهار» عام 1964، ثمّ محرراً وكاتباً في «لو جور» عام 1965 بعدما اشترتها «مجموعة النهار»، ثمّ اشترت «لوريان» عام 1971. لم يكن شقيق ناديا تويني ـــ زوجة «ديك النهار الأول» الراحل غسان تويني ـــ فحسب، بل كان «ديكاً جديداً في الخفاء» إلى جانب تويني في كلّ شاردة وواردة، ثمّ رئيساً لتحرير «النهار العربي والدولي» في باريس. يقول أحد معاصري رحلته في «النهار»، إن الرجل «تولّى جزءاً كبيراً من العلاقات السياسيّة للجريدة، كذلك العلاقات مع سفارات دولٍ كأميركا وفرنسا وبريطانيا وهولندا، بالإضافة إلى علاقات مع السّعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة». إلاّ أن أقدم تلك العلاقات كانت مع قطر. ابتدع تويني وحمادة ما سمياه «شركة النهار للخدمات الصحافية» وتولى حمادة إدارتها. وهي مؤسسة تُعنى بتقديم الخدمات الإعلانية كتنظيم الحملات الدعائية أو طباعة «المفكرات» لحكّام الإمارة المستجدة، «على أن تقوم الإمارة بدعم النهار». وبقدر ما كان حمادة على علاقة جيّدة بالراحل بيار الجميّل الأب، وذهب معه كصحافي في زيارة إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد، كان على علاقة أوثق مع الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي أوفده في العام 1974 لإلقاء كلمة فلسطين بالفرنسية في أحد المؤتمرات الدولية.

هو توأم الروح لوليد جنبلاط. يقول أكثر من مصدر في «النهار» وخارجها، إن مروان حمادة «احتضن جنبلاط الشاب وأتى به إلى «النهار» بعد بَرَكة غسان تويني». كان البيك الصغير قد أغضب والده الراحل كمال جنبلاط حين «تجرأ» على الزواج من فتاة إيرانية مطلّقة «من غير ملّته»، «فرفض منحه منزلاً طلبه ليسكن فيه وزوجته في منطقة الحازمية». وكان حمادة مع بداية الحرب الأهلية، يسير عكس ما ترتضيه عائلته اليزبكيّة. فقُربُ العائلة من الأمير مجيد أرسلان حتّم عليها التحالف مع الرئيس كميل شمعون في وجه كمال جنبلاط. وقد استطاع مروان حمادة أن يبني علاقة وثيقة مع كمال جنبلاط بعد تغريده خارج سرب عائلته. كتب وليد جنبلاط على مدى عام تقريباً في أحد ملاحق «النهار»، تحت جناحي حمادة، وباتا صديقين لا يفصل بينهما سوى عشر سنين من العمر.

بعد توليّ الشاب قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي عام 1977، عُرف حمادة بـ«الذراع الغربي» له، فهو «منسّق علاقاته الدوليّة، ومن أخرجه في العام 1982 من قصر المختارة في سيّارة تابعة للسفارة الأميركية». دخل حمادة الحكومة لأول مرة وزيراً للسياحة في حكومة الرئيس شفيق الوزان عام 1980 من حصّة جنبلاط. وقاد إلى جانب البيك، مرحلة التفاوض والحرب في معارك حرب الجبل في 1982 و1983. على أن هذه الفترة التي كان فيها وزيراً، حملت إليه بشرى جديدة. صوّت الوزير الدرزي في إحدى جلسات الحكومة على مشروع بناء مرفأ في مدينة صيدا الجنوبيّة. وصل الخبر إلى الرياض، فرفع اللبناني ـــ السعودي وقتها رفيق الحريري سماعة هاتفه ليهنئ الوزير، ولم ينقطع الخطّ من حينها لربع قرن. ساهم الحريري بعد فترة بترميم معمل سبلين الذي دمرته القوات اللبنانية يوم تدشينه. أمّا اللقاء الأول مع الحريري فكان في باريس، ثم في دمشق عام 1983 حين كان الأخير برفقة الأمير بندر بن عبد العزيز.

أسوأ علاقات حمادة هي تلك التي لم يستطع نسجها مع عائلته. فهو عُيّن نائباً مكان النائب قحطان حمادة بعد اتفاق الطائف في العام 1991، ثمّ انتخب نائباً عام 1992، ولم يترك المجلس النيابي منذ ذلك الحين. صبّت العائلة غضبها عليه لسببٍ واحد: وليد جنبلاط. يقول أقرباؤه إنه سكت على تحويل جنبلاط قصر عائلة آل حمادة التاريخي إلى مركز للإدارة المدنية والشرطة العسكرية، ومصادرة محتوياته ونقل مكتبته التي تعدّ من أكبر وأقدم مكتبات لبنان إلى قصر المختارة، حيث وضعت إلى جانب كتب دير المخلص. يذهب الأقرباء أبعد من ذلك، «مروان سكت على قتل أنور حمادة وعائلته، وعلى تفجير بيت الشيخ فريد ومنزل العميد ماجد في غريفة، وتفجير تمثال الأمير فخر الدين المعني الكبير أمام المكتبة الوطنية في بعقلين».

تنقّل حمادة بين وزارة الاقتصاد في العام 1990 ووزارة الشؤون الاجتماعية والصحة عام 1992 و1995 في حكومات الحريري الأب، ثمّ وزيراً للمهجرين عام 2000، ثمّ الاقتصاد عام 2003. وفي 9 أيلول 2004، استقال وزير الاقتصاد إلى جانب وزراء الاشتراكي اعتراضاً على التمديد للرئيس إميل لحود في رئاسة الجمهورية. وبعد الخروج السوري من لبنان، حمل حمادة حقيبة الاتصالات في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005.

هو أحد أشاوس «وحدة المسار والمصير»، وفي واحدة من مآثره في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، يجزم بأن البعث «هو ضمير العرب، إنه حزب الريادة والقيادة، حزب التحرر والتحرير». وفي الوقت نفسه هو أقرب السياسيين اللبنانيين إلى الأليزيه بغضّ النظر عن ساكنه، وتقاريره هي الأوثق بين زوّار عوكر على ما أظهرت وثائق ويكيلكس، وحظوته كبيرة لدى معشر السفارة الأميركية في لبنان. لا يخجل حمادة بعلاقاته مع السفارات الأجنبية، «أنا سياسي لبناني وعلاقات صداقة كبيرة تجمعني بدبلوماسيين وسفراء، هؤلاء الذين يتهموني تجمعهم علاقات أكثر متانة مع دبلوماسيين وسفراء وحتى أمنيين، ربما أكثر مني»، يقول واثقاً لـ «الأخبار».

لا أحد في 8 آذار يقتنع بأن حمادة لم يساهم في صنع القرار الدولي 1559. في نظر هؤلاء، «لم يدفع مروان باتجاه إصدار القرار فحسب عبر علاقاته، بل عمل على إقناع الرئيس الحريري بجدواه». وعلى الرغم من أنه يتفّق مع ما جاء في حيثيات القرار جملةً وتفصيلاً، «لا علاقة لي بالقرار 1559، ظلموني كثيراً بهذا الاتهام. هلق أنا بدي أعمل الـ1559؟». لا يمكن أن يقتنع بأن أحداً غير سوريا حاول قتله، «السوريون حاولوا قتلي وقتلوا رفيق الحريري وجبران وسائر الشهداء».

مسيرة حمادة إلى جانب جنبلاط لم تكن دائماً سمناً على عسل، على الرغم من متانة ما يجمعهما. في نهاية التسعينيات، قدّم آل حمادة لوزيرهم جناحاً في القصر التاريخي بعد ترميمه، كي يكون مقرّاً يلتقي فيه ناخبيه، كونه لا يملك بيتاً في بعقلين. فقد كان بنظر الناخبين الشوفيين «وزير الصحّة العظيم»، يقدم الخدمات الصحية لأخصامه قبل مريديه أو الاشتراكيين، ولا يبخل على أحد في تقديم المساعدات التربوية والوظيفيّة، وهو لم يزل كذلك حتى يومنا هذا. تقدم على وليد جنبلاط بعدد الأصوات في انتخابات 1996، ثم بلغ الفارق بينهما أكثر من خمسة آلاف صوت في انتخابات 2000، حتى ردد الشوفيون «متل العادة يا سعادة، الأول مروان حمادة». فتح أبواب القصر أمام الزوّار في نهايات الأسبوع، فيما يُفتح قصر المختارة أيام الآحاد. لم يقم الوزير في القصر طويلاً. ففي الشوف، لا قصر يفتح غير المختارة، وشقّة جل البحر لن تأخذ شيئاً من درب البيك.

لا يفرّق قصرٌ بين اثنين كجنبلاط وحمادة. حتى أن الأخير كان السّباق لإعادة اللحمة بين جنبلاط والحريري الأب، كلّما خطر على بال البيك أن يذكر «حيتان المال». لا يصدّق أحد أن الشوفيَّين قد يفترقان، ولو شاء القدر ذلك، بعدما وقف جنبلاط قبل سنتين على حائط مبكى السيّد حسن نصرالله. هذا الخلاف البسيط انتهى. عاد أبو تيمور إلى ضفّة رفيقه، وكلّ أمنيات كارهي حمادة في الشقاق بينه وبين توأم روحه، لن تفلح. قبل أقلّ من أسبوعين، زار حمادة والدة جنبلاط في أحد المستشفيات وجلس الصديقان «كالظفر على اللحم».

كلامٌ كثير يقال عن فساد اقترفه حمادة حين كان وزيراً للصحّة، ثم للاتصالات. ومما يشاع أن ابنه كريم استفاد قبلاً من وجود والده في وزارة الصحة ليدرّ ارباحاً على نفسه وعائلته عبر عمله في التأمين، ومن ثم في الاتصالات عبر شركة «سيدركوم». لكن البيك البعقليني لا يعير هذا الكلام الكثير من الاهتمام، «ولدي كريم يعمل في التأمين وراتبه لا يتعدّى سبعة آلاف دولار أميركي، يريدون أن يتهمونا فقط، وعلى كلّ حال، من بيته من زجاج لا يراشق الناس بالحجارة».

3 زيجات

منح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مروان حمادة الجنسية الفرنسية بعد تعرّضه لمحاولة الإغتيال عام 2004، بمرسوم خاص. يغرق المثقف بين كتبه العربية والفرنسية والانكليزية. قد يزوره أي كان في أي وقت، فيضيّفه «الزهورات». في مكتبه الفخم في «النهار»، يعلّق علماً للمعارضة السورية انتقاماً من الرئيس بشار الأسد، وصوراً لرفاق الدرب، ثلاثة رحلوا هم الرئيس رفيق الحريري والنائب جبران تويني وشالٌ أحمر وأبيض من ذكرى 14 آذار، ورابع حيّ يرزق هو وليد جنبلاط. مروان حمادة مشهورٌ بـ«دونجوانيته». تزوّج ثلاث مرات، سهير حوري عام 1964 وله منها كريم ورانيا، وعام 1984 من الكاتبة لينا مقدادي، المقرّبة من ريمون إده. ويقول عارفون إن «لينا نقلت حمادة إلى بعدٍ آخر من العلاقات الدولية». زوجته الحالية هي فاندا بركات مديرة المختبر المركزي في وزارة الصحة. مع انطلاق عمله المهني، غطّى أحداثاً خطيرة كالحرب الأميركية على فييتنام وحرب الهند وباكستان نهاية الستينيات، والصراع التركي ــ اليوناني على قبرص، حيث تعرّض للخطف من قبل الحرس الوطني القبرصي.

رُنيه الدولية

وراء كل رجل كمروان حمادة، لا بدّ أن تكون رُنيه موجودة. رُنيه قربان بابادوبولس، مساعدته منذ كان وزيراً للسياحة في العام 1980. رُنيه ظاهرة بحدّ ذاتها، تعرف كل شيء وكل شخص ولا تنسى شيئاً. صديقة حميمة للرئيس رفيق الحريري وعقيلته نازك، تمسك بنشاط حمادة في كل أبجديّاته. هو راعٍ وصديق ورفيق درب ومعلم بالنسبة إليها، وهي المنبّه وحافظة الذاكرة ومديرة الأعمال المتفوقة، وحتى الملجأ بالنسبة إليه. رُنيه على كلّ لسان يتابع أبو كريم، إذا أردت شيئاً منه، لا تكلّف نفسك عناء الوصول إليه، رُنيه تفي بالغرض وتزيد.

لتصل إلى مكتب الوزير، لا بدّ أن تمرّ على مكتبها، تنتظر قليلاً، ترى الأستاذ إن كان جاهزاً لمقابلتك، أو تدوّن طلبك على دفتر من مئات على مكتبها المرتّب والمعجوق في آن. حين ترفع رُنيه سماعة الهاتف، يعني أن مروان حمادة يتكلّم، يطلب خدمة أو توظيفاً أو منحة دراسية لأحد، أو حتى يستقبل أو يوصل رسالة سياسية. رُنيه صورة أخرى عن مروان حمادة، أكثر إلفة.

أسوأ علاقات حمادة هي تلك التي لم يستطع نسجها مع عائلته (ارشيف ـ مروان بو حيدر)
أسوأ علاقات حمادة هي تلك التي لم يستطع نسجها مع عائلته (ارشيف ـ مروان بو حيدر)


تعليقات: