دمره الإسرائيليون بأسلحة أميركية ويعاد بناؤه بهبة أميركية
عملية إعادة بناء جسر المديرج لن تنتهي قبل صيف 2009

الجسر لدى استهدافه العام الماضي
الجسر لدى استهدافه العام الماضي


المديرج :

ألم يكن بالأجدى أن تلجم الإدارة الأميركية العدوان الإسرائيلي على لبنان ومنعه من تهديم جسر المديرج ـ صوفر، بدلاً من أن تعد ببذل جهود لإعادة إعماره؟ أليس من الغريب أن تتهاوى أجزاء من الجسر بسلاح أميركي ثم يعاد بناؤه بتقنيات أميركية؟

يعد جسر المديرج الأعلى في الشرق الأوسط، إذ يصل ارتفاعه إلى اثنين وسبعين متراً. لم تقصف إسرائيل الجسر، على الأرجح، بهدف قطع طريق بيروت ـ دمشق، لاسيما أنه قصف بعد تدمير «جسر النملية» في ضهر البيدر وأماكن أخرى من الطريق الدولية، وإنما قصف بهدف القضاء على معلم عمراني يعتبر واحداً من أهم المرافق الحديثة التي أنجزت في لبنان خلال السنوات العشر الماضية.

عند قرابة الساعة الثامنة من مساء الثالث عشر من تموز الماضي، أي مع بداية العدوان، شن الطيران الحربي الاسرائيلي نحو خمس غارات متتالية على جسر المديرج، ولم يتمكن من تدمير أي جزء منه، ذلك أن الأعمدة الخرسانية الضخمة لم تصب بأي صاروخ، فظل الجسر واقفاً واقتصرت الأضرار على مساحات من الطريق المستندة إلى هذه الأعمدة.

وبعد نحو عشرة أيام، كانت ثمة غارات جديدة نفذها طيران العدو نهاراً، وتمكن من إصابة خمسة أعمدة بإصابات مباشرة كانت كفيلة بتهديم الجزء القائم عليها من الطريق.

وطرحت تلك الغارات وإصاباتها الدقيقة تساؤلات حول أنواع الأسلحة المستخدمة في المرة الثانية، بعدما فشلت الأسلحة التي استخدمت في مطلع الحرب من تدمير الجسر.

واليوم، ومع انقضاء عام كامل على الحرب، ما زال الجسر مقطوعا، ولن ينجز القسم الشمالي منه قبل حلول الربيع المقبل، أما إعادة ترميم الجسر بصورة شاملة فلن تنتهي قبل صيف العام .2009

مجلس الإنماء والإعمار

يؤكد مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والإعمار أنه حتى الآن، تم الانتهاء من إعداد الدراسات التفصيلية لإعادة بناء جسر المديرج، كما بدأت «أعمال ترميم القسم المصاب من الجسر الشمالي ومن المتوقع أن تنجز بحلول نيسان 2008».

أضاف المصدر أنه في ما يتعلق بالجسر الجنوبي، «فقد تم التنسيق مع قيادة الجيش لهدم الأقسام المتصدعة بواسطة التفجير، والعمل جارٍ حالياً لأخذ موافقة وزارة الداخلية والبلديات لاستيراد ما يلزم من مواد التفجير».

ومن المفترض أن يباشر المجلس بعد ذلك بإعادة بناء الجسر الجنوبي «بالكامل بما في ذلك الأعمدة والأساسات وأشغال الإنارة وعلامات دهان (طلاء) سطح الطريق، وتوفير عوامل السلامة المرورية».

وأشار المصدر الى أن «كامل أعمال إعادة بناء جسر المديرج ممولة بموجب هبة عينية مقدمة من الحكومة الأميركية بواسطة الوكالة الأميركية للتنمية العالمية (يو اس آيد)»، وتوقع المصدر «الانتهاء من تنفيذ كامل أعمال المشروع بحدود صيف 2009».

لماذا لم يعهد بالإعمار للشركة التي بنت؟

إلى ذلك، تثار علامات استفهام حول تلزيم عملية الترميم إلى شركة أميركية، في حين أن الشركة الايطالية التي بنت الجسر هي الأقدر على التصرف لأنها تملك كل المعلومات حوله.

فبعد استهداف الجسر العام الماضي أكد المهندس اللبناني عماد حيدر، وهو واحد من المهندسين الذين أشرفوا على عملية البناء التي نفذتها شركة «توتو» الايطالية، أن «إعادة إعمار الأجزاء المتهدمة من الجسر تكون كلفتها أقل بكثير إذا تولت المهمة الشركة الايطالية التي بنت».

ولفت إلى أن «كل البيانات والمعلومات الجيولوجية والدراسات ما زالت موجودة لدى الشركة»، ورأى أن «ثمة أمرا واحداً قد يكون صعبا ويتعلق بآلة ضخمة يمكن إحضارها مرة ثانية من إيطاليا لصب الأعمدة المتهاوية».

وقد قدرت الدراسات الأولية كلفة إعادة بناء الجسر وترميمه وتأهيله، بنحو عشرين مليون دولار، بحسب ما قال راندال توبياس مدير الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس آيد) خلال زيارته الأخيرة للبنان، التي أعلن خلالها عن تبني الوكالة إعادة ترميم الجسر. على أن تقدم تقديرات أكثر دقة مع انتهاء العمل على دراسة حجم الدمار اللاحق بالجسر.

بدوره، أشار المهندس اللبناني محمود الأحمدية إلى أن «ايطاليا معروفة بتفوقها في بناء هذا النوع من الجسور، إذ انها تعتبر الأولى في العالم من حيث استخدام تقنيات ربط الجسور بأحزمة فولاذية متصلة بقطع مطاطية ضخمة عند طرفي الجسر لمقاومة الهزات الارضية». ولعل هذه التقنية هي التي حالت دون تدمير الجسر بالكامل.

محمية عسكرية!!

وثمة سؤال: هل تقصدت الولايات المتحدة الأميركية من تبني إعادة الإعمار الوقوف على تفاصيل مرتبطة بقدرة أسلحتها على إصابة منشأة ضخمة ودراسة الأثر المباشر لنوع معين من السلاح استخدم في عمليات القصف، ليكون مشروع إعادة البناء هدفاً ثانياً؟

ليس ثمة مبالغة في طرح هذا السؤال، خصوصاً أنه بعد وصول الشركة الأميركية المعنية، أصبحت ورشة العمل القائمة أشبه ما تكون بمنشأة عسكرية.

فالاقتراب من المكان محظور حتى على المارة، فكيف بممثلي وسائل الإعلام؟ يقف حارس عند جانب الطريق الدولية مباشرة يتقاضى أجراً شهريا لقاء وظيفة محددة: منع أحد من التقاط الصور.

أما الوصول إلى الورشة من جهة طريق عين دارة بالقرب من حاجز الجيش اللبناني فمتاح، ولكن ثمة حراساً أيضاً، يبادرنا أحدهم بالقول: وهل تظنون أن التصوير مسألة سهلة؟ عليكم مراجعة الشركة.

يقع موقع الشركة المستحدث على بعد نحو ثلاثمئة متر صعودا عند مفترق الطريق المؤقت، تتصدره حواجز إسمنتية، والدواعي... أمنية أيضاً!

ومن يسعَ للوصول إلى مكاتب الشركة عليه أن يقود سيارته بشكل متعرج متجاوزاً الحواجز الموزعة يميناً وشمالاً. عند مدخل مكاتب الشركة، كانت ثمة أبواب حديدية مقفلة، يقف خلفها عدد من الحراس اللبنانيين، نسألهم: «نحن صحافيون ونريد مقابلة المسؤول»؟ فيجيبون: «لا أحد مخول بالحديث هنا، عليكم أخذ الموافقة من بيروت».

لا مبرر واضحا لكل هذه الإجراءات الأمنية، على الرغم من أن العمل القائم لا يتعدى شبك الحديد في الأجزاء الصغيرة من الأعمدة المتبقية بأخرى جديدة لإعادة بنائها، وهذا ما عايناه على الأرض، إلا أن الشركة الأميركية ـ وربما خلفها المسؤولون ممن هم على صلة بقضايا أمنية ـ تؤثر إعطاء المعلومات في وقت محدد ومن نافذتها الخاصة، وإلا ما هو المبرر لكل هذه التورية والتضييق على الصحافيين في موضع لا يتعدى إعادة بناء أجزاء مهدمة من جسر حديث؟

مبادرة أهلية

يعتبر جسر المديرج الثنائي الامتداد والذي يبلغ طوله حوالى 480 مترا، الجسر الأكبر في لبنان والأطول في منطقة الشرق الأوسط، وهو واحد من أهم الروابط التجارية بين بيروت وشتورة، باتجاه الحدود الشرقية للبنان، وهذا سبب آخر يبرر استهدافه على مرحلتين خلال العدوان الماضي.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن أول من أطلق ورشة إعادة إعماره مجموعة من الشباب من بلدة عين دارة ـ قضاء عاليه والقرى المجاورة، عملوا على رفع الردم والأجزاء المنهارة من الأعمدة الخرسانية وبقايا الأجزاء المتهاوية من الجسر بما فيها الطريق والأرصفة ومرافقهما من أقنية وإنارة وغيرهما، بهدف تسهيل عمل الشركة التي ستلتزم مشروع إعادة البناء في ما بعد.

ويؤكد المنسق العام للمجموعة ناصر يحيى «اننا عملنا بإشراف مجلس الإنماء والإعمار ممثلاً باستشاريين من شركة خطيب وعلمي»، لافتاً إلى «اننا لم نرد هذه الخطوة ارتجالية فكانت مساهمتنا فاعلة في تسهيل الشروع بالعمل فور انتهاء الدراسات الفنية».

يضيف «قمنا بإزالة الجزء المدمر بالكامل قبل بدء أعمال الترميم، وقد تركز عملنا على قطع الحديد وجمعه ونقله إلى مخازن خاصة في بلدة عين دارة، كما نقلنا الردم من الحجارة إلى أماكن معينة للإفادة منها في أعمال قد تحتاجها بلدية عين دارة أو البلديات المجاورة لاحقا»، مشددا على ان «عمل المتطوعين لم يكن مشروطاً بمال أو مساعدة».

تعليقات: