إعتذاري إلى الله


تقدّمت، ثم تردّدت، تراجعت، ثم تقدّمت، قبل أن أعود وأتراجع. لا أقدر على الوقوف في حضرته. لقد فقدت ورق شجري، وعنفوان إرادتي، وسحر شخصيتي وثقتي.

أأقف في حضرته، أم أتجبر؟ ولما أقف في حضرته وسؤالي هو سؤال من تجبر؟ إنه هو خالق أوراق شجري، إنه ساتر ظلي. كآدم من قبلي، تساقطت أوراق ستري، ولم أعد قادر على أن أخفي عورة ذنوبي أمام ساتر عورتي وعيوبي. أأقف في حضرته محاولاً إخفاء ذنوبي ناسياً، ومتناسياً إنه هو من أحصى عملي وذنوبي؟

أرغب اللجوء إلى حضرته، مع توسلي لرحمته. أأعتذر عن ذنوب اليوم، أم ذنوب الأيام البارحة، أم ذنوب الغد الفادحة؟ إذا عاهدته أنني لن أذنب، فأكذب. لن أعاهده بأنني لن أذنب، سأعاهده بأنني لن أكذب.

إلهي، أقف أمامك خاشعاً، وبين يديك، أنا الذليل، الحقير الواثق

أقرّ إليك بذنوبي مع دموعي، فأنّ تقرّبي إليك يا إلهي هو تقرّب المهموم العاشق

إلهي، مع كثرة ذنوبي وعيوبي، ها أنذا أتقدم إليك معتذراً، طارقاً باب رحمتك بقلب صادق

إلهي، إعتذاري إليك هو إعتذار منك وإليك يا الله، من إنسان غير منافق

إليك يا غفور، أسجد كاشفاً عن ذنوبي وعيوبي علّك تغفر ذنبي وتستر عيبي يا غافر يا ساتر

إلهي، أول ذنوبي وعيوبي هو إنني ألتمست رحمة وشفاعة غيرك ياشفيع، فخاب ظني، فإشفع لي يا شافع

مروراً بأنبياء وأمم، هنا حطّمت كبيرهم، وهناك بنيت سفينة، وعلى غرة سبيت قوم عبدوا عجل غير نافع

ثم توسلت بغير إسمك، وألّهت إنسان مثله مثلي، وصلبت جسده اليافع

بعدها، قطعت الرجاء منك، وأتّبعت دين أبي وأمي بجاهلية قوم رجموا نبيهم، وذبحوا حفيده المجدّد الورع

حيناً، عبدت الشمس، ثم القمر، وللعجل، والتمر سجدت، ووجودك بهم كان من غير تأمل ساطع

وعندما بلغت الحلم، وقفت شامخاً، متجرءاً على إناس أضعف مني بعنصرية الشكل القذر الفاقع

ومع بلوغ فكري أسست المذاهب بإسم دينك، مغيّراً ما أنت أنزلت رحمة للناس وأنا جعلته متقوقعاً على حجم قومي وعقلهم الجاهلي الفارغ

في أكبر أحدهم قدّست، ونصّبت خلفاء بإحتيال بارع

وفي أخر قدّست إمام وعصمته من كل خطأ وجعلت منتظره الحي العائد

فزاد بعدي عنك وأصبحت كالغنم المربوط بحبلٍ. بل أشبه بالأنعام في التراب رأسي واضع

إلهي، لقد تجبّرت وتجرّأت على من أرسلت، وأخيراً، حوّرت دينه، محمّد (ص) سيد الوئام، النقي، الطاهر، الروحاني، الذي بفضلك هو الشافع

إلهي، بتواضع صادق أعتذر إليك عن جهلي وضلالي في عالم لم أفهم منه إلا رفض الأخر والعوام القاطع

أسمائي كثيرة: معتزلي، أباضي، شيعي، حنبلي، سني، مسيحي، يهودي، درزي، بوذي، صابئي، حنفي، شافعي، صوفي، أشعري، مالكي، أموي، وهابي، بكري، عمري، إمامي، عثماني. إبراهيمي، بل الحقيقة أنني بحثت عنك وأستعملت إسمك وعبدت غيرك على الدوام بدون أذن أو رادع

إلهي، بروحك أقبل إعتذاري، إعتذاري إليك يا الله، هو إعتذار الإنسان المغرور، الفتان، المجرم، القاتل، الذي روحه للشيطان بائع.

أستغفرك، أستغفرك، أستغفرك، أستغفرك، أستغفرك، أستغفرك، أستغفرك

أستغفرك يا إلهي. أستغفرك يا الله على خطئي وجهلي وضلالي. وأعاهدك على أن أكون صادقاً في طرحي وخطابي، وبإذنك سوف أبقى صاحب اللسان الصادق اللاذع

بخنوع، وذل مطلق،

بقلم: د. إبراهيم محمد خريس

تموز ٢٧، ٢٠١٢

تعليقات: