الرئيس المصري الجديد والتحديات المتعددة


مصر التي في خاطري احبها ان تعود رائدة الامة العربية من المحيط الى الخليج وان يعود الينا الشعور الذي احتل وجداننا نحن كعرب لسنوات طويلة ان مصر هي قاطرة المشروع القومي الوحدوي.

لقد لعبت مصر بين الخمسينات وحتى بداية الثمانينات من القرن الماضي دورا محوريا على الصعيدين العربي والاقليمي فاعلة ومتفاعلة في ازمات المنطقة.

لكن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها القاهرة مع تل ابيب في العام 1979 دفعت بالدور القومي المصري الى التلاشي في ظل عزلة عربية فرضت عليها تلاقت مع انكفاء وتقوقع داخلي تمثل بتحجيم الرئيس المصري السابق حسني مبارك لمصر بشكل غير مسبوق فقدت خلاله القاهرة وعلى مدى 30 ثلاثين عاما فترة حكم مبارك البريق الذي كانت تملكه محليا واقليميا ودوليا. فالرئيس المصري المخلوع اهمل السياسية الخارجية المصرية فاصبحت مصر الشقيقة العربية الكبرى فقط بعدد السكان كما اهمل التنمية الداخلية فكانت مصر امام خسارة مزدوجة خارجية وداخلية ولذلك حين يناقش المرء اليوم المهمات الملقاة على عاتق الرئيس المصري الجديد فانه يرى ان التركة الثقيلة التي يرثها الرئيس المصري المنتخب كبيرة وكبيرة جدا لا يمكن تفكيك ألغامها بسهولة لحل تعقيداتها بسرعة. ويمكن القول ان الرئيس المصري الجديد عليه المنازلة مع ملفات كل ملف منها يشكل قنبلة موقوتة فاذا لم يتعامل معها بذهنية خبير المتفجرات المتمكن فانه غلطته ستكون الاولى والاخيرة. وصحيح انه لا يجب تحميل الرئاسة الجديدة هذا الوزر لان الرئيس الجديد يدخل عصر الرئاسة دون ان يعرف ما هي صلاحياته لان الدستور الجديد لم يكتب بعد ولا احد يستطيع تحديد الصلاحيات الرئاسية الا ان المصريين ومعهم جمهور عربي واسع يتطلعون الى رئيس الجمهورية الجديد على انه فاتح عهد جديد في حياة مصر وتاريخ جديد لها فهو الآتي الى الرئاسة عبر انتخابات شعبية هي الاولى بتاريخ مصر. والاول الذي اختير عبر صناديق الاقتراع غابت عنها نسبة الـ99 بالمائة وانه الاول الذي احتاج الى اصوات الناس والى دورهم في اختياره في عملية ديمقراطية صنعتها طوابير المواطنين المصريين امام مراكز الاقتراع .ومن هنا تبدأ التحديات امام الرئيس المصري وهي كثيرة وكثيرة ولكن نركز على ثلاثة تحديات اساسية لأنها ركيزة مهمة في بناء مصر الجديدة.

فالتحدي الاول هو «تحدي الديمقراطية» الذي طالما طالب به المصريون ودفعوا من اجله الغالي والنفيس وثاروا على النظام السابق من اجل الديمقراطية والتنوع السياسي والرأي الحر. والديمقراطية لا تعني فقط الحرية في قول الرأي وابدائه فقط وانما كما يعرفها رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق سليم الحص هي سيادة المؤسسات في ادارة شؤون الدولة في سياق حديث متطور وعصري تنشلها من الفساد والترهل والمحسوبيات التي جعلت الدولة المصرية ولعقود اشبه باقطاعيات. وتنسحب الديمقراطية ايضا على تعزيز وتكريس الانتماء الوطني من خلال تنمية الهوية الوطنية الجامعة فلا تكون هناك درجات في المواطنية ولا خوف من اقليات عرقية ودينية على المصير والمستقبل. وثمة تساؤلات عديدة عن مدى انحياز الرئيس المصري الجديد للديمقراطية ليس بمفهومها الواسع وانما بمفهومها المتواضع والذي يشكل مرحلة انتقالية نحو الافق الاوسع في المستقبل. فالمهم ان يكون لدى الرئيس الجديد قناعة بان المؤسسات هي التي تشكل عماد الديمقراطية والاصلاح والشفافية على كافة المستويات. ولكن ثمة ما يثير المخاوف من ان يكون الرئيس المقبل مؤمنا بذلك بحيث ان سواء كان الرئيس الجديد مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي او احمد شفيق فان الاثنين لايملكان قناعة باهمية الديمقراطية ولا حتى تصورا من شأنه ان يلبي تطلعات الثوارالمصريين والمواطن المصري العادي.

اما التحدي الاخر فهو انتشال المواطن المصري من التهميش الاقتصادي والاجتماعي في ظل ارتفاع نسبة البحث عن العمل إلى 24% بين الشباب مقابل 9% وفقًا للأرقام الرسمية. ويقول خبراء اقتصاديون ان 40 في المائة من سكان مصر يعيشون حول خط الفقر (أقل من دولارين في اليوم) وهذا ما يمثل التحدي الأكبر في تحقيق "زيادة مبتكرة لفرص العمل" مع "مساواة أكبر بين المصريين" ومن بين الوسائل الممكنة لتحقيق عدالة اجتماعية أكبر رفع الحد الأدنى للأجور في إطار إصلاح اقتصادي شامل. فقد خرج المصريون منذ اكثر من عام ونصف الى الشوارع للمطالبة بتحسين مستوى المعيشة وهم ينتظرون من الرئيس الجديد تحقيق ذلك. اما التحدي الثالث فهو اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع اسرائيل ويقول في هذا الصدد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيلفان شالوم، إن إسرائيل تولي معاهدة السلام مع مصر أهمية كبيرة وتتمنى أن تحترمها مصربعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقال شالوم إن المعاهدة التي وقعها الرئيس الأسبق أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن، برعاية أمريكية عام1979، تشكل «ركيزة مهمة لجميع الاتفاقيات المستقبلية».

وأعرب شالوم في حديث مع راديو إسرائيل عن أمله في أن تواصل القاهرة احترام معاهدة السلام بعد انتخاب رئيس مصري جديد. واحترام الرئيس المصري الجديد لاتفاقية كامب ديفيد او عدمه يجعله في موقف صعب للغاية نظرا لتعقيدات هذه الاتفاقية على المستويين الداخلي المصري والعربي ونظرا لما للعلاقة مع اسرائيل من انعكاس على موقع مصر في المنطقة. على اية حال هذه التحديات الثلاثة هي الاختبار الحقيقي للرئيس المصري الجديد في نقل مصر من مرحلة قاتمة الى مرحلة تحمل الكثير من التفاؤل بالعودة الى الريادة والقيادة.

..

* حسين عبدالله - كاتب لبناني

عن جريدة عمان العمانية

تعليقات: