قمة أخرى


منذ سبعة عقود تقريبا والعرب يعقدون قمما ويتخذون توصيات ولم يبدلوا تبديلا في الواقع. ومع قمة بغداد تكون القمم العادية أصبحت 23 قمة عدا 12 قمة استثنائية أخرى التقى فيها العرب تعانقوا وتبادلوا التحيات وأحيانا تعاتبوا وودعوا بالحفاوة التي استقبلوا بها وكفى الله المؤمنين شر القتال فلا التوصيات تتحول إلى قرارات ولا هناك أدنى التزام بالبيان الختامي الذي دائما يكون نتاج توافق الجميع.

لقد ترعرعنا على اسطوانة التضامن العربي وأصبحنا كهولا ولا نزال نسمعها دون أي معطيات جدية. فجامعة الدول العربية تأسست في عام 1945 على فكرة التضامن والتنسيق العربي ولكنها وبعد ثلاث سنوات فقط على تأسيسها كانت النكبة وضاعت فلسطين ولم يستطع العرب فعل أي شيء لها وما زالوا حتى الآن يدورون في حلقة التمنيات بتطبيق إسرائيل القرارات الدولية.

فمعظم القمم العربية إن لم نقل جميعها منذ عام 1946 حتى اليوم كانت فلسطين حاضرة كبند أسأسي في جدول الأعمال ففي 28 مايو عام 1946 في إنشاص في مصر، كانت أهم قراراته بحث القضية الفلسطينية والهجرة اليهودية.

وتمر الأيام وتعقد القمة تلو القمة حتى عام 1964 حين تخرج قمة القاهرة التي دعا إليها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بقرار إنشاء قيادة عربية موحدة. وتبعتها بعد أشهر قمة في الإسكندرية ومن أهم قراراتها إصدار خطة العمل العربي الجماعي لتحرير فلسطين والبدء بتنفيذ مشروعات استقلال نهر الأردن.

وجاءت قمة الخرطوم عام 1967 بعد الهزيمة العربية في حرب يونيو وتعلن لاءات ثلاث: لا للاعتراف لا للتفاوض، لا للصلح. وفوق هذه اللاءات زاد عليها العرب العمل على إزالة العدوان عن الأراضي الفلسطينية والعمل على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية. كلام كبير وجميل في آن ولكن لم ينتج شيئا على الأرض وبقيت إسرائيل على تعنتها ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية والعربية ولكن العرب استمروا في نهجهم الذي لم يثبت أية فعالية له وحاولوا إحداث نقلة نوعية في قراراتهم في مؤتمر الرباط عام 1969 عندما تحدثوا عن النية بوضع استراتيجية عربية لمواجهة إسرائيل لكن القادة العرب افترقوا قبل أن يصدر عنهم أي قرار أو بيان ختامي.

ويطول الكلام عن قرارات وتوصيات القمم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية ويطول معها الانتظار من تحويلها إلى قرارات مفعلة تتمتع بالحياة. لقد تعاطت إسرائيل وتتعاطى مع القمم العربية بلامبالاة كبيرة لأنها تدرك أبعاد قراراتها وهذا كان واضحا بشكل كبير مع المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 والتي تزامنت مع حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله. إنها نماذج قليلة من مسلسل طويل للقمم العربية التي ولّدت لدى المواطن العربي خيبة أمل كبيرة وشعورا بعجز القمم عن تحقيق حد أدنى من آماله وتطلعاته والذي لا يزال يتمسك بالجامعة كرابط قومي على الرغم من هشاشتها. من هنا من هذا المناخ السلبي ندخل إلى قمة بغداد الثالثة والعشرين في ترتيب القمم العربية العادية لنرى أنها لم تكن افضل حالا ممن سبقها، لا بل قمة بغداد هي القمة العربية التي شهدت انقساما عربيا كبيرا غير مسبوق بدأ حول مدى أهميتها. فقد أريد لها أن تكون قمة اقل من عادية في ظروف استثنائية. فخفض مستوى التمثيل فيها شكل رسالة واضحة إلى الحكومة العراقية، مفادها عدم الرضا عن تأثر السياسات العراقية بارتباطات أو حسابات مختلفة، وهو ما يعني إفشال القمة من ناحية التمثيل والحضور لإيصال رسالة ضمنية إلى الأشقاء في العراق حول زيادة تأثير أطراف معينة في السياسات والمواقف العراقية بشكل أو بآخر.

ومما لا شك فيه أن ضعف التمثيل في القمة يترك مفاعيله السلبية على قراراتها وتوصياتها وبالتالي تحولها إلى قمة لم تستطع مجاراة الآمال شأنها شأن القمم السابقة. فالعراقيون الذين بذلوا الكثير لانعقاد القمة على ارضهم كانوا يتطلعون إليها على أنها قمة الاعتراف العربي بالعملية السياسية العراقية.

وقمة عودة العراق إلى الحظيرة العربية بعد عزلة طويلة وسقوط نظام صدام وانسحاب القوات الأمريكية منه. لكن على الرغم من أهمية الانعقاد والظروف غير العادية التي تشهدها المنطقة إلا أنها لم تنجح في إخراج نفسها من شرنقة القم العربية السابقة فلا استعاد العراق بعدها مكانه الرئيسي والمحوري في الأمة العربية كما يرغب، ولا نجحت في إظهار تصور عربي واحد للأزمة السورية، فالعرب اجتمعوا وهم على خلاف في النظرة تجاه سوريا وانفضت القمة وهم اكثر خلافا، وباعتراف وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري «ان القرارات بخصوص فلسطين والأزمة السورية، أخذت نقاشات طويلة إلى أن توصلنا إلى صيغة مقبولة للجميع». على أية حال لا شيء يوحي بأن قمة بغداد ستنفذ القرارات التي اتخذتها، شأنها شأن القمم الأخرى، بل أنها ستنام إلى جانب قرارات القمم الأخرى وهي عادة عربية قديمة!!.


* حسين عبدالله - كاتب لبناني

hussein.abdallah@live.com

تعليقات: