وطن الوصاية

 وطن الوصاية
وطن الوصاية


وطن الوصاية .. لست هنا !!..

.. أظنّكم تذكرون معي تلك الوقفة الشاعريّة بين يديّ معلّم العربيّة, حين كنّا نصدح بأبيات إيليا أبو ماضي "وطن النّجوم أنا هنا.. حدّق أتذكر من أنا" ..

اليوم نحيا في وطن "النّجوم" ثانية, ولأنّ النّجوم عالية لا يُدرك سرّها, ترانا نتيه في أسرار نجومنا حدّ الضّلالة حيناً, والكفر أحيانا..

لله درّ نجومنا, سحرة, يقلبون ليلنا نهارا, ونهارنا ليلا, تُشعرنا بالتّخمة بعد الجوع العتيق مواعظهم, تلبسنا ثياب العزّ بعد ذلّ الفقر مواقفهم, تغمرنا بالسّلم والأمان بعد الخوف مراجلهم..

أولياء نعمتنا " أطال الله أعمارهم" أخذوا بمجامع قلوبنا, فأصبحوا الأدلّة لتلكم القلوب, فبهديهم نحبّ, وبهديهم نبغض, ونهب الحبّ لمن أحبّوا, ونضمر الحقد لمن أبغضوا.

سادتنا وقادتنا "المسدّدون بالصواب" سحروا عقولنا, فأعطتهم العقول تفويضاً عامّاً بالتفكير والتدبير, فهم عنّا يحكمون, وعنّا يفكّرون, وعنّا يقرّرون, وعنّا يحاربون, وعنّا يسالمون, وعنّا يعيشون.. فقط يعيشون!..

الأوصياء حقّا .. يقولون لنا : أنتم الشّعب العظيم, فنرتدي أثواب العظمة فوق أسمال الفقر والمذلّة, يقولون لنا: أنتم أهل القرار, فنصدق أنّنا كذلك, وحين يبري الواحد منّا قلمه تقمعه أجهزة الوصاية باسم الشعب, ولمصلحة الشّعب, ووحدة الأمّة ..

الأوصياء حقّا.. يجيدون أساليب التخدير, ولعبة التمويه, وحين يثمل الشّعب المحقون بأفيونهم يعلو التصفيق الشعبيّ, و تملأ هتافات التأييد الأعمى الفضاء المغمور بالعتمة ..

ممثلو الشّعب, نتاج ديموقراطيّة الزّفت والوعود, المولودون من خلف متاريس السماء والأرض, إفرازات القمع والجهل, جهابذة السياسة, يقولون لنا: فلان عدوّ فاتّخذوه عدوّا, فنغالي في عداوته, ويقولون لنا: فلان صديق فاتّخذوه حليفا, فنغالي في محبّته, هكذا نحن لا نعرف منطقة وسطى بين المحبّة والعداوة ..

القادة الملهمون.. يأمروننا بالنزول إلى الساحات فننزل, يأمروننا بترك السّاحات فنتركها, يسيرون بنا ناحية الموالاة فنوالي, ناحية المعارضة فنعارض, طيّعون نحن أبناء الشرق التليد ـ كما وصفنا أرسطو ـ ونألف سَوقَ العبيد ..

آباؤنا القيّمون.. يمتدحون طاعتنا, فنستزيد خنوعا, يمعنون في امتهاننا, فنحتمل احتمال الابن قسوة أبيه, يلقموننا المرّ فنتحلّى بالصبر, يجرّعوننا الذلّ فنتجمّل بالعزّ, يحرموننا النّور فنغنّي للّيل, يمنعوننا الدواء فنعتصر كلمات الله شفاء, يطعموننا اللّحم الفاسد فنخرّ شكوراً لله الواحد !!..

إلى وطن الوصاية ننتمي, حيث تموت الأحلام, ويتشرّد الجمال, وتسرع الشّمس في وداع الذرى كي لا تبتأس, حيث يثقل العشب بالدّمع, ويستحي الغصن بالعريّ, وتصوم البلابل عن شدو الصباح, حيث تصبح الحرية ضآلة, ويتحوّل النّاس أعدادا..

في زمن الوصاية على الفكر سيعود يوماً ذاك الغرير الأرعن ليهتف قائلا: وطن الوصاية لست هنا !..

بقلم : الشيخ محمد اسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: