«كنيسة سيدة الانتقال العجائبية» تزين النبطية من جديد

كنيسة السيدة في النبطية بحلتها الجديدة
كنيسة السيدة في النبطية بحلتها الجديدة


بعد تعرضها للاعتداءات الإسرائيلية إبان عدوان تموز 2006 وإصابتها بأضرار جسيمة، أعيد تأهيل وترميم «كنيسة سيدة الانتقال العجائبية للروم الكاثوليك» في مدينة النبطية، من ضمن الورشة التي طالت أماكن العبادة المسيحية والإسلامية في الجنوب. فكان أن لاقت تلك المبادرة استحسان القائمين على الكنيسة من المؤمنين ورجال الدين، وأهالي وفعاليات مدينة النبطية، لما تمثله إلى جانب «دير مار أنطونيوس» للطائفة المارونية، ومدرستي «الراهبات الأنطونيات» و«الإنجيلية» من رموز للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، الذين عاشوا مع بعضهم البعض مئات السنين، بالرغم من الظروف الصعبة التي عصفت بالمنطقة خلال الحقبة الأخيرة.

تعد كنيسة «السيدة» في النبطية واحدة من الكنائس التاريخية والأثرية التي تزين المدينة، وهي تشكل امتداداً للكنيسة القديمة العهد، التي شيدت في مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت تتألف من غرفتين وقبو فسيح، حيث كان المؤمنون يمارسون فيها شعائرهم الدينية. استمرت الكنيسة حتى العام 1898، حين قرر أهالي «حي المسيحيين» في النبطية بناء كنيسة جديدة، بعدما اقتضت الحاجة ذلك. ولتلك الغاية تم الاتصال بالسلطات الدينية لأخذ رأيها في المشروع، وتم ذلك بواسطة راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك آنذاك المطران باسيليوس الحجار، الذي توج عمله النبيل وسعيه الحثيث بتشييد بناء حجري جديد بالقرب من أنقاض البناء القديم. واستمر العمل في المشروع ثلاث سنوات، وقام بتنفيذه البناءان يعقوب ومخايل عزام، بمساعدة أهالي الحي، وبذلك تحققت إرادة وسعي أبناء الحي وتطلعاتهم، فعاشوا في رعاية كنيستهم تربطهم بجيرانهم من أبناء القرى والمزارع المجاورة أواصر متينة من الأخوة. ودشنت الكنيسة الجديدة في قداس احتفالي مهيب ترأسه المطران باسيليوس الحجار في العام 1901 وبمشاركة حشد كبير من كهنة المناطق والمواطنين والمدعوين.

في مئوية «كنيسة سيدة الانتقال العجائبية» وفي عهد المطران جورج كويتر، يوضح مختار النبطية وديع رحال، أن «أحد أبناء الرعية الأرشمندريت الياس داود جروان تبرع بمبلغ عشرين ألف دولار أميركي من أجل ترميم الكنيسة، وانتهى العمل بتحسين حدودها عبر سور من الباطون والحجر الصخري، وبتنظيف جدرانها وقرميدها وترميم سقفها وطلائه. وساهم في المشروع بمبالغ إضافية جوزيف الحجار وعائلته، ويوسف شفيق سعد، وآخرهم ميشال حنا رزق بمبلغ خمسين ألف دولار لترميم الكنيسة وبيت الوقف والمدافن».

يضيف رحال: «لقد رعى الكنيسة بعد إنشائها الخوري يواكيم بحوث قبل وفاته سنة 1904، بعد رعايته الكنيسة القديمة، بعده تسلم رعايتها الأرشمندريت أثناسيوس الصايغ، واستمر في مهامه حتى عجزه عام 1969. وقد عرف الصايغ بحكمته وانفتاحه وحسن تدبيره، وكانت تربطه علاقات خاصة وممتازة بأهالي النبطية، لا سيما مع إمام النبطية في ذلك الحين الشيخ الراحل محمد تقي الصادق. كما كان فطناً ومحباً للعلم والثقافة، ويجيد ثماني لغات منها العربية، والفرنسية، والتركية، واليونانية، والأرمنية والنورية. ودرّس في مدرسة صغيرة مجاورة للكنيسة، وقد زاره الجنرال غورو في منزله سنة 1925. وقلده وساماً رفيعاً تقديراً لمنزلته العلمية وثقافته الواسعة».

وإثر زلزال العام 1956، عمل الأب الصايغ على استبدال السقف الترابي للكنيسة بسقف من الإسمنت وقام برصف أرضها، ثم اشترى عقاراً مواجهاً للكنيسة يقام عليه حالياً بيت الوقف (الأنطش)، كما يقول المشرف على الكنيسة قيصر بو جفال، «وقد دفن الأرشمندريت الصايغ بعد وفاته في الكنيسة سنة 1971 بحسب وصيته، وكان قد عـُين قبل ذلك في العام 1969 ابن شقيقه الأب نقولا الصايغ ليتولى أمور الرعية بعد استدعائه من دير المخلص لتلك الغاية، واستمر في عمله حتى العام 1974». ويتابع أبو جفال: «في العام 1975 عَيـّن المطران باسيليوس الخوري الأب يوسف نخلة راعياً للكنيسة، بعدها ابتدأت الحرب الأهلية في لبنان، ونتيجة للقصف الذي تعرضت له النبطية سنة 1976، هجر معظم أهاليها منازلهم، وأصيبت الكنيسة بأضرار مادية، ونجا الأب يوسف نخلة مع عدد من المؤمنين أثناء ممارستهم شعائرهم الدينية داخل الكنيسة». وبالرغم من ذلك فقد بقيت أبواب الكنيسة مفتوحة في الآحاد والأعياد وبقي جرسها داعياً للمحبة والسلام كما يتذكر شكري رحال، أحد أبناء الرعية، أنه بعد عودة أهالي النبطية إلى منازلهم في العام 1982 عادت الحياة إلى الكنيسة من جديد بعد ترميمها، وكلـّف المطران أغناطيوس رعد رهبان دير مار أنطونيوس للطائفة المارونية في النبطية الفوقا وراهبات النبطية إدارة شؤونها، وكان من بين هؤلاء الأب يوسف العميل، باسيل القزي، جبرائيل عتمة، جريس نصر، يوسف القزي، وبولس الحلو.

أما آباء الروم الكاثوليك الذين شاركوا في قداديس الكنيسة فكان منهم المطران سليم غزال، والآباء ميشال حبيب، وسمير نهرا، وأنطوان صبحية، وسليمان حجار، وأنطوان سعد، وموسى الحاج، وجوزيف عبد الساتر، وهاني فرنسيس، وسليمان وهبي، والمطران إيلي بشارة الحداد، وغيرهم من الكهنة والمطارنة الكاثوليك.

تعليقات: