الإنسان: روح، نفس، وجسد


قال تعالى في كتابه الحكيم، "ويسألونك عن الروح. قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" الإسراء، ٨٥.

المخلوق الإنساني هو كائن حي مكوّن من تكوينات ثلاثة:

١) الروح

٢) النفس

٣) الجسد

لمعرفة هذة التكوينات الثلاثة لابأس بإن نعرّفها وشرح مكوّناتها وبهذا يراد وجه الله، والإستفادة العامة للقارئ الذي هو محورها لإنه، الإنسان.

الروح أولاً، وأخيراً هي من أمر الله، وهي إحدى أسراره التي مهما حاول العقل البشري تصوّرها فهي كخالقها يصعب تصورها لإنّ ماهيتها هي من روح الله. ما نفهمه عن الروح ووجودها في الجسد الإنساني، هي إنّ الروح قد توصف على أساس إنها المحرّك الحي الذي به ينعش هذا الجسد البشري وبدون وجودها في الجسد فإنه ميت وفان.

الله، عز وجل، عندما خاطب الملائكة وتحدث معهم عن آدم عليه السلام، قال، "وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (٢٨) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (الحجر، ٢٩

عليه فالروح توصف وقد تعرّف على أنها، محرّك حي، أو طاقة حية لا تموت مستمدة خلودها من خالق العباد الذي لا يموت. وبوجودها في الجسد البشري يبقى الإنسان حي وبخروجها من الجسد يتوقف الجسد وأعضائه عن الحركة ويموت الإنسان.

كيف تدخل الروح في الجسد؟

إنه إعجاز إلهي، وهو أن الله بقدرته ينفخ من روحه، من طاقته، من المحرّك الحي فيه جزء منه في الجسد الإنساني وهو في داخل الرحم الإنساني المغلّف بسر وإعجاز إلهي أخر. الروح عندما تدخل الجسد الإنساني فأن الجسد يتحرك ضمن دائرة القوانين الوضعية من ناحية النشوء الخلقي والتقويم الإلهي من النواحي العمرية للجسد من المهد إلى اللحد، أي من عمر الطفولة إلى عمر الشيخوخة ولحظة الخروج من الجسد عند الممات.

الروح على مراحلها تبقى هي، هي، والله أعلم. ولكن النشوء الخلقي: النفس، والجسد يتطوران بتطور الإنسان لهما والعمل على تنميتهما. هنا ننطلق إلى التكوين الخلقي الثاني الذي يتكوّن منه الإنسان ألا وهي، النفس.

النفس حسب فهمنا هي الذات الإنسانية المدركة. كل إنسان لديه، وكل إنسانة لديها نفس ذاتية فريدة، ومميّزة. هذة النفس تتطور بتطور الانسان لها والعمل على تربيتها. الله سبحانه وتعالى في مخاطبته الإنسان دائماً خاطب النفس. هنا يجب التذكير إنّ الروح هي خالدة لإنها من روح الله الخالدة، أمّا النفس فهي فانية وتموت. قال عز وجل. "كل نفس ذائقة الموت". والنفس الإنسانية حسب إدراكنا هي التي سوف تحاسب في عالم الآخرة وليست الروح، قال تعالى، "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" غافر، ١٧.

النفس هي الرابط بين المحرّك الحي (الروح)، وبين الجسد وخلاياه وأعضاؤه. هي الوسيلة الإدراكية التي تعطي الإشارات والأدراكات للخلايا والأعضاء في الجسد. ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يتفاعل مع جسده وعقله. هذة الوسيلة الإدراكية القابلة للتنمية والإرتقاء هي التي تخاطب من قبل خالقها جلّى وعلا.

في فترة حياة الإنسان، النفس تبقى ملازمة للروح مادام الإنسان على قيد الحياة. وتفارقها عند الممات. مكانها الأرضي هو الجسد الإنساني المخصص لها من قبل رب العباد، وتتوفى حين يشاء الله.

حسب إدراكنا للمفهوم الإلهي، النفس حين موتها ترتفع إلى عالم البرزخ، أي عالم الإنتظار إلى أن يحين يوم الحساب، يوم ينفخ في السور فتأتون أفواجاً، أي يوم المعاد. قال تعالى، "أن تقول نفس يحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين" الزمر، ٥٦.

النفس هي القدرة الإدراكية للإنسان وتتميّز بتميّز الإنسان وإدرآكه، وبما تتعرّض له من تجارب وتنمية من قبل الإنسان. هي باقية في الجسد ما دام الإنسان حي يرزق. وتموت حسب مشيئة الله وقدره بخصوص العمر المكلّف للإنسان.

قال تعالى، "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الإخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون" الزمر. ٤٢.

النفس الإنسانية هي أنفس في نفس واحدة. هناك النفس المؤمنة المسلّمة بإمر الله وتبقى في جسد الإنسان إلى أن يفنى وبعدها تذهب إلى عالم البرزخ، وهناك النفس الجاحدة. والنفس اللوامة، والنفس المذنبة العاصية، والنفس التائبة. وهناك النفس المدركة. حالات النفس الإنسانية تتغيّر بقدر تنميتها من الإنسان نفسه وهذة التنمية تتم من خلال العقل الإنساني المدرك والواعي.

التذكير هنا، إن الروح هي الطاقة الحية، المحرّك الحي الذي يبث في النفس الإنسانية والجسد الإنساني الحياة. هذا المحرّك الحي هو من أمر الله وهو خالد لا يموت. أمّا النفس فهي فانية وتموت. ومن هنا ننتقل إلى التكوين الثالث في الإنسان، وهو الجسد الإنساني.

قال عز وجل،

"إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِين * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ" صدق الله العظيم

هذا الجسد المخلوق من طين، هو جسد الإنسان البشري، ويقسّم إلى نوعين : النوع الذكري، والنوع ألإنثوي.

النوع الذكري، أي الذكر، ويعرف في المجتمعات بإسم الرجل. وهو من سلالة أبو البشرية، سيدنا آدم، عليه السلام. وخلق من طين حسب التقديم الإلهي للإنسان وخلقه.

- النوع ألإنثوي، أي ألأنثى، وتعرف في المجتمعات بإسم المرأة، وهي من سلالة سيدتنا حواء، عليه السلام، كما آدم، وخلقت من طين.

هذان النوعان من البشر هما ما يوصف بالإنسان. وهذا الإنسان له مهمة في الحياة وهي عبادة الله خالصاً لوجهه الكريم والإبتعاد عن الموبقات وعن إثم الشيطان الرجيم.

والحمد لله رب العالمين.


* بقلم: الدكتور إبراهيم محمد خريس

تعليقات: