ثلثا المجلس النيابيّ «طش»: لا تشريع ولا خدمات

ثلثا المجلس النيابيّ «طش»: لا تشريع ولا خدمات
ثلثا المجلس النيابيّ «طش»: لا تشريع ولا خدمات




لبنانياً، ارتبط اسم النائب بالخدمات أولاً والتشريع أخيراً. ففي انتظار قيام الدولة التي تعطي كل صاحب حق حقه، يلعب النائب ــ بصفته ممثلاً للشعب أمام المؤسسات الرسمية ــ دور مرجعية يقصدها المواطن ليوسّطها بينه وبين مؤسسات الدولة. لكن المحادل السياسية ملأت المجلس أخيراً بنواب لا يفهمون حتّى في الخدمات

اسألوا البقاع الغربي عن إيلي الفرزلي وعن... أنطوان سعد. الثاني نائب حلّ محل الأول في المجلس النيابي منذ ست سنوات. يجيبكم الغربي أن للأول في السياسة صولات وفي التشريع جولات، وله في كل منزل تقريباً فوق الخدمة زيارات اجتماعية وحبّة مسك. فيما يحيلكم الغربي على النائب وليد جنبلاط ليجيبكم بشأن الثاني: البيك سمّاه ونحن انتخبناه، وإن رأيناه في الطريق ما عرفناه: في السياسة غائب، في التشريع غائب ولا تسألوا! في الخدمات هو الغياب.

يمكن النائب غسان مخيبر أن يواجه ناخبيه بعد سنتين بكدسة قوانين قائلاً إنه لعب دوره كاملاً كمشرّع ليؤمن بعض الإصلاح لحياتهم العامة. فيما يمكن زميله نبيل نقولا الادعاء أمام ناخبيه أنه عبّر عنهم سياسياً سواء في المجلس النيابي أو على التلفزيونات. لكن الناخبين أنفسهم سيفاجأون بوجود مرشح اسمه ادغار معلوف، وستكبر مفاجأتهم حين يكتشفون أن حضرته كان نائباً يمثلهم لدورتين متتاليتين. حطم le grand papa، كما يسميه عونيو المتن، كل الأرقام القياسية: ولا خدمة، ولا موقف سياسي ولا أية مشاركة تشريعية. لكن معلوف وسعد ليسا وحيدين، يزاحمهما كثيرون على لقب النائب الأكثر خمولاً.

فبموازاة اكتفاء بعض النواب من مهامهم «السياسية» بالتصفيق لرؤساء كتلهم وعدم تقديمهم أي تشريعي جديد، يتجاهل هؤلاء تماماً المهام الخدماتية التقليدية التي يجب على النواب حملها في ظل فساد مؤسسات الدولة. بوضوح أكثر: ثمة نواب لا يفعلون أي شيء يفيد ناخبيهم، لا بالجملة ولا بالمفرق.

معلوف الأول. سعد الثاني. هنري الحلو في عاليه الثالث: يروي رئيس أحد المجالس البلدية في عاليه أنه طلب خدمة مرة من الحلو في مجلس جنبلاطي فقام الأخير بنقل الطلب كما سمعه حرفياً إلى النائب أكرم شهيب، فصارحه الريس قائلاً: «كنت فقط أختبرك، أعرف شهيب أكثر بكثير مما أعرفك». يروى في عاليه أن إيجاد بلدة دوير الرمان ولقاء مختارها زياد أصفر لطلب خدمة أفضل من الرهان على نائب المنطقة فؤاد السعد لتحقيق هذه الخدمة. سجل إذاً: السعد رابع. طلال إرسلان الخامس، رغم حب جيلبرت زوين للرقم خمسة كما أظهرت انتخابات كسروان 2005 و2009. زوين السادسة: أبوابها موصدة وتلفونها خارج نطاق الخدمة (حالياً دائماً) تردد أن «عائلتها معها والجنرال يحبها فما عليها». زميلها الكسرواني يوسف خليل السابع. سليم سلهب الثامن: سماعته ضالة كل من ينشد استشارة بشأن البروستات وما حولها، أما غير ذلك في الخدمات والسياسة والتشريع فليس سلهب بضليع. فليكن فادي الأعور التاسع. عصام صوايا ــ الغائب حتى عن تويتر ــ هو العاشر (رغم ان غيابه ربما يكون مبرراً). إيلي عون الحادي عشر. وثمة جدياً ــ لا مزحاً ــ عضو في المجلس النيابي يدعى إيلي عون. تمام سلام الثاني عشر. لتحصل نايلة تويني على رقم النحس. ويغدو دوري شمعون الرابع عشر: يروى أن النائب وليد جنبلاط يفكر جدياً في تقديم جائزة مادية للشوفيّ الذي «يدهشنا فيبلغنا أن دوري خدمه». جبيل تشهد على خدمات وليد خوري الخامس عشر وعباس الهاشم السادس عشر. ويطول العد حتى تحضر قصيدة الشاعر البيروتي عمر الزعني: «النواب كانوا عشرين، عملوهن خمسة وخمسين، زادوهن سبعة وسبعين، صاروا إم اربعة واربعين، قالو بكرا ستة وستين، ولو صاروا تسعة وتسعين، ودركبوهن للمية، الحالة هيي هيي».

بيروت تعرف من نوابها سعد الحريري. لا يسأل أحد من ناخبيها أين يقع منزل باسم الشاب أو سيرج طورسركيسيان أو نبيل دو فريج أو عمار الحوري في حال اضطر أن يطرق بابهم بعد منتصف الليل طلباً لخدمة طارئة.

ومن بيروت والجبل إلى بعلبك ــ الهرمل، يروى أن النائب الراحل إميل لحود (عم الرئيس) كان وزيراً للأشغال في بداية الخمسينيات حين قرر زيارة الهرمل. خضّت وعورة الطريق بطنه ونفسيته، فبادر زعيم المنطقة صبري حمادة إلى القول: «طريق الهرمل يا عين.. كل جورة فيها مترين.. لو كان (...) مطرح صبري.. كان زفّتها من سنتين». ذهب صبري وأتى نوار و«تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي». في الهرمل لا يتجاوز عدد الضباط في الجيش أصابع اليد واحدة وليس في سلك الأمن العام ضابط هرمليّ واحد. من ايام صبري بيك ليس للهرمل مدير عام واحد في الدولة. نسبة الموظفين الهرمليين في سرايا الهرمل نفسها لا تتجاوز عشرة في المئة. لا مفرزة سير في الهرمل. فيما عديد عناصر الأمن الداخلي في مخفر بلدة القاع أكثر ثلاث مرات من عديدهم في مخفر مدينة الهرمل. وتطول قائمة الحرمان. النواب هنا مشغولون بخطب الممانعة. تسألهم عن الزفت يخبرون عن العدو الغاشم، تطالبهم بخدمة يطالبونك بالصمود في وجه الحملة الامبريالية، تقول لهم تين يجيبونك الموز أفضل لقتال اسرائيل. يصف النائب علي المقداد تزفيت «بعض الطرقات العامة» هنا وترميم بعض المدارس وتوفير المياه لبعض البلدات بـ«القفزة النوعية»، معترفاً بأن إنجازات النواب الجدد لا تُرى في بعلبك ــــ الهرمل لأنها «من البديهيات». وهناك، بحسبه، مكتب لنواب كل منطقة يستقبل المراجعات، فيما يحضر النواب بأنفسهم في هذا المكتب نهاية كل أسبوع. ويفضل ــ مع ضحكة ــ أن يسمي نفسه لموقع «النائب الأكسل» رداً على سؤال بهذا الخصوص. واللافت إصرار حزب الله على اختيار نواب تحول ضروراتهم الأمنية دون تمكنهم من لعب أي دور، سواء كان سياسياً أو خدماتياً أو تشريعياً. فـ«الاجراءات الأمنية» تفرض على النائب حسين الموسوي التنقل محاطاً بأربع سيارات مرافقة على الأقل، مما يحول دون اقتراب الأهالي من سيارته. أما النواب الآخرون فلم يبذلوا أي جهد لملء فراغ زملائهم أو فراغ أنفسهم. فالنائب نوار الساحلي، كما يروي أحد المتابعين، انتقل بسرعة فور انتخابه من «الساحلي ــ صديق الحزب» إلى «الحاج نوار»، مجرياً على حياته كل «التعديلات الروحية والعائلية والاجتماعية» ليغدو مجرد جزء من الحزب بدل أن يؤسس لحالة خاصة تستفيد من نفوذ الحزب، تخفف عنه خدماتياً عبر مؤسسات الدولة وتفيده انتخابياً عبر اجتذاب الناخبين غير الحزبيين. فيما عاصم قانصوه لا يحب الخدمات، ولو أحبها لحوّل الهرمل ــ بفضل نفوذه في المرحلة السابقة ــ إلى جنة، ولضمن فوز منزله بزعامة المنطقة مهما حصل. وهكذا دواليك جميع الآخرين، حتى لا يكاد يبقى من نواب الهرمل غير النائب مروان فارس الذي يواظب على جرّ نفسه يومياً بين الوزارات والإدارات الرسمية محاولاً توفير الحد الأدنى من الخدمات التقليدية لناخبيه. مع العلم أن الموظفين في بعض هذه الوزارات ــ خصوصاً الشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة والصحة والاتصالات والسياحة ــ يشهدون أنهم لم يروا يوماً في أروقة وزاراتهم أياً من نواب هذه الدائرة. ولا غرابة فسعاداتهم مشغولون بالاجتماعات الأسبوعية وإصدار البيانات. هو نفسه البيان يعيدون توزيعه كل بضعة أسابيع: «نواب بعلبك ــ الهرمل يؤكدون دعمهم خيار المقاومة، ويشددون على منع الانزلاق الى الفتنة، ويستغربون المماطلة (...)».

ومن البقاع إلى الجنوب، لا يمكن دخول المحافظة الصفراء من دون استذكار الخبرية المنسوبة لأحمد الأسعد الجدّ حين رد على الجنوبيين المطالبين بإنشاء مدرسة: لشو المدرسة، عم نعلّملكم كامل. هكذا يتصرف «الحزب»، فما دامت مؤسساته تعمل، لا حاجة إلى مؤسسات الدولة. المشكلة مع نواب حزب الله هي نفسها: من سيطرق باب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ليطلب تدخله عند شركة الكهرباء لحل مشكلة في الفاتورة أو ليحثه على توظيف ابنه في وزارة البيئة؟ النائب علي فياض يقدم نفسه أستاذاً جامعيّاً معنياً بالتشريع لا معلم ورشة معنياً بالتزفيت. الوزير محمد فنيش قائد هو الآخر في الحزب لا يجوز شغله برخصة لبناء مخالف هنا وواسطة لتسريع محاكمة هناك. حسن فضل الله يحاول أن يلعبها «ميكس» على طريقتي غسان مخيبر ونبيل نقولا. يبقى نواف الموسوي، الذي يحاول فتح منزله وتلبية ناخبيه ببعض الخدمات الصغيرة الضرورية. والأكيد هنا أن غياب نواب حزب الله على الصعيد الخدماتي يمثل عنصر قوة أساسياً بالنسبة لنواب حركة أمل الذين يحاولون ملء فراغ الحزب.

إلى الشمال در، حين تُسأل البترون عن نوابها، تروي أن أحدهم زار مرة طبيباً فما كاد هذا يقرّب الآلة الكهربائية منه لكي البواسير التي تؤلمه حتى بدأ بالضحك، وهكذا على ثلاث مرات حتى سأله الطبيب عما يدفعه إلى الضحك بدل البكاء من الوجع، فأجابه بنكتة من مسرحية «كاسك يا وطن» لدريد لحام: «عم بضحك لأن الكهربا وصلت ع قفايي... وبعد ما وصلت ع ضيعتي». النائب بطرس حرب كرس حيثيته بترونياً بفضل الخدمات، ورغم كل الجهد الذي يبذله الوزير جبران باسيل لتعزيز حضوره في البترون من خلال وزارات الدولة لا يزال حرب هو المحجة لكل من يريد وظيفة في الدولة أو خدمة من إحدى مؤسساتها. وأثبتت التجربة الأخيرة أن حرب أقدر اليوم من باسيل على التعيين في إدارات الدولة، حتى في الجامعة اللبنانية في عهد رئيسها الجديد عدنان السيد حسين القريب من حزب الله.

يُروى في البترون أيضاً أن ربة بيت قالت لمنوال يونس في ختام زيارة انتخابية: «يا دكتور إبني مريض يا ريت بتشفلي شو بو». فأجابها: «أنا لست دكتور صحة، أنا دكتور فلسفة». فردت عليه ببساطة: «وبلكي إبني مريض بالفلسفة». النائب فريد مكاري فهم أن ليس بالفلسفة التشريعية والتفلسف السياسي (وحدهما) يحيا النائب، فانكب على الخدمات. زميله نقولا غصن لم يتعظ من تجربة مكاري التي جعلته رقماً يصعب تجاوزه في الكورة اياً كان وضع تيار المستقبل. غصن غائب. فريد حبيب غائب أيضاً.

في طرابلس للغياب صورة بلا صوت: بدر ونوس. مشهد ونوس في قهوة «أمواج» في المينا يختصر شخص النائب الذي يستهدفه هذا التحقيق. نائب يرتشف الفنجان تلو الفنجان، متفرجاً على الأمواج. طرابلسياً يزاحم نائب «قلعة المسلمين» سامر سعادة زميله إدغار معلوف جدياً على لقب «النائب الأكثر خمولاً». أحمد كرامي «ما إله طشم الخدمات»، لا تجده في العير ولا في النفير. النائب روبير فاضل أبلغ من يعنيهم الأمر فور انتخابه نائباً بوجوب تحييده خدماتياً، بعد اقفاله «مزاريب الهدر» التي فتحها والده في معظم أنحاء المدينة. ومن طرابلس إلى عكار، يتسابق أربعة نواب من أصل سبعة على الفوز بلقب «النائب الطش». لقب كان فوز قاسم عبد العزيز به محسوماً في المنية ــ الضنية. بينما يزاحم سليم كرم إسطفان الدويهي عليه في زغرتا.

في النتيجة يتبين أن نحو ثلثي أعضاء المجلس النيابي لا يفعلون شيئاً أبداً لا في المجلس النيابي ولا في المناطق التي انتخبتهم، ولا ما بينهما في الإعلام وإثارة الرأي العام. هذا الرأي العام الذي يصفه الكاتب سعيد تقي الدين بالبغل، البغل الذي يعيد انتخابهم.

..

..

زحلة : ماروني لـ «العزايم» ونوّاب بلا عناوين

زحلة تضحك. يروى هناك أن إيلي ماروني لا يخرج من منزله إلا إذا كان «معزوماً» من إحدى الجمعيات إلى عشاء تتضمن لائحة طعامه الـ«fruits de mer». والخدمة الوحيدة التي يقدمها لناخبيه هي إشارة مجلس النواب الزرقاء التي يوزعها ماروني كحب الملبّس على محبيه. في ظل اتهام بعض الزحليين إحدى المقربات منه بتقاضي مئتي دولار عن كل ملف ينجزه الوزير السابق في صندوق المهجرين. مع تأكيد بعض الكتائبيين ابدال نائبهم شعار «الله ــ الوطن ــ العائلة» بـ «الإعلام ــ الهوليداي بيتش ــ بوب زلاقط». وبالمناسبة تفيدكم «الأخبار» أن «السيسي» الزحلاوي الشهير يعزم من ينعم عليه ماروني بالرد على اتصالاته الهاتفية، ببطحة عرق.

زحلة كلها تشكر الرئيس سعد الحريري على الخدمات التي يوفّرها لمدينتهم بواسطة نائبه عقاب صقر. عقاب بالقلب وصقر أولاً، تهتف المدينة. جدياً ثمة جمعيات ومجموعات تجهل عناوين سكن بعض نواب المدينة لترسل لهم بطاقات الدعوة إلى نشاطاتها، أو ثمة نواب بلا عناوين. ولا يمكن الجمعيات إرسال الدعوات إلى المجلس النيابي لأن سعاداتهم لا يزورون المجلس إلا في المناسبات الكبيرة.

ثلثا النوّاب لا يفعلون شيئاً لا في المجلس ولا في المناطق التي انتخبتهم (أرشيف - هيثم الموسوي)
ثلثا النوّاب لا يفعلون شيئاً لا في المجلس ولا في المناطق التي انتخبتهم (أرشيف - هيثم الموسوي)


النائب إيلي ماروني
النائب إيلي ماروني


تعليقات: