المياه الآسنة وزيبار الزيتون يفتكان بسهل الخيام

بؤرة المياه الآسنة شمال شرق بلدة كفركلا
بؤرة المياه الآسنة شمال شرق بلدة كفركلا


تحولت الحفر الكبيرة في جنوب سهل الخيام، شمالي شرق بلدة كفركلا؛ وشمالي غرب مستعمرة المطلة، إلى بؤر للمياه الآسنة الناجمة عن رمي مياه معاصر الزيتون والزيبار، فضلاً عن مياه الصرف الصحي، ما يجعل الروائح المشبعة بالتفاعلات الغازية، تتسرب إلى مئات الأمتار بعيداً عن مكان انتشارها. وتقع هذه الحفر التي كان العدو الإسرائيلي قد ترك بعضها قبل انسحابه من الأطراف الجنوبية لسهل الخيام صيف عام 2000، ثم وسعتها ورش تابعة لوقف المطرانية الكاثوليكية في مرجعيون، بعدما باعت كميات كبيرة من أتربتها الخصبة، في محيط زراعي، وقد سببت المياه الآسنة المخلوطة بزيبار الزيتون تلفاً وحرق أي موسم يحاول أصحاب الحقول زرعه هناك.

وذكر مواطنون يقطنون على بعد مسافة قريبة من البرك «الآسنة» أنه سبق لعدد من أصحاب معاصر الزيتون في كفركلا ودير ميماس وقرى الجوار، رمي مادة «زيبار» الزيتون والمياه الآسنة المترتبة من هذه المعاصر في الحفر، من دون أي رادع يردعهم. ثم راح عدد من المواطنين ينقل مياه الجور الصحية إليها؛ وأكد بعض «الجيران» أن دوريات لقوى الأمن كمنت لبعض الصهاريج التي تنقل هذه المواد الآسنة وحررت محاضر مخالفات بأصحابها، «بيد أن ذلك لم يمنع تسللهم ليلاً لمواصلة عملهم». وطالب الأهالي هناك، في ظل تفاقم الوضع وازدياد الروائح المنبعثة من الحفر، البرك، وتكاثر الحشرات والبعوض، وخصوصاً على أبواب الصيف، بلديات الخيام وكفركلا وبرج الملوك ودير ميماس، المعنية تقريباً بهذه الحفر، التدخل للحد من مفاعيلها السيئة، ومنع ازدياد تفاقمها.

سهل الخيام... أرض بور

أصحاب الأراضي هجروها في ظل الاحتلال سابقاً وبسبب الإهمال لاحقاً

تتفوّق العشب البرّي، على كل شيء في سهل الخيام... فهذا السهل الذي تصل مساحته إلى 50 ألف دونم، لم تعد تحتل الزراعات الموسمية فيه سوى مئة دونم بالإضافة إلى بضع من الدونمات مستغلة في زراعة القمح

كأن سهل الخيام يتمرد على مزارعيه، أو كأن المزارعين يجافون السهل، هي قطيعة غير معلنة، يردّها بعض المزارعين إلى تكلفة الزراعة التي لا ترد «أتعابها»، وندرة المياه، بعدما كانت مياه «الدردارة» و«الرقيقة» ترويه على مدار العام؛ وقبل هذا أو ذاك، يردّون القطيعة إلى هجرة اليد العاملة الزراعية التي تمثل العمود الفقري لهذا القطاع...

فأصحاب الأرض والحقول، هجروا حقولهم بسبب الاحتلال المباشر الذي استمر نحو ربع قرن، واستمرت هجرتهم لاحقاً، بسبب غياب الإرشاد الزراعي والدعم الحكومي بعد التحرير في عام 2000، أما العمال الزراعيون فهجروا السهل في ظل الاحتلال للعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقابل أجور مرتفعة بالدولار الأميركي... ولم تعد الأجور المتدنية بالليرة تناسب مستوى معيشتهم.

أكلاف مرتفعة

نحو 70 دونماً من البندورة والخيار والباذنجان والفلفل هي زراعة محمد إبراهيم الحاج، لأراض مستأجرة بالضمان، مقابل خمسين ألف ليرة في السنة، للدونم الواحد «وهذا ليس المهم في الأمر، بل كلفة الشتول والأسمدة وشبكات الري بالتنقيط، لتبلغ كلفة الدونم الواحد من البندورة نحو ألف دولار أميركي، تدر بعض الأرباح إذا كانت الاسعار جيدة، وإذا تراجعت فالخسارة لا محالة».

يشتغل في الزراعة والقطاف عمال غير لبنانيين، مقابل مبلغ 15 ألف ليرة للعاملة و25 ألف ليرة للعامل، وتكاد اليد العاملة اللبنانية تكون نادرة في سهل الخيام، إلا إذا كان المزارعون من عائلة واحدة في حقول خاصة بهم، لا تزيد على دونم واحد أو اثنين. أما الرّي فمن بعض ما تلفظه نبع «الرقيقة» أو بركة «الدردارة» بواسطة مضخات خاصة أو جرارات زراعية، إذ يغيب العمل بقنوات الرّيّ التي تعرضت خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي للتلف أو التدمير ولم يأت من يصلحها أو يرممها.

مغامرة كبيرة

وتقتصر زراعات السهل على مواسم الصيف، بسبب برودة الطقس شتاءً وغرق السهل الواقع في منخفض بين مجموعة تلال، في المياه التي تحوّل أكثر حقوله إلى مستنقعات. وبسبب غياب الزراعة سنوات طويلة بسبب الاحتلال، تحتاج حقول السهل إلى ورش مستمرة وإعادة استصلاح. ويشير الحاج إلى أنه قام بتنظيف الحقول أكثر من عشر مرات، ولا تزال الأعشاب تنبت بكثرة وتغلب الزرع في أحيان كثيرة، «يعني أننا نحتاج إلى رعاية الزرع، وفي الوقت عينه متابعة نمو العشب الذي لو ترك لأكل حيوية النبات».

ويقول الحاج «إن العمل في السهل مغامرة كبيرة، إذ إن انهيار أسعار السلع في ظل غياب حماية الدولة ووزارة الزراعة، قد يلحق بالمزارعين خسارة كبيرة؛ وعلى المزارع أن يدفع ثمن الأسمدة قبل استخدامها، والعامل لا يترك الحقل مساء قبل حصوله على أجرته اليومية؛ والأسعار في الموسم الجيد تأتي على الشكل الآتي: شرحة البندورة 20 كيلوغراماً بـ4 آلاف ليرة لبنانية؛ والخيار كذلك، وشرحة الباذنجان بين ألفين و3 آلاف ليرة، والفليفلة الحلوة والحرة بين 2500 و3 آلاف ليرة».

ويؤكد أنه المزارع الوحيد الذي يزرع هذه المساحة في سهل الخيام؛ «أما غالبية المزراعين فقد لا تتعدى مساحة كل واحد دونماً أو دونمين، ومعظم المزارعين أو أصحاب الحقول في السهل يبذرونها بالقمح ويتركونها إلى موسم الحصاد، فيستفيدون من بيع الحبوب أو مونة البيت، ومن بيع التبن علفاً للحيوانات، من دون أي تكاليف أخرى، كالرعاية أو الري أو رش الاسمدة».

خسارة حرب تموز

خسر مزارعو السهل، العام الماضي، كل موسم زراعتهم الصيفية، إذ بدأ العدوان بعد اسبوع على موسم القطاف، واستمر 33 يوماً، بعدما ذهب الثمر كله اهتراءً ويباساً.

يقول الحاج: «خسارتي أكثر من خمسين ألف دولار، مع المعدات والمضخات وشبكة الري والمرشات؛ ننتظر التعويض، ولم نقبض قرشاً واحداً حتى الآن. ومع ذلك، أحضر العمال في كل يوم، يقطفون ويأخذون أجورهم قبل مغادرة الحقل، أحمل المحاصيل اليومية في شاحنتي الصغيرة وأنقلها إلى السوق وفق السعر الذي تفرضه السوق، مع دفع الكومسيون لأنني أجد نفسي في الزراعة بدلاً من العمل عند الناس بشروط لا أحتملها، وأرضى باليسير ولا أطمح لجمع ثروة من الزراعة».

--------------------------------------------------------------------------------

جغرافيا السهل

يبلغ طول سهل الخيام نحو خمسة كيلومترات وعرضه كيلومتراً واحداً، يزيد أو يتدنى في بعض الأماكن. تحيط به الخيام على طول مساحته الشرقية، ودبين ومرجعيون من الشمال والشمال الغربي، والقليعة وبرج الملوك من الغرب؛ ومستعمرة المطلة من الجنوب، وكفركلا ودير ميماس من الجنوب الغربي. فيه بعض البساتين كالدراق والخوخ والأفوكا؛ معظم أراضيه بور، وقد حولته الدبابات الاسرائيلية في عدوان 2006 مرتعاً لجنازيرها ومربضاً لمدفعياتها الثقيلة، ومسرحاً لتقدمها نحو الخيام التي عجزت عن احتلالها ونحو القليعة وبرج الملوك ومرجعيون، الأمر الذي تسبب بأضرار جسيمة في الكروم المتواضعة وضياع موسم الصيف بأكمله عند المزارعين.

سهل الخيام (كامل جابر)
سهل الخيام (كامل جابر)


تعليقات: