برغز .. نموذج القرى المنسيّة

برغز .. نموذج القرى المنسيّة
برغز .. نموذج القرى المنسيّة


برغز ـ

برغز، قرية منسية في قضاء حاصبيا، عدد سكانها الأساسيين مئتي نسمة جلّهم يعيش خارجها ولم يبق منهم في البلدة سوى خمسة عشر شخصا تحتضنهم خمسة منازل يعود بناؤها لمئة عام وأكثر، مورد رزقهم يقتصر على الزراعة وتربية النحل والمواشي، هؤلاء يشكون من شظف العيش وقلة الإهتمام والحرمان المزمن الذي تعيشه البلدة ما جعلها تبدو وكأنها خارج خارطة الدولة، معتبرين ان سبب هجر البلدة يعود للتقصير الحاصل بحقها والإهمال في تأمين الحد الأدنى من المتطلبات الحياتية وفي مقدمها تأهيل وتعبيد الطريق الذي يصل البلدة بجاراتها وشق طرق زراعية وبناء الجسر، الذي دمره العدو الإسرائيلي ابان عدوان تموز 2006، حيث كان يربط بين ضفتي نهر الليطاني والأراضي الزراعية المحيطة بمجرى النهر، كل ذلك زاد من غربة ابنائها وهجرهم وباتوا لا يتذكرونها الا في المناسبات ولجني محصولهم من الزيتون والحمضيات.

اما أبو غسان، اسماعيل حرفوش الذي قارب الثمانين من العمر، لم يفقد كثيرا من حماسته تجاه بلدته، مطالبا ومناشدا كل من تقع عينه عليه بحقوقها، وهو يبقى حارسها الأمين ومختارها بالتزكية منذ اكثر من اربعين عاما ليس بسبب سطوة او سلطة يفرضها، انما لعدم وجود شخص آخر ينافسه على تحمل هذا العبء ويأخذ على عاتقه مسؤولية المطالبة بحقوق البلدة وحاجاتها الملحة.

المختار ابو غسان، الذي يعيش وزوجته في منزل قديم قدم البلدة فيما ابناؤه يعيشون في بلدات اخرى لصعوبة العيش في قريتهم، يبدو كما لو انه حارس البلدة الذي ما زال مصرا على تأمين المستطاع لبلدته وللقاطنين فيها من خلال رفع الصوت في وجه المسؤولين، معتبرا انه في حال وجود بنى تحتية وطرق ومدرسة ومياه وكهرباء اسوة بباقي قرى المنطقة كان من الممكن عودة ابنائها اليها والسكن فيها، "ونحن طالبنا وزارة الأشغال اعادة تأهيل الطريق الرئيسي للبلدة والطرق الداخلية على قلتها وشق طرق زراعية ولكن حتى اليوم لم نلق آذانا صاغية"، متسائلا، "أيعقل ان تكون كل الطرق قد فلشت بالإسفلت الا طرق بلدتنا؟ متمنيا على الوزير غازي العريضي "الإهتمام بنا اقله اسوة بغيرنا"، مضيفا، "وايضا هناك جسر منذ ايام الفرنسيين يربط البلدة بالجانب الآخر من نهر الليطاني قصفه العدو الإسرائيلي في حرب تموز مع غيره من اقنية المياه التي تروي بساتيننا الزراعية على ضفاف الليطاني وحتى اليوم لم يعد إعمارها".

ويلفت الى ان مياه البلدة تؤمن عبر جرها من "نبعة الوادي" في اطراف البلدة الى خزان يوزع المياه الى المنازل بواسطة قساطل مكشوفة، وما ان يحل فصل الصيف حتى تجف مياه النبع والخزان معها، "عندها نقوم بشراء المياه للشرب ولري محاصيلنا الزراعية، وفي الكثير من الأحيان تصلنا المياه بواسطة صهاريج تابعة للوحدات الماليزية والإسبانية والهندية العاملة ضمن قوات اليونيفيل، وقد انشأت لنا الكتيبة الإسبانية مستوصفا طبيا يقوم اطباء من الكتيبة الماليزية بمعاينة اهل البلدة كل اسبوعين تقريبا".

ولا يكل ابو غسان بمناشدة المعنيين والمسؤولين في الدولة كلما سنحت له الفرصة لذلك، آملا من نواب المنطقة خصوصا الإلتفات نحو قريته وايلائها الإهتمام اللازم حفاظا على ما تبقى منها، وان الإهمال اللاحق بها غير مقبول وغير مبرر من اي مسؤول، متسائلا، "ألسنا من هذه الدولة ولنا حقوق عليها، في وقت لا نتأخر فيه عن دفع ما يتوجب علينا؟".

ياسر حسنية "ابو دانيال" الذي يعيش وزوجته وولداه في البلدة، يؤمن قوت العائلة من الزراعة وتربية النحل، يقول :"عندي ولدين يتعلمان في حاصبيا لعدم وجود مدرسة في البلدة، صحيح ان الحياة صعبة هنا خاصة على ولدي ولكن هنا عشنا وتربينا ونتمنى ان يعيش اولادنا فيها من بعدنا، ولكن هناك متطلبات بالحد الأدنى للإستمرار في الحياة".

ويشير الى ان البلدة تشرف على مجرى نهر الليطاني "وأي تحسين في بناها التحتية وطرقاتها لا سيما الطريق الرئيسي وجسر فوق النهر قد يشجع الإستثمار عند ضفاف النهر باقامة منتجعات سياحية ومطاعم لما في هذه المنطقة من جمال في الطبيعة، ما يشجع ابناءها على العودة اليها ويحولها من بلدة تعتاش على الزراعة وتربية النحل والمواشي الى بلدة سياحية وقبلة للمصطافين في فصل الصيف"، داعيا ابناء البلدة الى العودة اليها والسكن فيها والمطالبة بتأمين مطالبها المحقة والمشروعة.

ولده دانيال يتعلم في حاصبيا وهو في الصف السابع الأساسي، يشير الى انه ليس مسرورا كثيرا في البلدة لعدم وجود اولاد من عمره سوى واحد، ورغم حبه للبلدة والطبيعة فيها الا انه يطمح لأن ينهي المرحلة الثانوية وترك البلدة لتامين حياة افضل لصعوبة العيش فيها واقتصارها على القطاع الزراعي وما فيها من صعوبات حياتية.

أخيرا وليس آخرا، هل ستبقى هذه الضيعة ضيعة منسية وكلما اشتد ساعد احد من ابنائها هجرها مخلفا بقايا ذكرى وحنين، ام ان عين المسؤولين تعيد النظر اليها وتشملها ببريق أمل طال انتظاره؟

برغز .. نموذج القرى المنسيّة
برغز .. نموذج القرى المنسيّة


برغز .. نموذج القرى المنسيّة
برغز .. نموذج القرى المنسيّة


تعليقات: