الأهالي يؤمنون مؤونتهم من الحطب بما تيسر.. والمشكلة مع التجار

تأمين حطب التدفئة هاجس العكاريين الأول شتاءً
تأمين حطب التدفئة هاجس العكاريين الأول شتاءً


لم تعد غالبية العكاريين تهتم بتقلبات أسعار مادة المازوت، التي عادة ما يكثر الطلب عليها مع اقتراب فصل الشتاء، وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها الأوضاع الاقتصادية المتردية لأبناء عكار، وتحديداً لسكان المناطق الجردية التي يزيد ارتفاعها عن 900 متر عن سطح البحر، حيث يحتاج المواطنون إلى ما يقارب 8 براميل من المازوت، يبلغ سعر البرميل 300 ألف ليرة، أي ما معناه تخصيص مبلغ مليونين و400 ألف للبيت الواحد، تكاد لا تكفي لمنتصف فصل الشتاء، إضافة إلى انعدام الرقابة على الأحراج، الأمر الذي زاد من حجم التعديات على غابات عكار، التي شهدت في العام الحالي موجة من القطع في أكثر من منطقة، خصوصا في الغابات المعمرة، ما دفع بالبيئيين إلى رفع الصوت مطالبين «وزارة الزراعة بتفعيل عمل نواطير الأحراج»، معربين عن أسفهم «لترك غابات عكار عرضة للنهب والحرائق، حيث تعدّ محمية القموعة، وكرم شباط، والقلة، من أهم المحميات الموجودة، ليس فقط في لبنان، بل على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن الصراعات القائمة بين البلدات المحاذية لتلك المحميات جعلتها عرضة للتعديات أكثر من غيرها».

وتسري نظريتان في عكار، الأولى مفادها أن المزارعين ومحدودي الدخل يمكنهم تأمين مؤونتهم الشتوية من الحطب، من دون التعدي على غابات المنطقة، وذلك عبر جمع ما تيسر من حطب يابس خلال فصل الصيف، ولا يجد هؤلاء ضرراً أو خطورة على البيئة، إذا ما تمت الموافقة بين حاجتهم من الحطب، وبين المحافظة على الثروة الحرجية. أما النظرية الأخرى، فهي عبر تضمين الأراضي الحرجية المملوكة للتجار بعد الحصول على رخصة من وزارة الزراعة، تخولهم قطع أشجار الصنوبر من أرضهم، وتحويلها إلى أراض زراعية، مستفدين من كميات الحطب الكبيرة، وفي الحالتين تعد عملية قطع الأشجار الحرجية في عكار من الأمور البديهية التي لا تثير أي استغراب لدى الأهالي، إذ يقومون بتحميل الحطب ونقله في وضح النهار، معللين تصرفهم بعدم قدرتهم على تحمل نفقات المحروقات.

أما بالنسبة للتجار فمنهم من يعمد إلى شراء الحطب من سهل عكار، حيث تكثر أشجار الكينا والكزبرينا، التي يزنر بها المزارعون أراضيهم، وهي عادة تكون أرخص ثمنا من أشجار الصنوبر والسنديان، فيباع الطن الواحد منها بـ 120 ألف ليرة، بينما يتجاوز سعر طن السنديان الـ 170 ألف ليرة، وذلك بحسب التاجر مازن الحسن، الذي يؤكد أنه لا يتعرض لأي مضايقات وهو يبيع الحطب علناً، لأنه لا يعتدي على الغابات، بل يشتري الحطب «من المزارعين في سهل عكار، الذين يستبدلون كروم العنب وبعض الأشجار المنتهية الصلاحية بزراعات أخرى».

ويؤكد سكان القرى الجردية أن «من يقوم بالاعتداء على غابات المنطقة هم من غير العكاريين، حيث يصار إلى تقطيع أشجار الأرز والعرعر النادرة، وبيعها في مناطق أخرى للأغنياء والعائلات الميسورة»، لافتين إلى أن «أصوات المناشير ترتفع في وضح النهار من دون أن يتعرض الفاعلون للمساءلة أو المحاسبة». من جهته، يؤكد المواطن أحمد بكار «أننا نعتمد التقنين حتى في استعمال عود الحطب، الذي بات الحصول عليه يعد مشقة كبيرة، ونحن نعتمد بشكل أساس على جمع ما تيسر من أراضينا الزراعية»، لافتاً إلى «أن لا قدرة لدينا على استبدال الحطب بمادة المازوت، كما أننا حريصون كل الحرص على الغابات المجاورة، لكن المشكلة الأساس تكمن في التعديات على المحميات البيئية التي فتك بها التجار».

ويقول رئيس بلدية مشمش عبد الرحمن الحج: «إن جميع أهالي البلدة والقرى الجردية المجاورة يعتمدون على الحطب كوسيلة للتدفئة خلال فصل الشتاء، المعروف بقساوته في منطقة القيطع، والأهالي يعمدون إلى تأمين احتياجاتهم بطرق مقبولة، من دون أن يفتكوا بغابات المنطقة، لكن هناك العديد من التجار الذين يعتدون، وتحت جناح الليل ومنهم في وضح النهار، على المحميات وقطع الأشجار المعمرة ببساطة شديدة، إذ إن ثواني معدودة من عمل مناشير الحطب الكهربائية تكون كفيلة بإنهاء عمر شجرة شوح، أو لزاب، أو أرز، يزيد عمرها عن المئتي سنة».

ويضيف الحج «إن موضوع التعديات على غابات المنطقة كان سببا في وقوع العديد من الحوادث الأمنية والاعتداء بالرصاص، إضافة إلى القيام بحرق سيارة، ودراجة المراقب البيئي المكلف من قبل البلدية بحراسة غابات المنطقة، وعلى الرغم من ذلك لم يتم إيقاف التعديات أو إلقاء القبض على المعتدين». ويحمل رئيس «مجلس البيئة» في عكار الدكتور أنطوان ضاهر «وزارة الداخلية مسؤولية التعديات المتكررة على غابات المنطقة، بسبب التقاعس في إجراء محاضر الضبط وعدم الاكتراث عند الابلاغ عن أعمال القطع، إضافة إلى المسؤولية الملقاة على عاتق وزارة الزراعة، ووزارة البيئة الغائبة كليا عن المنطقة»، مشدداً على «ضرورة إعلان غابات القموعة، وكرم شباط، والقلة، محميات طبيعية يحظر الدخول إليها، وإلا فان تلك الغابات في طريقها إلى الزوال، خصوصا أن حجم التعديات في السنة الحالية جاء كبيراً، حيث تمت الاستعاضة عن الحرائق بأعمال القطع المنظمة التي طالت أهم الغابات في عكار، والحصيلة قطع أكثر من 500 شجرة معمرة في مدة لا تتجاوز الشهرين». ويشدد الضاهر على «ضرورة إيلاء الوزارات المعنية الأهمية اللازمة لذلك الموضوع، أقله لجهة تفعيل عمل نواطير الأحراج الذين يعملون وفق دوام محدد ينتهي عند الثانية ظهراً، وهو أمر غير مقبول لأن أغلبية التعديات تتم في ساعات ما بعد الظهر وحتى ساعات متأخرة من الليل».

تعليقات: