في بيتنا إنترنت

لا يُنكر أيضاً ما تسبّبت وتتسبّب به الإنترنت من مشاكل اجتماعية وانحرافات سلوكيّة تصل إلى حدِّ الجريمة
لا يُنكر أيضاً ما تسبّبت وتتسبّب به الإنترنت من مشاكل اجتماعية وانحرافات سلوكيّة تصل إلى حدِّ الجريمة


.. لا يستطيع الواحد منّا تجاهل ما يضجّ به العالم اليوم من ثورة علميّة ومعلوماتيّة هائلة, ولا يقدر أن ينأى بنفسه عن مجاراة لغة العصر, ليعيش في غير زمانه ومكانه, في زمن تبدّلت فيه الكثير من القواعد, وتغيّرت فيه العديد من الصور..

ولا شكّ أنّ التطوّر التكنولوجيّ ترك بصماته الإيجابيّة على واقع الحياة, وساهم مساهمة بالغة في تسهيل أمور النّاس, وتأمين الرفاهيّة لهم, وكسر الحواجز والمسافات في ما بينهم, كذلك فإنّه فتح أمامهم آفاق العلم والمعرفة, وبنى لهم جسور التواصل, حتّى غدا الكون كلّه قرية كونيّة واحدة تذوب فيها الفوارق العرقيّة والجغرافيّة والثقافيّة والسياسيّة.

وأمام حسنات النهضة المعلوماتيّة التي تتمثل اليوم بالشبكة العنكبوتيّة " الإنترنت " - والتي باتت ضرورة ملحّة في مرحلتنا- واعترافاً بكل ما قدّمته وتقدّمه من منافع لا يسع المجال لذكرها, فإنّه لا يُنكر أيضاً ما تسبّبت وتتسبّب به من مشاكل اجتماعية وانحرافات سلوكيّة تصل إلى حدِّ الجريمة, وليس هذا افتراضاً أو توهماً وإنما حقيقة جليّة تبيّنها الدراسات والإحصاءات وتثبتها الصور والمشاهدات.

ما يهمني التعرّض إليه في هذه المقالة هو الأثر السلبيّ الخطير للإنترنت على الحياة الاجتماعية سيما الزوجيّة منها, والتي باتت تشكّل خطراً حقيقيّاً على سلامة واستمرارية هذه المكوّن الأساسيّ للمجتمع. ففي الوقت الذي فتحت فيه هذه الشبكة الباب واسعاً أمام التعارف البشريّ دونما حدود, فإنّها ضيّقت الخناق على المساحة الرحبة المفترضة بين الزوج والزوجة في البيت الزوجيّ, وشكّلت حاجزاً تواصليّاً بين الزوجين أدّى بدوره إلى استفحال ما يعرف اليوم بمرض "الخرس الزوجي" او انعدام لغة الحوار والتواصل بين الزوجين.

لقد أصبحت الإنترنت مهرباً ومفرّاً من مواجهة المشاكل أو الاختلافات الزوجية, ما أدّى إلى تراكمها وبالتالي إلى صعوبة حلّها, كما أنها ولبالغ الأسف تحوّلت لدى البعض من ضعاف الوعي والثقافة والإيمان ممرّاً نحو علاقة إضافية ممجوجة عرفا, ومحرّمة دينا, تفوح منها رائحة الخيانة والرذيلة, ولا تجد لها مبرّراً على الإطلاق, ولا يمكن تطبيعها بأيّ حجة من الحجج التي يلجأ إليها البعض, كفشل الحياة الزوجيّة, أو افتقادها إلى الحبّ والاهتمام, أو القسوة والظلم الذي يمكن أن يُمارس من أحد الشريكين باتجاه الآخر. ذلك أنّ هذه الأسباب إن وجدت فإنّ لها العديد من العلاجات وربما تصل أحياناً إلى حدّ الطلاق الذي هو نهاية مأساويّة للرابطة الزوجية, ولكنّه حلّ منطقيّ ومشرّف إذا دعت الحاجة الملحّة إليه.

.. في الوقت الذي نحذّر فيه من شرك الإنترنت وخطر الوقوع في منزلقاتها, فإنّنا لا نتبنّى ما ذهب إليه البعض من إصدار فتوى تلزم المرأة بوجود محرم إلى جانبها عند استخدامها للإنترنت, ولكنّنا نحذّر المرأة والرجل على حدٍّ سواء من الصيّادين الذين يتربّصون بضعاف النفوس والقلوب, ويلقون إليهم بشركهم لينالوا منهم وطرا, كما نؤكّد على ضرورة ترشيد استخدام الإنترنت وقوننتها ومراقبتها لجهة ما تحتويه من إمكانيات هائلة على توفير مواد الرذيلة والانحراف كالإباحية والمقامرة والمخدرات وغيرها .

بقلم : الشيخ محمد اسعد قانصو

تعليقات: